المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

على الركام ... من عيتا إلى غزة – زينب صالح




في عيتا الشعب، بدأت حكايات الصمود بعد عودة الأهالي الى القرية إبّان عدوان تموز 2006. استذكرت تلك القصص مع انتهاء الحرب الصهيونية على غزة. فالناس هناك لا شك سوف تمر بهم هذه الأحوال والأوضاع التي مرينا بها في القرية المدمرة عن آخرها.
هكذا، كان الجميع أمام تحدٍّ أصعب من تحدّي الصّمود في خلال الحرب على حدّ تعبيرهم. فالقرية مُدمّرة البيوت: لا كهرباء، ولا ماء، وليس فيها سوى غبار أبيض وحجارة ترثي أيام ما قبل 12 تموز. بالإضافة الى ذلك، فقد شكّلت القنابل التي رماها العدو قبيل انسحابه تهديدًا حقيقيًا لسلامتهم.
ووسط تهديد الأمان المستمر من العدو، وانعدام وسائل الراحة لسكان أرهقهم تهجير 33 يومًا، كيف لهم أن يسطّروا صمودًا آخر يتحدى ظلام الجنوب وينير شموعًا يتيمةً أمام مستعمراتٍ تعجّ بالأضواء؟



هنا ذاكرة الأهالي تحكي
اتّجهت نسرين عبيد مع عائلتها إلى بيتهم فور وقف إطلاق النار بعد حرب تموز 2006. لكنّ المنزل الدافئ لم يكن مهيأً لاستقبال أهله، حالُه حال معظم منازل عيتا الشعب. فحجارة الجدران والسقف تربعت في أماكن جلوس العائلة ونومها، ما عدا ممر صغير. عندها، شرع الأب مع أولاده في رفع ما تيسّر له من ردمٍ كي يجد بقيّة الأفراد مكانًا يجلسون فيه حتى تأمين البديل. ثم راحوا يبحثون عن أدوات المطبخ وكل ما يمكن انتشاله من تحت الأنقاض لتيسير الحياة الجديدة.
تقول عبيد: "لا أعرف كيف نمنا تلك الليالي في البيت قرب الدمار والحجارة، لكنّ  رغبتنا بالبقاء في بيتنا كانت أقوى من الظروف الصعبة التي طرأت علينا. فبعد التهجير، لن يرتاح الإنسان إلا في بيته مهما كان وضعه". تضيف:" اضطررنا في أول الشتاء إلى السكن في بيتنا في بيروت بعدما جُرف منزلنا، لكنّنا عدنا في الصّيف، ورمّمنا مكانًا كان اصطبلًا للأحصنة كي نعيش فيه ريثما ينتهي إعمار منزلنا، بعدما قرّرنا أن نعود الى السكن في القرية مهما كانت الظروف".
ويصف الدكتور ابراهيم خليل علي قريته عيتا الشعب بعد الحرب قائلًا: "لا يُنسى مشهد عيتا الشعب بعد الحرب، وبعد عودة الأهالي إليها: كثيرٌ من الخيم فوق بيوتٍ مدمّرة لعلّها تقي أهلها حرّ الصيف وأمطار أول الشتاء، وقليلٌ من البيوت السّالمة التي أوى كل بيتٍ منها أكثر من عائلةٍ واحدةٍ، فضلًا على بيوتٍ يحاول أصحابها ترميمها بأسرع وقت ممكن وبأقل الإمكانات. بالإضافة إلى دمار البيوت، فقد تُلِفت مواسم التبغ بالكامل. رأينا الحقول شاحبةً، والأشجار محروقةً، وكلّ زرع أخضر تحول الى يباس بنيٍّ، حاله حال بقية مقومات الحياة. أما الطرقات فكانت مغطّاةً بغبار أبيض بعد أن تناثر الإسفلت". يتابع د. علي وصف حال تلك الأيام:" بعد الحرب استأجرت خارج القرية بالقرب من عملي بسبب دمار بيتي وبيوت أهلي وإخوتي. لكنّني عدت بعد فترةٍ قصيرةٍ واستأجرت بيتًا صغيرًا مؤلفًا من غرفة ومطبخ وحمّام لأسكن في عيتا. استعجلت إعادة بناء بيتي. عدنا إليه قبل اكتمال بنائه"!.
عن الحرب يقول:" حرب تموز 2006 دمّرت كل حجرٍ لكنها لم تدمر الأمل في نفوسنا وحب الأرض، فمع مشهد الأمهات الثكلى والآباء الذين يترقبون المستقبل بحذر، بدأ سكان القرية إعادة بناء حياة جديدة متحدّين كل الصّعاب، وبالفعل، عادت عيتا الشعب أكبر وأجمل ممّا كانت".



للمربية "لولا خليل" حكاياتٌ لا يغيب عنها طابع التحدي مع العدو بُعَيْد انسحابه. فبعد عودة المرأة مع أولادها من التهجير، وجدت بيتها "مقصوفًا، لا أبواب، لا شبابيك. بيتٌ فقد الكثير من جدرانه، بالإضافة إلى احتوائه على أشلاء لجنود إسرائيليين كانوا قد نفّذوا إنزالًا فيه". تصف حال منزل فتقول: " رائحة المنزل كانت نتنة، وكان مليئًا بالقنابل العنقودية، فابتعدنا عنه. لم يكن أمامي سوى استئجار بيتٍ خارج القرية لأسكن فيه مع أطفالي، لكني شعرت بأنّ ذاك سيكون خيانةً لدم الشهداء. فقد بقي المجاهدون في القرية وارتفع الشهداء من أجل أن تبقى عيتا مضيئةً ومأهولةً بسكّانها. لذا، اتّجهت إلى مدرستي الخاصة، التي كانت مدمرة بالكامل ما عدا غرفتين في الطابق الأول وغرفة في الطابق الثاني، وهناك، تعاونت مع أولادي وعائلة أخرى من أقاربي على إزالة الحجارة الكبيرة والدمار، مع المنظر المهول الذي رأيناه، والكمّ الهائل من الحجارة التي كانت تغطي المكان، بعد أن ساعدتنا جرافة صغيرة في عملية رفع الركام. ومع حلول شهر رمضان كنّا قد أصبحنا أربع عائلات لجأت
إلى هذه الغرف، نعيش مع بعضنا البعض على ضوء الشموع في مكان لا يحوي أبوابًا ولا شبابيك ولا يقينا البرد أو هجوم الحيوانات الشاردة والجائعة. وإلى جانب هذه الغرف نصبنا خيمةً منحتنا إياها البلدية من المساعدات الإيرانية، صار ينام فيها جزء من الشباب حتى تتسع الغرف لبقية أفراد العائلات".
تستعيد تفاصيل تلك الحياة بمزيج من الشغف والحسرة: " رويدًا رويدًا أعدنا تأهيل الغرف، فصنعنا شبابيك من كرتون، ولاحقًا وضعنا "نايلون"، وكنّا نجلي في الخارج عند الحجارة المتراكمة".
تقول  خليل عن التهديد الأمني الذي رافق السكان في تلك الفترة:" كنّا نعرف أن اليهود يدخلون القرية في الليل، وسمعنا أصوات ملّالاتهم ذات ليلة، لكنّنا لم نخف بعد الانتصار الذي حقّقه دماء المجاهدين. ومع  الحياة التي افتقدت أبسط وسائل الراحة الضرورية لكل عائلة، إلا أنّنا كنا نشعر بالسعادة عندما ننظر ليلًا إلى مستعمرات العدو المضيئة، ونحن نسهر على ضوء الشموع، فنشعر بأنّنا انتصرنا على عدوّ كان همّه أن نهجر أرضنا، ولم نفعل".

31-آب-2014

تعليقات الزوار

استبيان