المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

25 أيار: في "مسجد حولا" – أحمد هادي





الطيبة... (عن موقع اتحاد بلديات جبل عامل)

أنهيت خدمتي للتو وذهبت في إجازة إلى بلدتي، يقول علي مبتسمًا. يسهم قليلًا ليتذكر التفاصيل. نعم، كان وقت الظهيرة وكنت أجلس أمام منزلي. كانت الأخبار تتوالى عن احتمال انسحاب العدو الصهيوني من الشريط المحتل. بدأت عروقي تغلي. تواصلت مع الإخوة في عملي، كان ردهم بأن أبقى على السمع. مر الوقت ثقيلًا. عدتُ بالذكرى إلى بضع ساعات خلت، حين كنت في دورية بإحدى القرى المحتلة، نستطلع موقعًا معاديًا، تحضيرًا لهجوم ما. لم أتوقع للحظة بأن الاندحار قريب إلى هذا الحد. و أنا بين الحلم واليقظة نبّهني بوق سيارة صديقي لؤي، الذي كان سيخرج من السيارة فرحًا، ناداني على مد الصوت: يا علي انسحبوا من "الطَّيْبَة"(قضاء مرجعيون). كأنني لم أعِ ما قال. كررها ثانية: انسحبوا من الطيبة. لم أصدقْ ما أسمع. ما العمل؟ قال لي بأن كل الأهالي في طريقهم إلى هناك.
ركبت معه السيارة، والأفكار تأخذني هنا وهناك. انطلقنا إلى بلدة الطيبة. باقترابنا من مشارفها بدأت دقات قلبي تتسارع. منظر رهيب: الناس تملأ الطرقات. زحمة سير؟ أين؟ على طريق الطيبة. هو واقع، هو حلم، شعور لا يمكن وصفه. يعني "عشنا وشفنا هاليوم"!.
مئات الأفكار والذكريات تزاحمت في عقلي، ونحن نسلك هذا الطريق: هنا استشهد فلان، هنا كمنّا للعدو، هنا تعرضنا لقصف... إلى أن وصلنا ساحة بلدة الطيبة، حيث كان الأهالي يفترشون الأرض كالزهور. هذا يسلّم على ذاك، وهذا يعانق أمًا لم يرها منذ عشرين عامًا، هذا يبكي وذاك يزغرد... كانت أصوات لطلقات نارية تُسمع بين الحين والآخر. تحليق كثيف لمروحيات العدو في الأجواء. الموقع المعادي كان ما زال محتلًا، ويسعى العدو لسحب جنوده وعتاده منه قبل وصول الناس، ولا أنسى مشهد الطائرة المروحية وهي تحلق فوقنا على ارتفاع منخفض جدًا. سألني صديقي لؤي مقارنًا: كيف تنظر إليها الآن، وكيف نظرت إليها البارحة؟ حتمًا، المشهد مختلف. البارحة كانت تعني الهجوم والقتل، واليوم الهروب والهزيمة.


حولا... (عدسة جلال شريم)

بينما نحن كذلك بدأت تتوالى الأخبار عن عودة القرى المجاورة إلى حضن الوطن. وكان القرار العفوي من الناس بالدخول إلى باقي القرى. لم أجد نفسي إلا وأنا أتوغل شيئًا فشيئًا إلى المناطق "المحرّمة" علينا حتى تلك اللحظة. لم أعرف كيف مرت علي تلك الليلة، فرحٌ يغمره حزنٌ. فجر اليوم التالي كان المجاهدون لا يزالون في كمائنهم ومهماتهم القتالية. دخلنا إلى بلدة حولا، تداخلت الأمور عبورًا من وادي السلوقي، وادي الشهداء كما نسميه، كيف لا وهو شهد أعنف المعارك والبطولات. شهد بأس المجاهدين بعدتهم القليلة، أمام آلة العدو الهمجية. وادٍ يحكي أحد اهم مراحل التحرير، في هذا اليوم دخلناه آمنين وصولًا إلى بلدة حولا، حيث ترك العملاء مواقعهم مذعنين لإرادة الشعب والمقاومة. عند دخولنا إلى أحد مواقع العملاء هناك (كان في حولا 3 مواقع للعملاء، فضلًا على موقع العباد الصهيوني على الحدود مع فلسطين المحتلة) كان طعام الفطور ساخنًا، فقد فرّوا منه على عجل، لم يتوقعوا تدحرج الأمور بهذا الشكل. أيقونة جديدة في هذه البلدة المقاومة ظهرت بنبذ العملاء، فكان الأهالي يرشدوننا على أماكنهم لنجدهم مختبئين أذلّاء، وقد تركهم أسيادهم صاغرين.
 مرت ساعات النهار بسرعة رهيبة في هذا اليوم. ارتفع آذان الظهر من مسجد حولا. دخلنا المسجد نصلي. لم تكن أول صلاة لنا في المنطقة المحتلة، ولكنها أول صلاة فيها محررةً. فور انتهائي، رن هاتفي. إنه لؤي يسألني عن مكاني فأخبرته بأنني في مسجد حو.... حو.... حولا، ونزلت دمعة من عيني، زاحمتها ضحكة عالية من صميم قلبي. يا لها من كلمة. بالأمس كانت لتكلفني روحي، واليوم نطقها سهل مستسهل. بدأت تلوح أمامي صور الشهداء الذين قضوا حتى وصلنا إلى هنا، واحدًا تلو آخر. ابتساماتهم الملائكية، وكلماتهم الرقيقة، لا تغادر العقل والقلب والروح. هم رزقوا إحدى الحسينيين: شهادة حمراء، ونحن رُزقنا النصف الآخر بفضلهم، نصر مؤزّر. شكرًا دماءَ الشهداء، أناةَ الأسرى، آلامَ الجرحى، عرقَ المجاهدين الذين سطروا أروع الملاحم على أرض البطولة وما زالوا، ولا يسألون جزاءً ولا شكورًا.

26-أيار-2014

تعليقات الزوار

استبيان