المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الخروج إلى المخيم (5): قبل اللحظات الصعبة1


الأسير الفلسطيني ثابت مرداوي
تحرير: عبد الرحمن وليد





قلب واحد ...


كيف عمل المقاومون في ظل انقطاع الاتصالات وصعوبة الحركة وشدة القصف؟ قبل الخوض في الإجابة لا بد من فهم تقسيم المجموعات وطبيعة القيادة التي كانت موجودة في جنين.
بُني تشكيل المجموعات -يقول الأسير ثابت مرداوي- على أساس العلاقة الشخصية داخل التنظيم الواحد (أو بين أفراد أكثر من تنظيم برضا تنظيماتهم وموافقتها). هؤلاء الأفراد يتمتعون بدرجة عالية من الانسجام في ما بينهم، تجعل أيا منهم على استعداد كبير للتضحية والصمود إلى جانب رفيق سلاحه حتى الرمق الأخير.
هذه المجموعات كانت تختار- ذاتيًا- المحور والموقع اللذين ستغطيهما وتتمركز فيهما، لكن ذلك لا ينفي أن نكون قد طلبنا -سرايا القدس- من بعضها التمركز في مواقع محددة. من ناحية إدارة المحاور والمعارك، لم تكن هناك قيادة بالمعنى التقليدي السائد في الجيوش. كذلك لم تأخذ القرارات طابع الأمر والإلزام، بل كانت أقرب إلى المشاركة والمشاورة، فلا فعل إلا بقبول الجميع.
مع هذه التركيبة، فإن أكثر الجيوش انضباطًا وتسلحًا لو تعرضت، وفق معادلة النسبة والتناسب، لما تعرضنا له لانعدمت معها سلطة الضبط والإلزام بالمفهوم العسكري، فكيف بعشرات المقاتلين الذين كانوا يشاركون بقرار ذاتي وتطوعي قبل أي شيء آخر؟
حتى إن صفة القيادة التي أعطيت لبعض الشخصيات في المعارك، جاءت بناء على أنها قيادات في تنظيماتها، فاستمرت الصفة نفسها أثناء المعارك، وما دعّم وجودها دورها المميز في المقدمة ومواجهة المخاطر. مثلًا، الشهيد البطل محمود طوالبة كان من أبرز القادة في المخيم، وأضاف على موقعه التنظيمي بعدًا رمزيًا ومعنويًا بحضوره في مقدمة المقاومين والمقاتلين المشتركين معه في المحور الذي يغطيه، وليس أدل على ذلك سوى تمركزه في منزل جواد أبو طالب (حارة الزبيدي)، برفقة صديقيه الحميمين الشهيد عبد الرحيم فرج والشهيد شادي النوباني (سرايا القدس)، ورفضهم الانسحاب من المنزل مع علمهم بأن جميع المقاتلين قد غادروه.
طوالبة رغم صموده حتى آخر نفس في أي موقع كان قد غادره، فإنه اعتمد أسلوب الاقتصاد في استخدام الذخيرة إلى جانب القنص، فكان يقول: "حبذا لو أن كل رصاصة ترد رأس مالها!".

توزيعات المقاومة
توزيعاتنا الرئيسة في السرايا كانت على النحو الآتي: مجموعة تحت إمرة الشهيد القائد محمود طوالبة تغطي المحور الغربي، وأخرى تحت إمرة الحاج علي الصفوري في حارة الحواشين، وثالثة تحت إمرة كاتب هذه السطور -مرداوي- وتغطي محور حارة الدمج، بالإضافة إلى بعض المجموعات الفرعية في مناطق عدة من المخيم.
ولا ننسى قائد الفرقة المتمردة على قرار السلطة في الأمن الوطني، الشهيد يوسف قبها "أبو جندل"، بالإضافة إلى الشهيد زياد العامر (كتائب شهداء الأقصى)، الذي استشهد باكرًا، لكن دوره كان أساسيًا في زرع العبوات والكمائن.
صورة الوضع في اليوم الثاني لم تختلف كثيرًا عن اليوم الأول، ميزها تسجيل إصابات في صفوف العدو. كذلك كانت الاشتباكات التي رافقتها تستغرق نصف ساعة لكل مرة، الأمر الذي جعلنا نشك في أن يكون الهدف من ورائها الإرهاق وإحداث نقص حاد في الذخيرة التي بحوزتنا، لذا كانت تعليماتنا واضحة منذ البداية: الاقتصاد الشديد في الذخيرة.
اليوم الثالث كان هادئًا في مجمله، لكن أبرز الاشتباكات فيه كانت بيننا وبين فرقة من المشاة داخل عمارة أبو الرب المطلة على المدخل الشرقي لحارة الدمج، ولم تتجاوز المسافة بيننا العشرين مترًا.  في هذه الحارة كانت تواجهنا مشكلة أن حجمها صغير جدًا ولا يسمح بوجود أعداد كبيرة من المقاتلين، لكن أي تراجع منا اتجاه المخيم غربًا، ولو بمقدار بيتين، معناه سيطرة الاحتلال على المحور ثم الحارة بأكملها، على ما تمثله من أهمية إستراتيجية. كان مطلوبًا من المجموعة أن تعمل في بقعة صغيرة جدًا، وأن تتحمل كل ضغط يمكن أن تتعرض له.
وحارة "الدمج" فضلًا على أنها خط الدفاع الأول عن المخيم، جغرافيًا وعسكريًا، وفق الحال الدفاعية التي كنا عليها، فإن السيطرة عليها تتيح للاحتلال الإطلالة على حارة الحواشين (قلب المخيم)، التي سيتجمع فيها المقاومون مكرهين لاحقًا.

"أبو جندل" شرطيًا...

... وشهيدًا

التقدم بالمشاة
عمد الاحتلال إلى التوغل في أكثر من محور، لجس نبض المقاومة ومحاولة التعرف على الحلقة الأضعف، حتى يستطيع أن يحدث عبرها ثغرة تكون نقطة انطلاق إلى باقي المخيم. هكذا بدت عملياته في اليومين الأول والثاني، مع الاستعانة برصاص القناصة وغطاء جوي ومدفعي.
توالت المحاولات وكانت حدتها تختلف لدرجة أننا كنا نتمازح في ما بيننا ونقول إنها لعبة أكثر من كونها اشتباكات، لكن بلا شك كان الاحتلال يسعى إلى تحقيق أهداف محددة من وراء ذلك.
هذه المحاولات كانت تستمر طوال النهار، لكن ما إن يحل الغروب ويهبط الليل على المخيم حتى تتوقف كأنها هدنة غير معلنة بيننا وبين الاحتلال. استمر هذا الوضع طوال الاجتياح، مع ذلك فإن القصف ورصاص القناصة لم يتوقفا إطلاقًا، إنما كانا يشتدا حدة ليلًا.
أما في اليوم الرابع، فتغيرت إستراتيجية الاحتلال الذي حاول اختراق المحاور بقوة، وصارت المسافة ما بيننا وبين جنود الاحتلال أكثر قربًا، وبعد أن مالت شمس الرابع للغروب ذهب بعض المقاتلين لأخذ قسط من الراحة، لكنّ تجدد الاشتباكات والقصف في اليوم التالي، منع عليهم العودة إلى المحور، الأمر الذي زاد الضغط على المجموعة المقاتلة الصغيرة المتبقية... يتبع "طوالبة مجددًا"


11-حزيران-2014

تعليقات الزوار

استبيان