المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الذكرى 8 لحرب تموز: محمد لن يترك زبقين – لنا العزير


لتطأ عتبة زبقين، لا بد أن تلقي التحية على أبنائها الأحياء. صورهم المزروعة على مدخل القرية، منهم من كان نصرًا فوق أرضها، ومنهم من كان شرفًا في قرى مجاورة. صور تنطق وتقول :" أدخلوها بسلام آمنين ".
محمد بركات * ، الشاب العشريني، الذي باعده التحصيل العلمي عن قريته زبقين – قضاء صور، وهو المتعلّق عاطفيًا بتفاصيل هذه القرية، وطقوس العائلة،  بعد أن غضّت السياسات بصرها عن القرى النائية. يرتاد زبقين وفي جعبته وعدًا وأملًا بنصر يسطّره لهذه القرية، أن يضفي للنجوم المشرقة فوق كتفيها فجرًا يكنّي نفسه به. عاد إلى قريته للمرة الأخيرة في تموز 2006، ليغرس جسده هناك، بغير فراق.


لم ينفرد محمد بالمعركة، كثرٌ هم من زملائه من شاركوه الصبا والشهادة، كأزهار يحضنها الربيع فتثمر نصرًا يطرح الحياة على وجه الأرض.
ما ميّز محمدًا، أنه ومنذ نشأته في قرية جنوبية، خبزها اليوم اعتداءات الإسرائيلي على بيوتها وأهلها، وضع المقاومة مستقبلًا ينشده مع اشتداد بدنه الصغير. درس الإلكترونيك لعلمه بأن هذا الاختصاص سيكون نافعًا للمقاومة، وفق ما تقول شقيقته وصديقته، مريم: " كان كل فعل في حياته من دراسة أو سلوك، يرى إن كان يخدم مسيرة المقاومة فيفعله،  وكان يقول : نحن نكون ونتخصص حسب مصلحة المقاومة".
زبقين ، استمدّت اسمها من مقام النبي أو الولي الصالح فيها " زين اليقين "،  وهي كقرى كثيرة دخل في تسميتها لفظ المستعمر، سواء العثماني أو سواه.  كانت زبقين في وجدان محمد وطنًا يحياه، وفي عينه غصّة الاضطهاد الذي يعانيه كسواه من القرى المحاذية لما يُسمى الشريط الحدودي ما قبل تحرير العام 2000، يكبر في داخله مع تعاظم وجود المقاومة وانتصاراتها.



التحق بكلية العلوم في الجماعة اللبنانية لدراسة الإلكترونيك، وكان على تواصل دائم مع المقاومة لتقديم كل ما ينبغي عليه لخدمة ما كان يعده " النهج السليم للعدالة " .
ولولا أن الحرب هضمت الكثير من ذكرياتنا، لوجدنا تلك  "الصورة التي صمّمها محمد بنفسه ، وهي صورته وقد خُطّت في أسفلها عبارة (الشهيد محمد موسى بركات)".
يكفي أن تستمع لمعاناة أهالي بلدته مع الصهاينة، سواء من قصف المواقع على القرية أو من عمليات الأسر والقتل، لتعي كيف يمكن لشاب، في زمن التفلّت السلوكي، أن يرى في صورته، كشهيد، فخرًا استشعره بنفسه مع الشهداء السابقين الذين قدّموا لقريته وللوطن تحريراً يليق بالحياة الكريمة.
دائمًا عند الحديث عن الراحلين، يكون الوصف بأبهاه، تارة لأن الرحيل لخيرهم إلى حيث يليق بهم، وتارة لأننا لا نُنصف إلا الراحلين، والأرجح أن هذه الرحلة لا تليق إلا بمن جلّله البهاء بالعطاء الكلي، فكان هو نفسه قربانا للارتحال.


عندما تذكر الشهيد محمد، أمام أبناء قريته، ترتسم تلك الابتسامة الممزوجة بالحسرة عليه، فقد كان " إنساني بعلاقته بالناس ، وطيب " وفق ما يعبرون.
" وكان يحب العائلة كثيرًا ، وكل عطلة لازم يكون بالضيعة معنا " تقول مريم .
ومن قريته زبقين، التي تعتمد في دخل أبنائها على زراعة التبغ والزيتون، المحصول المُقرصن أحيانًا كثيرة من القصف الإسرائيلي، كان يحمل حقيبته ويمضي، وفي نفسه أمل أن " يرد الجميل لأهله الذين تعبوا ليؤمنوا له فرصة التعليم، في وطن لا تزال سياسات التجهيل تُمسك بأطرافه".
مع بداية حرب تموز، التحق محمد مع رفاقه للدفاع عن هذا الوطن، يحملون القضية ولهفة أمهاتهم ويمضون. قدّم كلّ ما يستطيع في اختصاصه " ضد الدروع "، ليرتفع شهيدًا وزميليه، أحمد عليان وعلي قرياني، في 5 آب 2006، إثر غارة للطيران المعادي.


.... تعلو الزغاريد رايات النصر. يجول السَمر أنحاء القرية، ويتمدد الأمن ها هنا، في ممرات الصبية، وقيلولة المسنين، وترقد الحروب ذاكرة مسنّة تروي مشاهد شبّانٍ هجروا الدفء والخنوع واعتنقوا الصبر والمقاومة، وهم، كما هم، رايات يتظللها الجميع ، ولا يراها إلا من نظر إلى الأعلى.


*الشهيد محمد موسى بركات "فجر" - مواليد زبقين 26 كانون الأول 1984 - المستوى التعليمي: جامعي/اختصاص إلكترونيك - استشهد في زبقين 4 آب 2006.

04-آب-2014

تعليقات الزوار

استبيان