المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الخروج إلى المخيم (8): الانسحاب إلى قلب جنين



الأسير الفلسطيني ثابت مرداوي
تحرير: عبد الرحمن وليد


جن جنون من كان في الدبابات بسبب حمولة القتلى والجرحى التي أفرغتها في المرة السابقة قبل أن تذهب. في هذه الأثناء قال لي الشهيد محمود طوالبة (المتحدث الأسير ثابت مرداوي) إنه إذا بقينا في هذه الحارة، فإنهم بسبب ما جرى سيهدمونها على رؤوس أهلها.
مع أن ما قاله طوالبة كان صحيحًا، لكنني كنت أعلم أن الإسرائيليين يريدون السيطرة على هذا المحور بالذات. لذلك طلبت منه الذهاب ليلًا بحذر إلى مكان آخر، مع ترك شخص يكون حلقة وصل بيننا في ظل انعدام وسائل الاتصال الأخرى.



طوالبة ورفاقه في مواجهات جنين


حارة الحواشين (قلب المخيم)
ما إن بزغ الفجر في حي الحواشين، الذي يمثل قلب المخيم، حتى ظهر حجم الدمار والخراب الذي حل بالمكان. كذلك اتضح أن جميع المقاتلين تجمعوا في ذلك الحي وانتشروا على أطرافه، بعدما هدمت الجرافات الصهيونية كل المحاور التي كانوا يتمركزون فيها.
بداية النهار، جاءنا الشخص الذي كان حلقة الاتصال بين مجموعتنا ومجموعة القائد محمود، ناقلًا إلينا أن كلا من طوالبة وعبد الرحيم فرج وشادي النوباني وآخرين قد أقسموا على ألا يتركوا موقعهم وألا يمر الصهاينة إلا على جثثهم. خفت كثيرًا على محمود ومن معه من هذا القسم، لأني أعرف طبع محمود جيدًا، لكن المرسال أخذ يحدثني عن الاشتباكات التي خاضتها مجموعة محمود قبل الفجر مع جنود الاحتلال، قائلًا إن مجموعة من الصهاينة تقدمت اتجاه محور طوالبة عبر زقاق، فسمحوا لها بالعبور قليلًا حتى أصبح معظم عناصرها في قلب دائرة النيران، ثم انهالوا عليهم بالرصاص فطرحوا معظمهم أرضًا.



وأضاف أن قائد المجموعة حاول التقدم تحت تغطية كثيفة من نيران عناصره لسحب جرحاه، فعاجله طوالبة برصاصات عدة في عنقه وصدره أودت به قتيلًا. عدت أفكر في محمود وقسمه، بل كان خوفي عليه أقوى من الرغبة في سماع بطولاته مع إخوانه.
كان المكان يعج بالفوضى ويئن تحت ضغط الشائعات التي لا تنتهي ولا يعلم أحد كيف تخرج ومن يطلقها. كان التحرك العفوي نتيجة حتمية لحجم القصف العنيف من الجو والبر على البقعة الجغرافية الصغيرة التي تجمعت فيها عناصر المقاومة.
هذا لا يعني أنه لم يكن هناك تداخل وانخراط بين جميع المجموعات، بل كان عناصر كل مجموعة يقضون معظم وقتهم معًا في أوقات الراحة القليلة أو الاشتباكات والتنقل من بيت إلى آخر بسبب القصف المكثف. كنا إذا أقبل الليل نتوزع في مجموعات صغيرة على البيوت، بعد أن تعطى للجميع كلمة السر للتعريف وتتغير كل ليلة. وإذا ما سمع الأخ الذي يتولى الحراسة ليلًا صوت حركة فإنه يقول: "عرّف". إن لم ينطق القادم بكلمة السر، فإن الحارس مضطر إلى أن يطلق النار.

الجريح المقاتل
كان هناك بعض المصابين الذين رفضوا الجلوس وأصروا على القتال في المقدمة. هنا أستحضر مقاتلًا يستحق أن يكتب اسمه بالذهب مع القائد طوالبة، وهو الشهيد نضال النوباني. كان في جسمه عدد كبير من الإصابات، أما الوجه فكانت تختفي معالمه تحت دمه النازف بفعل الشظايا.
أصابنا نوع من الاسترخاء في أحد المنازل، وما هي الا لحظات حتى باغتنا إطلاق نار كثيف مع قذائف الأنيرغا، وكان المصاب النوباني هو أول من رد على مصدر النيران، فأربك مجموعة الصهاينة المهاجمة، وأتاح لنا أخذ السواتر ثم الرد بهجوم معاكس على الجنود، حتى أجبرناهم على التراجع. بعد انتهاء هذه الجولة ذهب كل منا إلى جولة أخرى، ثم علمت فيما بعد أن نضال قد استشهد بعد يومين من هذا الحادث.


الشهيد نضال النوباني


في كل محاولة إخلاء لقتلى وجرحى الصهاينة كنا نشك أنهم أخلوا المكان تمامًا عندما يذهبون، فربما نصبوا كمائن فيه أو على الأقل عمدوا إلى تفخيخ المنزل، لذا لم ندخل عددًا كبيًرا من تلك المنازل، بل كنا نكتفي بتمشيطه بالرصاص عبر النوافذ.
مما ساعدنا على معرفة أماكن الجنود أن صواريخ الطائرات تسقط علينا في عملية تبادل واضحة للمهمات بين الطائرات وفرق المشاة الصهيونية، أي إن الطائرات تتوقف عن القصف في حال تقدم الدبابات وجنود المشاة، خاصة عندما تكون المسافة بيننا قصيرة جدًا.

محاولات جديدة للاقتحام
كنا قد اعتدنا توقف الهجمات البرية علينا أثناء الليل لكن ذلك اليوم شهد تراجعًا لصوت القصف الصاروخي من الطائرات وحل مكانه صوت الدبابات. بعد أن وصلت الأخيرة قبالة الزقاق المؤدي إلينا توقفت في عرض الشارع وراحت تصب نيران رشاشاتها على كل البيوت كأنها تمهد لشيء ما. محاولة الاقتحام في هذا الوقت من الليل بينت لنا المأزق الذي تعيشه قوات الاحتلال.
أحصينا 54 صاروخًا أحدثت دمارًا هائلًا في مكان صغير جدًا. كان الفرد منا عندما يتحرك في الموقع كأنما يمشي فوق أرض وعرة تعج بالصخور والحفر. لم يكن الجو جو حرب عادية بل كان جو حرب مجنونة مسعورة.
نهارًا كان وضعنا أفضل نفسيًا، لأننا نستطيع أن نرى الأرض والسماء ونحدد في أي اتجاه سيسقط الصاروخ من الطائرة، وذلك من الوضعية التي تكون عليها الطائرة، فكنا نفلت بسهولة من هذه الصواريخ ونتمكن من الاستلقاء أرضًا وأخذ سواتر واقية. حتى عندما استخدموا طائرات عمودية بلون أبيض للتمويه على حركتها، كنا نتفادى شرها بحساب الوقت اللازم لوصول الصاروخ إلى الأرض منذ سماع صوته، وأخذ ساتر مباشرة وفتح أفواهنا وإغلاق الأذنين لتخفيف أثر الانفجار.

يتبع في الحلقة المقبلة ما حدث في تلك الليلة.

10-تموز-2014

تعليقات الزوار

استبيان