المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

نضال فرحات * وثمن "أبابيل" - إسلام جمعة - رام الله





في ليلة معتدلة الطقس من ليالي نيسان من العام 1979 جلس نضال على حافة سريره يحاول تفكيك الهديّة التي حصل عليها للتو بمناسبة ذكرى ميلاده الثامنة. مع انّ أمه طلبت إليه ألا يفعل ذلك، إلا أنّه لم يستطع منع نفسه، ووالدته عرفت ذلك بالتأكيد لكنّها لم تجد ما ستخسره في ذلك. على أيّ حال، لا تستطيع معاقبته لانها تحبّه جدًا، فلطالما كان نضال مثلًا لبقية أطفال العائلة: انظروا نضال المؤدب. تعلّموا من نضال المتفوّق. ركزوا في شؤونكم الخاصّة كما يفعل نضال. فهو على غير عادة الأطفال كان يحب الجلوس وحده مع ألعابه، لا تستطيع وضع قدم داخل غرفته، ويا لمصيبتك لو حاولت مساس شيء منها. كانت الألعاب عنده فرصة جديدة للاكتشاف.


نضال محاطًا بالنماذج الأولى من صواريخ القسام

الانتفاضة تشتعل في البلاد، كل الشوارع تلتهب في وجه العدو معلنةً أنّ العام 1987 لن يكون عامًا باردًا على جنودهم. يقرر نضال ذو الـ17 عامًا الانخراط مع شباب مسجد الإصلاح- كما أوصته أُمّه - في حيّ الشجاعيّة الذي يعيش فيه. في المسجد لم يكن نضال مُجرّد رقم، يخرج الشباب في فعاليّات متعددة فيُصر على ان يكون معهم. بعد فترة وجيزة يصبح نضال الوجه الأبرز بين شباب المسجد، روح الدعابة لديه هي احد عناصر جمال شخصيّته التي يبدو للوهلة الأولى أنها من الصعب ان ندمج بينها وبين جديّته في ما يتعلّق بأهدافه ومبادئه. بسبب تميّزه انضم سريعًا إلى صفوف حركة "حماس"، فكان أحد الأعضاء الشباب الذين بدا على وجوههم ملامح مستقبل هام.

عماد عقل ...
لم تمر الانتفاضة بهدوء، أو هو لم يكن يريدها أن تمر كذلك. أثبت بوجوده في الصفوف الاولى للنضال الشعبي قوّته ورباطة جأشه. ميزة أخرى تظهر لنضال: رجُل وقت الشدائد، هكذا قال عنه زملاؤه في المسجد. في فترة النضوج الأولى كان من السهل لنضال الانصهار في حضن حركته حماس. حتّى أصبح بيته الملاذ الآمن لرفاقه الذين سبقوه بخطوات. كان دوره يقتصر على قيادة المركبات للقادة، وتوفير المأوى السرّي الآمن في منزله لهم، ولعل أبرزهم الشهيد عماد عقل. لم يكن عماد مجرّد قائد، بل كان صديقًا مقرّبًا لنضال (كلاهما وُلد في نفس العام)، لكنّ نضال لم يُعجبه حاله هكذا، وأراد المساهمة بنفسه من خلال الانضمام إلى الكتائب، لكن هذا ما رفضه عماد عقل مبررًا الأمر بـ" إن دوركم الآن يعد أعظم ممن ينفّذ العمل الجهادي، ويجب أن تبقى حتى توفّر المكان الآمن للمجاهدين".



الشهيد القائد عماد عقل

لم تكن ليلة الأربعاء الموافق 24 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1993 هادئة كما توقّعها نضال. فبعد أن دعا رفيقه عماد عقل إلى تناول طعام الافطار في بيته عند أذان المغرب لذاك اليوم، وتحديدًا بعد دخول عماد المنزل بلحظات، شعر عماد بوجود امر مريب، استطلع الأمر ليكتشف بأن المنزل مُحاصر من قوات صهيونيّة خاصّة. بسرعة أمسك عماد بمسدسه، عيار 14 ملم، وأخذ يُطلق النار من كل الأماكن في المنزل. ينتقل من مكان إلى آخر، من نافذة إلى أخرى، حتّى أمّن خروج زملائه الذين حضروا معه. هناك نضال يُشاهد حركة عماد ويخزّنها في عقله، هذا قدوته الذي سيقوم بدفنه بيديه قريبًا في المقبرة الشرقيّة. 
يتوجّه عماد إلى نضال فيخبره: "لقد حان وقت استشهادي". يصعد إلى السطح ليصلّي ركعتي الشهادة. أثناء صلاته يُصاب برصاصة في قدمه، لكنها لم تمنعه من القفز من على سطح البيت ومواجهة القوّة والاشتباك المباشر معها. أطلقت الجنود الصهاينة القذائف المضادة للدروع على كل مكان في المنزل. أصابت عماد عقل واحدة من تلك القذائف في رأسه، فاستشهد على الفور عن عمر الربيع (22 عامًا). يرى نضال المشهد بعينيه: رأس صديقه قد اختفى تمامًا. ثم اعتقله جيش الاحتلال للمرة الخامسة في حياته. وحُكم عليه بالسجن 3 سنوات. خرج بعدها وتزوّج، ثم أنجب لاحقًا 4 بنات وطفلًا أسماه "عماد".

أول الصواريخ
بالقرب من سجن أنصار الثاني في غزّة تربّص نضال وحدهُ بجنديين كان قد راقبهما لفترة طويلة، يخرجان لإلقاء القمامة كل يوم. أحضر معه مسدسه، كان هدفه واضحًا، سيقتل الجنديين بكل تأكيد. لكن الجنديين لم يخرجا يومها تحديدًا.
مرة أخرى يخرج نضال، لكن هذه المرة مع رفيقه "عوض سلمي"، الذي رصد له الطريق الشرقي الواقع شرق الشجاعيّة، بعد أن حصلا على شاحنة. كانت الخطّة ان يدهسوا سيارة للمستوطنين أو أكثر. ركبا الشاحنة وانطلقا. حددا هدفهم: سيارة من نوع سوبارو. انقضا بالشاحنة عليها، لكنّ المستوطن كان يقظًا وتجنّب الشاحنة. أُلغيت العملية وعاد نضال وعوض إلى قواعدهما مرّة أخرى.



الشهيد عوض السلمي رفيق درب نضال

كان لنضال السبق في الانتفاضة الثانية كما الأولى، لكن هذه المرّة كقائد مجموعة في القسّام، لا كفتى الحجارة القديم. شارك في عمليات إطلاق نار مباشر مع جيش العدو. انتظر سيّاراتهم وانقض عليها. راقب دباباتهم وكمن لها. لم يترك لهم مكانًا في غزة أو بيت حانون أو رفح. كان دائم الترحال وهدفه واضح :دعونا نقتل أحدهم اليوم!
بعد تولّيه الإشراف والتنفيذ لعمليّات ضرب قذائف الهاون، التي كانت قد أعلنت كتائب القسّام عن امتلاكها. تولّى نضال مع زميله الشهيد "تيتو مسعود" العمل على صناعة أوّل صاروخ محلّي الصنع. استولت الفكرة على عقله. كرّس لها كلّ وقته، ترك عمله مع القادة الكبار وتفرّغ تمامًا لهذا الأمر.

أم نضال فرحات "خنساء فلسطين" التي جهزت ولدها محمدًا قبل أن يمضي إلى عمليته الاستشهادية


 بعد رحلة شاقة استغرقت 6 أشهر توصل الى بنية الصاروخ الذي كان طوله 60 سم. بعدها واجهته معضلة تصنيع "الحشوة الدافعة"، والمسؤولة عن اطلاق الصاروخ بشكل أساسي. توّصل اليها مع فريق تصنيع خاص عمل طويلًا على تشكيله وجمعه من كل أرجاء القطاع طولًا وعرضًا. وصل الليل بالنهار لإيجاد كل شخص يمكن له أن يفيد في هذا الامر، ويُساهم في صناعة "المادّة الدافعة". كانت المكوّنات الاساسيّة للمادة بسيطة ومتوفّرة في السوق المحلّي ورخيصة، قبل أن تكتشفها مخابرات العدو وتفرض حظرًا على هذه المواد. فبدأت رحلة جديدة للبحث عن بدائل. بعد فترة وجيزة، وبدعم من الشيخ أحمد ياسين، توصّلت حركة حماس إلى أول صاروخ، أطلقت عليه "صاروخ القسّام". عند تجربته اكتشفوا أنّه يصل لـ 2 كيلو متر ونصف. انطلق نضال مع رفاقه، وبغطاء ناري كثيف أطلق أوّل ثلاثة صواريخ باتجاه المستوطنات الاسرائيلية في غلاف غزّة. كان هذا هو الخبر الأوّل على كل المحطات العربيّة والعالميّة. والفيديو الخاص بالعملية هو الفيديو الاول والأشهر على الاطلاق. يوضح اطلاق ثلاثة صواريخ من ثلاث ملثّمين، وقد كانت العملية ناجحة تمامًا.


الشهيد محمد فرحات (شقيق نضال) بطل عملية "عتصمونا" الاستشهادية العام 2002

" بس تدخل اللي بيحاول يشرد طخه، أي حدا بيحاول يشرد قُصّه. طخ قد ما اتطخ يا زلمة، أهم اشي ما تلتخمش وانتا بتفك المخازن، المخزن اللي بيخلص فكه وما تحطه بجيبتك، لأ ارميه. ماتحطّش في بالك انك خلص بدك تقعد بقرنة وتتردد وتقول بدي أطوّل واقاوم، لأ، خلص، انهي، استشهد".
كانت هذه الكلمات التّي ودع فيها نضال فرحات أخيه محمد ذي الـ17 عامًا، ذاهبًا الى مستوطنة "عتصمونا"، حيث نفذ عمليّة بطوليّة خلّفت تسعة قتلى من المستوطنين.

"أبابيل" التي انفجر نموذجها الأول بنضال ورفاقه بعملية أمنية
عادت وحلقت فوق رؤوس المحتلين بعد ما يزيد على 10 سنوات



"أبابيل" ...
عصر يوم الأحد 16/2/2003 تسلّم نضال الجزء الثاني من طائرة صغيرة، ضمن استعدادات الكتائب لتطوير عملياتها ضد قوات الاحتلال. انطلق إلى منزلٍ يقع في حي الزيتون بمدينة غزة . كان قد استلم الجزء الأوّل من الطائرة قبل فترة من مورّد سلاح معروف في غزّة. ومع عدم ارتياح نضال للرجل إلا ان الجزء الاول من الطائرة كان سليمًا وآمنًا. وعندما تسلّم الجزء الثاني أصر على أن يفحصها هو وحده لا أحد غيره. طلب من رفاقه الابتعاد. إلا أنه بعد فحصها واطمئنانه لها اقترب منه رفاقه فانفجرت بهم الطائرة فجأة. كانت هذه العملية هي عمليّة اغتيال مُدبّرة من قبل الشاباك الاسرائيلي، نفّذها عبر عملائه على الأرض، الذين كان تاجر السلاح واحدًا منهم، ويعرفه بعض قادة الكتائب اليوم. استشهد نضال عن عمر 32 عامًا، لكنّه بقي لعمر الـ40 وأكثر بالنسبة لنا.
تقول أم الشهيد نضال فرحات إن حياة نضال في الأسبوع الأخير تغيرت كثيرًا، لكأنه كان يشعر بأن موعده مع الشهادة اقترب. كان يبكي كثيرًا، و يقول: يا أمي أريد أن أضمن الجنة.  كرّر هذه المقولة مرارًا .

*نضال فرحات: شقيقه الاستشهادي محمد فرحات والشهيد رواد فرحات. سميت والدتهم المرحومة أم نضال بخنساء فلسطين. انتخبت في إحدى الدورات عضوة في المجلس التشريعي الفلسطيني.


فيديو لنضال فرحات يوّجه أخيه محمد قبل العمليّة التي نفذها الأخير.
https://www.youtube.com/watch?v=KWV6vf8BMas
فيديو أوّل عملية إطلاق صواريخ نفذها نضال فرحات ورفاقه.
https://www.youtube.com/watch?v=xzRmiahCkpI


31-تموز-2014

تعليقات الزوار

استبيان