المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الذكرى 8 لحرب تموز: الفارس الأنيق – محمد سرور


بعد عملية "الوعد الصادق"، يوم 12 تموز 2006، بدقائق دخل المقاومون الذين شاركوا في العملية إلى عيتا الشعب. يومها شاهد أهالي البلدة الحدودية، تحت دوي القصف والرصاص، وجوهًا نيّرة كتيجان يرصعها عرق الجهاد. كان بين هؤلاء شاب وسيم بشوش المحيّا، يلفت الانتباه من أول نظرة. ذاك كان الشهيد محمود قعيق "حسان" * .
حين تراه لا تخاله مقاومًا في ساحة جهاد، بل رجلًا أنيقًا منفصلًا عن المكان والزمان. دائم العناية بمظهره الخارجي. يقصّر شعره ولحيته كل يوم، ويتعطر قبل نزوله إلى الكمين! يأخد كل أمور القتال بروح الدعابة، وكأنه في سهرة سمر أو رحلة ترفيهية.



من بلدة الطيّبة الجنوبية أتى حسّان، وهي بلدة طيبة حقا. نشأ في عائلة ميسورة تُعنى بالشأن العلمي والأكاديمي، فوالده صاحب ثانوية "ليسيه أميكال مودرن" في حارة حريك، التي كان الشهيد يعمل ناظرًا فيها. مع هذا انتظم مبكرًا في صفوف المقاومة الإسلامية. تخصص في قسم مواجهة الدروع، حتى صار في صفوف النخبة. شارك حسان في معظم العمليات النوعية إبان الاحتلال الإسرائيلي للجنوب، ثم بعد التحرير، فكان من الطبيعي أن يكون حاضرًا في الصفوف الأولى صبيحة 12 تموز من العام 2006، ثم من الذين ثبتوا في عيتا الشعب، حين بدأت "إسرائيل" عدوانها الكبير على لبنان.
كانت المعركة في عيتا الشعب، كما في مارون الراس وبنت جبيل والخيام شرسة، قاسية، بطولية، لكنها كانت الأصعب، لكون الموقع الجغرافي للبلدةن المتداخل من ناحيتي الجنوب والغرب مع فلسطين المحتلة، يسهّل حصارها وقطع جميع الطرق إليها. بعد محاولات عدة فاشلة لاقتحام عيتا، شارك الشهيد حسان في صدها مع إخوته المجاهدين، لجأ الصهاينة إلى حصار البلدة وإحكام الطوق عليها من جميع الجهات. وبدأت ألوية النخبة الصهيونية بالتسلل إلى أطرافها، أملًا في اختراق خطوط دفاع المقاومة. كل ذلك كان تحت وابل من الغارات الجوية وقصف مدفعي ثقيل، لا يهدأ ليلًا ولا نهارًا حتى غدا 90% من عيتا ركامًا ودمارًا.


في مثل هذه المعارك القاسية لا يثبت إلا الرجل الهادىء، كما كانت شخصية الشهيد محمود قعيق. يروي الشباب الذين عايشوا بعضًا من هذه الأيام معه كيف كان يصرّ، مع اشتداد القصف وتحليق الطيران وكثافة الغارات، على نثر الطعام للدجاج داخل القن في ذلك المنزل الذي هجره أصحابه، شأنهم شأن عشرات العائلات في البلدة، وكان في ذلك مخاطرة غريبة من الشهيد. وكذلك ينقل آخرون كيف أنه أطعم قطة جائعة، لجأت إلى منزل كان يتحصن فيه، حصته من صحن اللبنة. والحصة هذه  - يومها- تعادل وجبة مقاتل لنهار كامل.
ومع اشتداد الحصار والقصف، كان حسان يزداد ثقة واطمئنانًا، وفق ما يروي أحد أصدقائه. رآه في أحد الأيام يتصفح كتاب تفسير الأحلام ويبتسم، فسأله: ما الخبر؟ أجاب حسان: كنت أرى تفسير رؤية البنت الصغيرة في المنام، وأظنه خيرًا. ربما كانت تلك البنت هي الشهادة التي رزقها بعدها بأيام قليلة.


حين دخل شهر آب اشتدت المواجهات بعد سلسلة من الإنزالات وتسلل وحدات من الجيش الصهيوني إلى أطراف عيتا الشعب. يقول أحد المقاومين - الذي أصيب لاحقًا - إن الشهيد محمود حين علم بدخول عشرات الجنود الإسرائيليين إلى أحد المنازل، تقدم برفقة بعض المقاومين وباغتوهم، فاشتبكوا معهم وأوقعوا بينهم عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى، مع تفوق جنود العدو، عدة وعديدًا. وحين كان محمود يهم بالانسحاب بعد هذا الاشتباك العنيف ارتقى شهيدًا، إثر غارة جوية، نفذها كالعادة الطيران الصهيوني، مغطيًا عجز جنود الاحتلال عن المواجهة.
بعد حرب تموز وانتصار المقاومة وذلّ الغزاة، تغيّر اسم الثانوية التي عمل فيها محمود مربيًا. أصبحت "ثانوية الشهيد محمود قعيق" تكريسًا لكونه وإخوانه مدرسة لكل الأحرار في لبنان وفلسطين والعالم، لا تنتج إلا علوم الحياة وأدبها وفلسفتها.


*الشهيد محمود محمد قعيق "حسان" – مواليد الطيبة 1975 - عمل ناظرًا في مدرسة "الليسيه أميكال مودرن" - عازب - استشهد في مواجهات عيتا الشعب في حرب تموز 2006.


05-آب-2014

تعليقات الزوار

استبيان