المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

بيت الحكايا2 – زينب صالح






طريق العودة لا يشبه أبدًا طريق الذهاب. يشعر بغبطة عارمة تحتضنه وتلفّه. ربّما هي أسمى لحظات السّعادة التي عاشها منذ زمن طويل.
جدران ذلك البيت وفيّةٌ لمن لامس صمتها، فحفظت حنين أصوات الآيبين، أولئك الذين غادرونا.
وهو، سمع الكثير، ما كان ينتظر سماعه وما لم ينتظر، وما توقّع وما لم يتوقّع.
-    كم كانوا مرحين، هنا جلسوا وصوّروا آخر لحظاتهم. لو أنّنا عرفنا بأنّهم مغادرون لكنّا صوّرنا الكثير.
-    عفوًا، عمّن تتحدّثون؟
قبل أن يسمع الجواب التفّ إلى الجدران وتأملها مليًّا. نعم، إنّهم هم! الشهداء الأربعة الذين وقعوا في كمين زفّهم سويةً! لقد حضر مقطع الفيديو الذي تناولته وسائل التواصل الاجتماعي، سمعهم ينشدون بالكثير من المرح، وبالكثير من السرور، وبالكثير الكثير من طاقة خفية لا تلف إلا الشهداء قبيل ارتفاعهم!
دمعت عيناه حينها! سأل نفسه، ترى ما هذه المفارقة؟! أن ينشدوا أمام عدسة الكاميرا بتلك الروح الطيبة، كأنّهم يتركون لنا حضنًا نرجع إليه عندما نشتاق إليهم. أو ربما كي نعرف كم هي مرحةٌ أراوح أولئك المجاهدين.
-    حمد لله على السلامة يا حبيبي، الليلة سأنام قريرة العين.
-    لماذا يا أمي؟ هل تضعين عمري في قارورة عندما أكون إلى جانبك في الجامعة أو في القرية؟!
-    على الأقل أعلم أنك لست في المواجهات، لست في مرمى النيران، ولن تكون عرضة لحادث قنص... كم ولدًا عندي حتى أخسرك؟!
-    أولًا، ليس كل من ذهب الى أرض الدفاع المقدس هو في مرمى النيران؛ قد يكون فعلًا في أمان. ثانيًا، إنّ شرف الشهادة لا يناله أي كان. الكثيرون يا أمي يعرّضون أنفسهم للنار، ولا يصيبهم أي أذى! لا يرتفع سوى من يختاره الله فقط. لسنا جميعًا في الصفوف الأمامية يا أمي. أنا كنت في مطبخ، أعدّ الطعام وأصبّه في أطباق، وأغسل الصحون أيضًا. عليّ تعلّم عمل ربات البيوت.
-    لأنك ما زلت طالبًا. غدًا يا بنيّ ستتدرّج وستشارك في المواجهات.
-    وهل تحزنين إن وصلت الى هذه الصفوف، هل تعلمين بأنّ الشباب يتمنون التأهل الى هذه الرتب، وأنّ كل شاب يسأل بحماس عن موعد دوره. لماذا  تريدين أن تحرمينني هذه النعمة. لقد قالها لنا "أبو علي الحر"، "اليهود نعمة، والتكفيريون نعمة، إنها نعمة الارتقاء يا أمي"!
صمتت الأم، ودمعت عيناها.
-    "من وين طلعتلنا سوريا"! ربيتك كل شبر بنذر! تحملت كل ما تحملته من أجلك، أنت وإخوتك بعد وفاة والدك، والآن وبكل هذه السهولة أنظر إليك ترتقي أمامي. تريد العروج إلى عالم السماء. تريد أن تموت؟
-    أمي، حبيبتي، اسمعيني! لماذا تأثرت على الشهداء؟ لماذا تبكين عليهم؟ وبالتحديد لماذا أُصبت بالاكتئاب حين استشهد قائدنا "أبو علي"، وأنت لا تعرفينه؟





-    لأنهم شهداء، وسقطوا دفاعًا عنّا. تركوا حياتهم وعيالهم وأولادهم...
-    ولماذا تقفين إذا في طريقي ما دمتِ مقتنعةً بخطِّي. أمي، هل تريدينني أن أجلس في البيت وأنتظر المد التكفيري حتى يصل إلينا؟ عندها ماذا أفعل؟! سأكون عاجزًا عن الدفاع حتى عنك. سترينني أقتل أمام عينيك قبل أن تصبحي أسيرتهم، وهذا لن يحصل ما دامت أمواج دمائنا تسحق معسكرات حقدهم.
أجهشت الأم بالبكاء، فاحتضنها ومسح دموعها:
-    أمي، أتذكرين ماذا حصل في القرية قبل سنوات عدة ؟ كم شابًا بكينا؟ بكينا وندبنا شبابًا كالورد تبعثرت أعمارهم في الطرقات بحوادث سير. أنسيتِ صديقي علي؟ ذلك الشاب العشريني الذي كان وحيد أمه الأرملة، على ست بنات. لقد قضى علي غرقًا يا أمي أمام عيون والدته وأخواته، وأمام عيوننا جميعًا. لقد كان في الكشاف وبين صفوفنا، لكنّ الموج اختاره قبل أن يُرزق الشهادة. والأمثلة كثيرة أيتها المؤمنة بقضاء الله وقدره.
توقفت أمه عن البكاء، نظرت إليه بابتسامة واسعة، ثم قالت:
-    معك حق، لقد قضى شباب كثيرون في حوادث مشابهة. أستغفر الله، لكن، إنها العاطفة يا ولدي. أنا أثق بالسيد حسن، وأعرف أن كل قراراته صائبة، وأنهم سوف يصلون إلينا إن لم نوقفهم، لكن...
-    لكن ماذا؟!
-    أريد أن أزوجك!!
ضحك وقال:
-    آه يا أمي! الزواج الآن، وأنا ما زلت طالبًا؟
-    أنتم الشباب أعماركم قصيرة، أريد أن أفرح بك.
-     حسنًا، هيا اختاري عروسًا مناسبة... يتبع
 
09-أيار-2014

تعليقات الزوار

استبيان