المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

14 آب: مخاض العبور إلى الزمن الجديد – حسين حمية

خاص موقع المقاومة الإسلامية

عندما نفذت المقاومة في 12 تموز من العام 2006 عملية الوعد الصادق وأسرت الجنديين الصهيونيين، لم تكن تدري أنها على عتبة منازلة حاسمة، يتوقف عليها، لا مصير هذه المقاومة وحسب، إنما مصير المنطقة ونوعية النظام العالمي الجديد، المتردد بين القطبية الواحدة أو التعددية.
كذلك، لم يكن آرثر ويلزلي، دوق ويلينغتون الإنكليزي، يعلم في 18 حزيران من العام 1815، بأنه سيغير وجهة التاريخ في أوروبا والعالم، وأنه سيأخذ بيد بلاده للتربع على العرش الكوني من دون منازع لأكثر من قرن، بانتصاره على جيوش نابليون في سهول واترلو. كانت وصيته الأساسية عندما احتدم الوطيس، وعندما شعر بأن كفّة القتال تميل لمصلحة غريمه الجنرال الفرنسي، أن صرخ بجنوده: "أيها الغلمان، يجب أن لا نهزم، فكروا بإنكلترا العجوز! يجب أن نموت فوق هذه الأرض التي نحتلها الآن".




الانتصار والوعي
دائمًا المتغيرات الكبيرة التي تعدّل في ملامح التاريخ أو في مساراته بعيدة نسبيًا عن مسبباتها، ودائمًا، أيضًا، لا تكشف الحوادث العظيمة عما تحمله في طياتها مباشرة أو دفعة واحدة، إنما تحتاج إلى استطالة في الوقت والزمن لاستيعاب نتائجها وتأثيراتها في حركة التاريخ.
أمور كثيرة عبرت من تحت الجسر الذي يربط يومنا هذا، بيوم انتصار المقاومة في 14 آب 2006، منها العسكري والسياسي والاجتماعي، وقد تناولها المحللون والباحثون بتفصيل مسهب على مدار الأعوام الثمانية، ومع هذا، ما زالت نتائج هذا الانتصار تتدفق وتبرز، وتمسك بناصية التطورات والأحداث التي تغمر منطقتنا.
قيمة أي انتصار، أو المكان الذي ينعقد عليه الانتصار بشكل نهائي، هو بالوعي الذي ينتجه، لذا، ما إن وضعت حرب تموز المجيدة أوزارها، حتى استُكملت حرب جديدة، بين المقاومة نفسها لترسيخ معاني الانتصار العسكري، وانتاج وعي مقاوم ومواجه يحطم المرتكزات الفوقية للغطرسة الصهيونية، وبين كيان العدو، الذي اشتغل على تبديد هذا الانتصار، ومنع انتقاله من ساحات المعارك إلى الأذهان والعقول.

محاولة الانقلاب على النصر
حلقات من هذه المواجهة شهدناها على الساحة اللبنانية والساحات الأخرى، ولم تكن الخمسمائة مليون دولار، التي صرفها السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان على إعلاميين وكتّاب لبنانيين للنيل من سمعة حزب الله وشيطنته، إلّا إحدى الأسلحة المستخدمة في هذه الحرب المتممة لعدوان تموز، لا بل انكبت مراكز الأبحاث الموالية للوبي الصهيوني في أميركا، على وضع إستراتيجيات وبرامج وخطط لتشويه صورة حزب الله وانتصاره، إن بوصمه بالإرهاب أو اتهامه بتبييض الأموال أو الاتجار بالمخدرات، وقد شاهدنا على مدار الأعوام الماضية نماذج من هذه التلفيقات والترهات.
لم يكن هذا الانشغال الصهيوني، ومعه دوائر واسعة في الغرب، بالمواجهة المذكورة ترفًا أو ثأرًا من حزب الله، إنما كان تعبير عن انهمام ومخاوف وهواجس استجمعها العقل الإسرائيلي، ليضيء عبرها عن الخطر الوجودي على الكيان الصهيوني لأول مرة في تاريخه.

موانع العبور
من المفارقات، التي تجيب على الكيفية التي يتحسس بها كيان العدو الوعي الجديد الذي تمخّض عنه انتصار المقاومة، نجد أن مذيع قناة الجزيرة الشهير، فيصل القاسم، كتب بعد حرب تموز مقالًا أخذ فيه على العرب تخلفهم عن الأمم الحيّة والناهضة. وازى في مقالته تلك، بين انتصار الدوق ويلينغتون في واترلو وبين انتصار السيد حسن نصرالله في حرب تموز، وعاب على العرب، ألا يتصرفوا على غرار الإنكليز الذين نصبوا تمثالًا لقائدهم العظيم في أهم ساحات بريطانيا، بينما هم (أي العرب) حاولوا الحط من إنجاز المقاومة والتشكيك بحدوثه (كما فعل السنيورة)، أو بقيمته كما هو خطاب الإعلام العربي الرسمي.
لقد كنا لحظة ذاك المقال (مجازًا)، أو في زمنه، على شفا وعي جديد، تتسمى فيه أمكنتنا وساحاتنا وشوارعنا بأسماء أبطالنا وعظمائنا وليس بأسماء مستعمرينا وغزاتنا. هي لحظة، تحوّل فيها، انتصار المقاومة، إلى مفصل تنفتح عليه بوابة التاريخ إلى زمن جديد، يغيّر وجه المنطقة كما تغير وجه أوروبا في واترلو، وهذا بالضبط ما يهجس به العدو وحلفاؤه، غربًا وعربًا، فكانت الحرب المعاكسة، للتعتيم على هذا الوعي وتوهينه، بتجزئته وتقطيعه إربًا إربًا، بالوعي ( أو الجهل) المذهبي، وليس ما نشهده من تمزيق لمجتمعاتنا إلا حربًا بشعة، تحجز بيننا وبين العبور من بوابة انتصار المقاومة.

14-آب-2014

تعليقات الزوار

استبيان