المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

أعرف هذه الروح* - محمود نصار





كثيرة هي الذكريات التي قد يجمعها الواحد منّا لتكون كفيلة أن نحزن حين يغادرُنا أولئك الشّهداء. لكن الغريب بيني وبينك يا حيدر* أني لم أرَك، لم أسمع لك همسًا، ولا كحّلتُ عيني برؤياك، فقط كانت الذّكرى التي عوّدَتني على حبِّك، هي تلك الليلة التي سجّلتُها في دفاتر حنيني. كانت السّاعةُ تشير الى الثانية فجرًا. كنتُ مع رفاقي نسهر كعادتنا ولكن شيئًا وحيدًا ينقص تلك السّهرة. إنّه الغالي*. فالسهرات، بدون صوته وحركاته، يتيمة. أين هو ؟ يسألني أحدهم، وما ان هممت بالإجابة، سمعت رنّة "الواتس آب" تقاطعني لأنظر وأصرخ بدهشة: "هذا هو، سبحان الله".
كان التواصل بيننا قد انقطع لأيام، بسبب وجوده في منطقة يضعف فيها الإرسال بشكل كبير. انفردتُ عن جميع من كان في السهرة، لأسهر معه على الهاتف، محاولًا أن أسأله عن لحظاته التي منَّ الله تعالى بها عليهم في أرض الجهاد. ولا يخلو حديثنا من طلب الدعاء من أفواههم، هناك حيث الدعاء مُجاب. أثناء الدردشة كتب لي: "عم نحكي عليك انا والشهيد ذو الفقار* ". تعجّبت من كلامه "ومين الشهيد ذو الفقار ؟! ". بضحكةٍ كأني سمعت صداها قال لي إنه جالس مع شاب لم يرَ مثيلًا له، اسمه ذو الفقار. قمّة في الرّوعة والتفاني والإايثار. بعد ذلك أرسل لي بعض الصور التي التقطها له قائلًا: "هودي صور الشهيد ذو الفقار احفظهم عندك لنزبّطلو هنّي بس يستشهد".
 ومنذ تلك اللحظة، وبعد أن تأمّلت بصوره مليًّا، أحسست أني أعرفه منذ دهر. انتهى بيننا الحديث. أغمضت عيوني على تلك الابتسامة التي رسمتها الملائكة على وجهه السّمح.
 بعد أيام، ليست بقليلة، يصدمني خبر الغالي: "يمكن استشهد حيدر". سألته متعجّبًا: "ومين حيدر؟". فقال لي ذاك الذي حدّثتك عنه، وأرسلت لك صوره، وقلت لك عنه: "هذا الشهيد ذو الفقار". بلى، تذكّرته وكيف لي أن انساه أصلًا. وبعد تأكيد الخبر وتحديد موعد التشييع، ذهبنا مع بعض الأصدقاء إلى مسقط رأسه، قعقعية الجسر/قضاء النبطية، حيث انتظرنا بشوق جثمانًا، لم تسعفنا الأيام للتعرف إليه روحًا!
همس أحدهم في أذني قائلًا: "هنيئًا له فقد واسى إمامه الحسين(ع) بقطع الرأس".  هذا ما زاد تعلّقي به أكثر، وإن لم أرَه. أحسست، تلك اللحظة، بأن له شأنًا، فضلًا على كونه شهيدًا. بعد شهادته، كنّا نذهب كلّ خميس قاصدين روضته، وكنا نتشرّف بحضور مجلس العزاء في منزل ذويه. وهكذا صار حيدر المجاهد الهادئ شهيداً، أفخر بأنني عرفته ولو من بعيد لكنّي تمنّيت لو أني كنتُ خادمَه يومًا.






ابن الشهيد أحمد سلوم في تشييع الشهيد حيدر سبيتي



*أحداث القصة منقولة عن أحد الاخوة.
*حيدر : الشهيد المجاهد حيدر محمد سبيتي - استشهد بتاريخ 26 آذار 2014 .
*الغالي : أحد الاخوة المجاهدين الذين تشرفوا بصحبة الشهيد حيدر.
 *ذو الفقار : الاسم الجهادي للشهيد حيدر.
16-أيار-2014

تعليقات الزوار

استبيان