المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الخروج إلى المخيم (7): فارس المخيم



الأسير الفلسطيني ثابت مرداوي
تحرير: عبد الرحمن وليد


ا


انتصفت المعركة، صرت برفقة الشهيد محمود طوالبة بعدما علمت أنه عقب انتهاء المعركة في المحور الغربي، قتل جميع الجنود الذين كانوا محاصرين في بيت عائلته. بعد ذلك ترك طوالبة هذا المحور وذهب إلى موقع آخر لكن هذه الجولة أصبحت على أشدها.
انتبهت، والحديث للأسير ثابت مرداوي، إلى أن ساعد محمود الأيمن ملفوفة بقطعة قماش بدت من بين خيوطها بقع دم، وذلك نتيجة شظية أصابت ساعده الأيمن. حاصرنا أحد المنازل. أطلق طوالبة النار على الجنود الذين كان يسحبون بعضهم بواسطة قضبان حديدية معكوفة، وما إن دخلوا البيت حتى كانت الأرض التي يقفون عليها مغطاة بدمهم.
بعد أن تأكدنا من أن الجنديين خارج المنزل صارا قتيلين، لا أعرف لماذا سمحنا لمن داخل المنزل بسحب الجثتين بالقضبان الحديدية. الآن أصبح الجنود  بقتلاهم وجرحاهم وأحيائهم داخل منزل "الغريب" الذي سيشهد الجزء الثاني من هذه الجولة.

الانتقال إلى محور جديد
نزلت ومحمود والشهيد طه الزبيدي* من حيث كنا باتجاه منزل الغريب، قاصدين الجهة الغربية منه. كان هناك عدد من المقاتلين الآخرين يطلقون النار على الجنود داخل المنزل.
خلال ركضنا سألت محمود عن سبب هذا الجرح في ساعده، وعن مجريات المعركة التي شهدها في المحور الغربي. قال إنه أصيب بشظية عندما راحت الطائرات تقصفهم بالصواريخ في محاولة لإخراج جنود محاصرين. أخبرني كيف كان الجنود الصهاينة يصرخون ويستغيثون: "اتركونا نخرج وسنعود إلى بيوتنا ولن نقاتلكم". اختصر الحديث معي بعدما أكد تفجير منزله بأولئك الجنود الذين كانوا قادمين لاعتقاله أو قتله، ثم وعدني بالحديث عن باقي التفاصيل لأننا وصلنا منزلًا آخر تحصن فيه صهاينة آخرون.




الواجب أكبر من الإمكان
من داخل المنزل، علا صراخ أصحابه. صوت بكاء النسوة والأطفال واستغاثاتهم تفجر فيك كل الطاقات التي تعرفها ولا تعرفها في ذاتك. علينا فعل شيء مهما كلف الثمن من أجل الاستجابة لهذا النداء، الذي يستفز كل خلية من خلايانا.
قررت أن أقفز إلى داخل المنزل. قال الشباب لي إن هذا جنون وستقتل إن فعلت. كان ردي أننا على الأقل سننقذ أصحاب المنزل الذين يستغيثون، وإن قتلنا سنكون قد قدمنا عذرنا لهم وللتاريخ، لكن أؤكد أننا لم نكن نحتمي بالأهالي والمدنيين، في حين أن الصهاينة كانوا يأخذونهم دروعًا بشرية.
قفزت إلى داخل المنزل من النافذة بعد أن خلعنا شبك الحماية من عليها، ولحقني كل من الشهيد طه وأخ آخر. كان أصحاب المنزل قد لجأوا إلى الغرفة التي كنا نحاول الدخول منها، وهي أقصى ما في المنزل من جهة الغرب. على ما يبدو أن جنود الاحتلال لم يلحقوا بهم في تلك اللحظة.
رأيت نساء وأطفالًا ورجلًا مسنًا أصيب في قدمه والدمعة في عينيه. كذلك كان هناك فتى صغير تأكدت من أنه قد يجن إن بقي على حالة الصراخ المستمر. رحت أصفعه على وجهه حتى أفاق، ثم أخرجناه من النافذة، ومنها أيضًا أخرجنا بقية أهله.
بعد إخلائنا البيت بقينا ثلاثتنا، مع الجنود الصهاينة. انتبهت إلى شكل البيت وحجمه، وأدركت أن قوات الاحتلال لم تختره عبثًا، فحجمه كبير نسبيًا قياسًا إلى بيوت المخيم، ومدخله يقع على "الشارع العقدة" الذي لم يستطع الاحتلال قطعه خلال خمسة أيام مضت من المعارك، وهو يمتد غربًا حتى تكون نهايته في قلب المحور الذي نتمركز فيه، ما يعني أنها بسيطرتها ستتحكم بمحورنا كله.
طلبت من الشهيد طه الزبيدي والأخ الثالث الذي هو على قيد الحياة الآن، أن يخرجا من المنزل ويطلقا النار من النوافذ على الجنود الصهاينة في الداخل، بعدما أخذت ما معهما من أكواع قليلة، صرنا لا نستخدمها إلا إذا كنا متأكدين من أنها ستصيب الجنود.
أما القائد طوالبة فبقي متمركزًا على نافذة من الخارج ويطلق الرصاص بطريقة متقطعة فوق رأسي، كمن لا يريد أن يدعني وحيدًا وسط هذا البيت. من ناحية التكتيك أراد أن يشعر الجنود أن هناك أكثر من بندقية تقاتل من داخل المنزل، لكنه لو لم يكن سريعًا ربما قتلني من حيث يريد إنقاذي.
أدركت أن الجنود موجودون في الصالة ويفصلني عنهم ممرات عدة. ألقيت على كل منها كوعًا لكن انفجار كل واحد كان يحدث اهتزازًا كبيرًا داخل المنزل، حتى كدت أسقط منه. عندما أطلقت النار على الجنود، كنت أخرج بندقيتي من الباب بيدي ولم أتجرأ على إخراج رأسي لأنظر سوى مرتين فقط. لم أر فيهما سوى أجساد ملقاة على الأرض.
مع كل طلقة كان صراخ الجنود يتسارع ولا يتوقف، وأكثر من مرة سمعتهم يقولون بالعربية: "خلاص يا شيخ خلاص يا شيخ"، ربما كانوا يقصدون الشيخ طوالبة، لأن رفاقًا لهم صرحوا بذلك في موقع آخر. لم أكن أصدق ما أسمع وأرى. يا أمة العرب ليتكم معنا لتعلموا أنكم لا تعلمون.
فجأة سمعت أصوات قذائف، وراح المكان يهتز، فأدركت أن الملعونات (الطائرات) قد عادت مرة أخرى، لكنها جاءت لإخلاء هذه الجثث، فراح محمود يصرخ لي حتى أخرج، لأن الدبابات أيضًا صارت على باب المنزل. نظرت إليه وكان لا يزال بحوزتي كوع فأشعلت فتيله وألقيت به حيث هم. كأني أردت أن أقول لطوالبة، فارس المخيم،: "أول اللقاء كوع منك، وآخره كوع منك... يا مخترع وصانع الأكواع".



الشهيد طه الزبيدي


* الشهيد ابن الشهيدة
بعدما خرجت من البيت الغريب رأيت الشهيد طه الزبيدي مبتسمًا. لم أقاطعه واكتفيت بالترحم على والدته العظيمة أم العبد الزبيدي. هي رمز للأم الفلسطينية المكافحة المجاهدة، تشردت ولجأت وصبرت. اعتقل زوجها وأبناؤها ونسف منزلها وصبرت. في الاجتياح السابق لهذا الاجتياح ألبست ولدها طه جعبة أمشاط الذخيرة، بعد أن اطمأنت أنها ممتلئة بالرصاص، ووضعت بندقيته في يده وأوصته قائلة: كونوا رجالًا ولا تدعوهم يدخلون المخيم، واحتضنته وقبلته وهي لا تعلم بأن هذه هي المرة الأخيرة التي تحتضن فيها الولد الحبيب. بعدما انتقلت إلى منزل جارتها جاءت رصاصة جبانة من بندقية قناص صهيوني لتستقر في قلبها الطاهر، لكنها كتبت اسمها على قائمة الشرف العظيم بالدم: الشهيدة سميرة الزبيدي... يتبع

01-تموز-2014

تعليقات الزوار

استبيان