المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الشعر الوطني الفلسطيني 3: عبد الرحيم محمود، الشاعر الشهيد - فيصل الأشمر





زخرت فلسطين بالمثقفين والشهداء معًا، وبعض هؤلاء جمع بين النضال وبين اشتغاله بالأدب والفكر، وتُوجت مسيرة عدد منهم بالشهادة في سبيل القضية، كالشاعر عبد الرحيم محمود.
وُلد الشاعر الشهيد في قرية عنبتا التابعة لقضاء طولكرم في العام 1913.  والده هو الشيخ محمود عبد الحليم الفقهاوي الذي عُرف عنه أنه كان من الأئمة والعلماء الكبار في بلاد الشام، زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
درس الشاعر في مدرسة النجاح الوطنية في نابلس، واشتغل مدرّسًا في المدرسة نفسها حتى العام 1936 حين اشتعلت الثورة الكبرى في فلسطين، وهي الثورة التي شملت كل الأراضي الفلسطينية، ضد سلطات الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية الموالية له. إثر اندلاع الثورة ترك الشاعر التدريس والتحق بالثوار، ثم اضطر إلى السفر إلى العراق بعد انتهاء الثورة في العام 1939 ومطاردة المحتلين البريطانيين له. في العراق التحق عبد الرحيم محمود بالكلية الحربية، ثم عاد إلى فلسطين في العام 1947، يوم اشتعلت ثورة فلسطينية أخرى في أعقاب التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين، وهو القرار القاضي بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى دولتين، عربية ويهودية، وجعْل القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت وصاية دولية.
التحق عبد الرحيم محمود بصفوف المجاهدين، لكن جهاده لم يستمر طويلًا، إذ استشهد في معركة الشجرة، التي وقعت عند قرية الشجرة بين أهل القرية الفلسطينيين وبين الصهاينة، في العام 1948، وانتهت باحتلال البلدة وتهجير سكانها.
مع عمره العمر القصير الذي قضاه الشاعر في دنيانا، فقد ترك لنا الكثير من القصائد التي جُمعت بعد استشهاده، وصدرت في ديوان.
وقد امتلأت قصائد الشاعر بالعاطفة الوطنية الصادقة، والثورة الجياشة، والنقمة على المعتدين. ومن أوائل قصائده، قصيدة ألقاها وكان عمره اثنين وعشرين عامًا، يوم زار الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية يومها قرية عنبتا، فألقى الشاعر في حضوره قصيدة، قال فيها، متنبئًا باحتلال المسجد الأقصى:
يا ذا الأمير أمام عَيْنِـك شاعرٌ             ضُمَّت على الشَّكوى المريرة أَضْلُعُهْ
المَسجد الأقصى أَجِئْتَ تَزُورُه؟‍              أم جئـت من قبل الضِّبَـاع تُوَدِّعُهْ؟‍
حَـَرمٌ مُبـاحُ لكـل أَوْكَعَ(1) آبقٍ(2)             ولكـلِّ أَفَّــاقٍ شـَرِيدٍ، أَرْبُعُه(3)
وغدًا وما أدناه، لا يبقى سوى                 دَمْعٍ لنـا يَهْمَـي(4) وَسِـنٍّ نَقْرَعُه(5)
ويصف عبد الرحيم محمود الشعب الباسل في قصيدة تحمل العنوان نفسه، أجمل وصف، فيقول:
شعب تَمرَّس في الصِّعاب        ولم تَنَلْ منه الصعاب
لو هَمُّه انتاب الهضاب           لدُكْدِكَتْ منه الهضاب
مُتَمَرِّدٌ لم يَرْضَ يومًا               أن يُقِرَّ على عذاب
وعُداته رغم الأنوف               تذلُّلًا حانو الرقاب
مثلٌ حدا حادي الزمان             به وناقَلَت الركاب
إِنْ تجهلَ العَجَبَ العُجاب         فإننا العَجَب العُجاب
نحن الألى هاب الوجود          وليس فينا من يَهاب
وَسَلِ الذي خَضَع الهواءُ           له وذَلَّ له العُبَاب
هل لانَ عُوْدُ قناتِنا؟        أم هل نَبَتْ عند الضِّراب؟
أو شام عيبًا غير أنا            ليس نرضى أن نُعاب
حُيِّيتَ من شعب تَخَلَّد              ليس يعروه ذهاب
لَفَتَ الورى منك الزَّئير       مُزَمْجِرًا من حول غاب
وأرى العِدا ما أذهل الدنيا            وشاب له الغُراب
عرف الطريق لِحَقِّه           ومشى له الجَدَد الصواب
الحقُّ ليس براجع                  لذويه إلا بالحِرابْ
والصرخة النكراء تجدي            لا التلطف والعتاب
والنار تضمن والحديد            لمن تساءَل أن يُجاب
حَكِّمْهُما فيما تريد             ففيهما فَصْلُ الخطابْ
 ومن قصائده الجميلة القصيدة التي عنوانها: دعوة إلى الجهاد، ومنها:
دعا الوطن الذبيح إلى الجهاد         فخف لفرط فرحته فؤادي
وسابق النسيم لا افتخار           أليس عليّ أن أفدى بلادي ؟
حملت على يدي روحي وقلبي           وما حملتها إلا عتادي
وقلت لمن يخاف من المنايا        أتفرق من مجابهة الأعادي؟
أتقعد والحمى يرجوك عونا       وتجبن عن مصاولة الأعادي؟
فدونك خدر أمك فاقتحمه            وحسبك خسة هذا التهادي
فللأوطان أجناد شداد                يكيلون الدمار لأي عادي
يلاقون الصعاب ولا تشاكي          أشاوس في ميادين الجلاد
بني وطني دنا يوم الضحايا        أغر على ربى ارض الميعاد
فسيروا للنضال الحق نارا         نصب على العدى في كل واد
فليس أحط من شعب قعيد           عن الجلى وموطنه ينادي
إذا ضاعت فلسطين وأنتم         على قيد الحياة ففي اعتقادي
بأن بني عروبتنا استكانوا            وأخطأ سعيهم نهج الرشاد

أما أشهر قصائد الشاعر عبد الرحيم محمود فهذه:
ســأحمل روحــي عـلى راحـتي      وألقــي بهـا فـي مهـاوي الـردى
فإمــا حيــاة تســر الصــديق        وإمــا ممــات يغيــظ العــدى
ونفس الشـــريف لهــا غايتــان        ورود المنايـــا ونيـــل المنــى
ومـا العيش? لا عشـت إن لـم أكـن مخــوف الجنــاب حـرام الحـمى
إذا قلــت أصغــى لـي العـالمون        ودوّى مقـــالى بيـــن الــورى
لعمـــرك إنــي أرى مصــرعي          ولكـــن أعــد إليــه الخــطى
أرى مصـرعي دون حـقي السـليب           ودون بـــلادي هـــو المبتغــى
وجســم تجـدّل فـوق الهضاب     تناوشـــه جارحـــات الفـــلا
فمنــه نصيــب لأســد السـماء         ومنــه نصيــب لأســد الــثرى
كســـادمه الأرض بـــالأرجوان                 وأثقــل بــالعطر ريــح الصبـا
وعفــّـر منــه بهــي الجــبين              ولكـــن عفــارا يزيــد البهــا
وبــان عــلى شــفتيه ابتســام                 معانيــه هــزء بهــذي الدنــا
ونـــام ليحــلم حــلم الخــلود                ويهنــأ فيــه بــأحلى الــرؤى
لعمــرك هــذا ممــات الرجـال          ومــن رام موتـًا شــريفًا فــذا
فكــيف اصطبـاري لكيـد الحـقود          وكــيف احتمــالى لســوم الأذى
بقلبــي ســأرمي وجــوه العـداة            فقلبــي حــديد ونــاري لظــى
وأحــمي حيــاضي بحـد الحسـام           فيعلـــم قــومي بأنــي الفتــى







1 – الأوكع: قليل الخير
2 – الآبق: الهارب
3 – الأربع: الديار
4 – يهمي: ينزل
5 - قرع السن: دلالة على الندم


19-أيار-2014

تعليقات الزوار

استبيان