المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

25 أيار: مشاهد - داني الأمين




14  عامًا على  التحرير والمعركة مستمرّة، لم يهدأ بال الجنوبيين بعد، هناك، قبالة الحدود مع فلسطين المحتلّة، " قبلة المقاومين"، " كلّ شيء تغيّر، الاّ سواعد المقاومين، فالحرب لا تزال قائمة"، ولا شيء ينسي الأهالي " أجمل ذكرى". تعود الذاكرة الى الوراء، " فرحة ما قبلها فرحة، لأننا ننتظر المزيد"، هكذا يقول مقاوم على لسان أقرانه، الذين على حدّ قوله " يتذكّرون في كل جلسة قصّة، من أيام التحرير، كونها أسعد الأيام التي مرّوا بها في حياتهم، فهؤلاء لم يذرفوا الدموع يومًا الّا على شهدائهم، لكنهم ذاقوا يومها دموع الفرح". عرف المقاومون حينها، أن " اللّحظة المنتظرة حلّت، بعد آخر عملية نوعية نفذّوها، قبل يومين من التحرير، بأمر من قائدهم الحاج عماد مغنية، على موقع البياضة العسكري في منطقة صور. وقتها أراد الحاج عماد أن يرسل رسالته الأخيرة الى العدوّ، فأرسل لأوّل مرّة في تاريخ العمل المقاوم دبابة إلى مكان قريب من الموقع، أمطرت دشمه بالقذائف قبل دخولها إليه وتفجيرها ليسقط الموقع بأكمله على رؤوس من فيه". أثناء لحظة التحرير في بلدة الخيام ( مرجعيون)، قال أحد المقاومين مخاطبًا رفيقًا له في الجهاد، أثناء بدء عبور المئات من الأهالي إلى أحياء البلدة، وهم يعبّرون على طريقتهم عن سعادتهم بالتحرير: " ماذا تحبّ أن تفعل في هذه اللحظة؟"، فأجاب المقاوم: " أرغب في البكاء".  قال كلمته هذه، وبدأ جميع أفراد المجموعة المقاومة بالبكاء معه، كان بكاءً جبلت فيه سعادة النصر بالحزن على فراق مقاومين كانوا يتشوّقون دائمًا لشهود هذه اللحظة". في هذه الأيام السعيدة يعود شريط ذاكرة هؤلاء غلى قصص، لم يكونوا قد خطّطوا لها، كما يفعلون عادة، لقد تفاجأوا بجماهيرهم الحاضنة لهم، وهم يعبرون أمامهم وخلفهم إلى القرى المحتلة لتحريرها، كان في مقدّمة هؤلاء امرأة، من بلدة الغندورية ( بنت جبيل)، تحمل طفلها الرضيع، الذي لم يتجاوز الشهر من عمره، يقول شاهد: " كان اليوم الأول لزحف الأهالي نحو القرى المحتلّة سابقًا، في الواحد والعشرين من أيار، عندما قرّرت المقاومة أن تبدأ بتحرير بلدة القنطرة ( مرجعيون)، وقتها استغلّ المقاومون والأهالي ذكرى وفاة امرأة في بلدة الغندورية المحرّرة المجاورة، فتجمّعوا، واتجهوا سيرًا على الأقدام باتجاه بلدة القنطرة"، وللإشارة يلفت إلى أن " بلدة القنطرة كانت قد سقطت عسكريًا بعد أن تعرّض موقعها لعمليات عسكرية متتالية، فكانت الحلقة الأضعف للبدء منها بعملية التحرير". " تلك المرأة، تدعى فاطمة، تقدّمت طوعًا وبحماسة شديدة، حملت رضيعها تحت أشعة الشمس الحارقة، مشت بسرعة وحماسة شديدين، والجميع ينظر الى شجاعتها، أطلق العدوّ حينها مدافعه باتجاهنا، فتراجع البعض، الاّ أن المرأة أصرّت على المسير بطفلها الرضيع، رغم بعد المسافة، لتكون من أوائل الذين عبروا بوابة تحرير القنطرة". لم تكتف فاطمة بذلك، بل أكملت سيرها مع الأهالي الى بلدة القصير المجاورة.

من شقرا إلى حولا في 22 أيار 2000


 في بلدة حولا التي زحف الأهالي نحوها انطلاقًا من بلدة شقرا المجاورة، في 22 أيار، ترجّل مقاوم، حمل سلاحه وانطلق في مهمته، تقدّم صفوف زملائه، فهو ابن البلدة التي لطالما حلم بالعودة إليها، لملاقاة والدته التي سجنها العدوّ وعملاؤه في منزلها لأعوام طويلة، بعد أن علموا أن ابنها " مقاوم". المرأة تدعى أيضًا فاطمة، أنهكها العمر وظلم العدوّ، وهي " لم تر ابنها منذ 15 سنة". يقول شاهد عيان، من رفاق الدرب، " نعرف أن هذا المقاوم يحلم منذ سنوات برؤية أمّه التي تعرّضت مع باقي أفراد أسرته للتنكيل والتعذيب بسبب انتمائه إلى المقاومة، لكنه وإن كان من أوائل الواصلين إلى بلدته حولا لم يترك عمله الجهادي لملاقاة أمه، بل أكمل عمله لساعات طويلة، إلى أن كانت لحظة خروج والدته لأول مرّة، بعد أشهر طويلة، إلى ساحة البلدة، معبّرة عن سعادتها بالتحرير". فاطمة كانت تمشي بسرعة، تنظر شمالًا ويمينًا لعلّها ترى طفلها الذي غادرها قبل أن يصبح شابًا مقاومًا. يومها كان الابن قريبًا من المكان، مشغولًا بعمله، عندما وقع نظره على والدته القادمة من بعيد. " ركض نحوها، وركضت هي أيضًا، فكان المشهد عظيمًا ونبيلًا، أدمع عيون الكثيرين، من الذين عرفوا قصة الولد وأمّه".

عند موقع العباد شرقيّ حولا

كشف التحرير أكثر عن نبل المقاومين الذين دخلوا البلدات المحرّرة، فتعاملوا برأفة ورحمة مع الجميع " حتى العملاء، الذين نعرف بعضهم جيدًا، لم نتعرّض لهم، ولم نسمح لأحد بالانتقام منهم، ما سمح لبعضهم، أثناء إلقاء القبض عليهم، طلب ما يشتهون، بعضهم أراد الاستحمام، وآخر طلب نوعًا محددًا من الطعام، أما تلك المرأة المعروفة بتعاملها الوقح مع الاحتلال، فبدت ذليلة ومهزومة، فلم يتحمّل الضابط المقاوم هذا المشهد، فأمر بإعادتها إلى منزلها".

الشيخ "أبو ذر" .. شيخ المقاومين
لم يُحكَ كل شيء عن الشيخ "أبو ذرّ" الذي ارتفع شهيدًا عندما لامست قدماه أرض قريته الصغيرة، رشاف (بنت جبيل)، التي أصبحت بعد تحريره لها، مع رفاق دربه، بلدة ضاقت أحياؤها بالأبنية الحديثة الجميلة. في العام 1958، ولد الشيخ أحمد يحيى، المعروف باسمه الجهادي " أبو ذرّ"، فتربّى في كنف أسرة فقيرة تعيش على محاصيل شتول التبغ المرّة. قبل العاشرة من عمره كان يتردد إلى مسجد القرية حتى لفت أنظار كبار السنّ، الذين لم يشاهدوا من في مثل سنه يواظب على الصلاة داخل المسجد. عندما ترك أبو ذرّ رشاف، كان العدوّ الاسرائيلي قد اجتاح الجنوب اللبناني في العام 1978، حين ارتفع والده شهيدًا على أيدي الجنود الإسرائيليين الذين عذبوه ثم قتلوه ورموه داخل في بئر القرية. حينها لجأ أبو ذرّ مع عائلته، التي أصبح معيلها الوحيد، إلى بيروت ثم ليسافر ويعود معمّمًا بعمّة بيضاء، بدأ معها بعمله المقاوم، فشارك في معظم العمليات العسكرية النوعية على مواقع الاحتلال، "مرتديًا لباسه العسكري، ومجلِّلًا خوذته العسكرية بعِمّته"، يقول أحد عارفيه من المقاومين، ويشير المقاوم إلى أن الشيخ " كان يفضّل دائمًا المشاركة في العمليات العسكرية على المواقع القريبة من بلدته رشاف.


"تفرّغ للعمل المقاوم، وكان يفضّل الاختلاط بالمقاومين على الاختلاط برجال الدين، لكي لا تفوته فرصة الجهاد وتحرير بلدته رشاف، التي كان يتنافس على مدى ولائه وعشقه لها، مع زملاء له، فيحاول دائمًا إثبات ذلك قولًا وفعلًا". لحظة دخول المقاومين والأهالي إلى بلدة حولا، في 22 أيار، كان الشهيد أبو ذرّ معهم، داخل البلدة بسيارته، مع عدد من رفاقه، أمضى ساعات هناك، قبل أن يعلم ببدء لحظة التحرير في بلدته رشاف، ترك كل شيء واتجه مسرعًا إلى هناك، فقرّر أن يكون من أوائل الذين يدخلون البلدة من الأهالي والمقاومين لحظة التحرير، يقول زميل له : " 20 عامًا من عمل أبو ذرّ المقاوم، شارك خلالها في عشرات العمليات النوعية البطولية، التي لم تؤدِ إلى الاستشهاد، لكنه عندما وضع رجليه في تراب البلدة، وهو من أوائل الواصلين اليها، قصف جنود العدو، الذين كانوا لا يزالون كامنين خلف دشم موقع الاحتلال في رشاف، المكان الذي دخل منه أبو ذرّ، فتعرّض لإصابة بليغة، نُقل على إثرها إلى أحد مستشفيات صيدا للمعالجة، حيث رقد فيها ثلاثة أيام قبل أن يفارق الحياة، في يوم التحرير في الخامس والعشرين من أيار".
23-أيار-2014

تعليقات الزوار

استبيان