المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

لا بد نعود - أحمد هادي


ثلاث ليال اختصرت عمل سنين واكسبته خبرة دهر ويقين الأولياء الصالحين . ولد صاحبنا في بلدة عاملية، وككثير من العامليين (الجنوبيين بلغة الجهات والتقسيمات!) هاجر أهله إلى إحدى دول الخليج، ثم عادوا إلى الوطن واستقروا في مدينة ساحلية سعيًا وراء الرزق وطلبًا للأمان. أما قريتهم فكانت تقع على خط التماس بمحاذاة الشريط الحدودي المحتل، وكان هو يعشقها ويحن إليها كثيرًا. ولكن ما العمل؟ فالأهل يقيمون بعيدًا عنها، وهو لا طاقة له على السكن بعيدًا عنهم، ولذا بقي يحلم بيوم يعود فيه إلى قريته.
مرت الأعوام. شب صاحبنا، وفي ذهنه ذكريات جميلة عن القرية: نصف دراجة هوائية. دولاب بعصا. مكان يشرف على أحد مواقع العدو الإسرائيلي يذكره جيدًا، إذ شاهد بأم عينه كيف فجرت المقاومة الاسلامية عبواتها بآليات العدو حين كانت متوجهة إلى ذلك الموقع. أنهى دراسته الثانوية بنجاح. التحق بالجامعة، كذلك انتسب إلى حوزة علمية يطلب فيها العلوم الدينية. كانت سنة 1995 وصاحبنا بعمر الورد. عشرون ونيف لم يغب عنه تحرير بلادنا من عدو امتهن فنون الإيذاء والتنكيل، فالتحق بصفوف المقاومة الاسلامية لتكن أول خدمة له في بلدته. سيناريو من صنع الخالق، حلم به صاحبنا، الشاب اليافع سمير طويلًا.


كان تخصص سمير في سلاح المدفعية، أي ما كان يعرف بالإسناد الناري للمقاومة. يروي بعض ألطاف الله عليه في هذه الخدمة، التي لم يتكرر ما حصل معه فيها، وكأن القدر اختصر له عمل سنين في أيام معدودات. ما أن وصل سمير وبدأ يتعرف إلى الإخوة، حتى حضر أحدهم على عجل: لدينا أمر رماية. امتشق سمير سلاحه، وانطلق. بدأ بوضع لمساته الأخيرة على المدفع. وبنداء "يا زهراء"، كانت القذيفة الأولى. صحح مدفعه فعاد ورمى. بدأ رد العدو بقصف عنيف للمنطقة التي كان يقصف منها سمير. يروي أنه بقي في حفرة ضيقة، يتقي بها القصف، ما يقارب سبع ساعات. ما أن هدأ القصف حتى عاد أدراجه. بوصوله إلى النقطة طُلب منهم مهمة أخرى: البقاء على جهوزية دائمة، لأن هناك دورية ستدخل إلى المنطقة.
وكان حظ هذه الدورية أن تنكشف للعدو، وكان على عاتق الإسناد تأمين انسحابها. هذه المرة استشعر سمير المسؤولية، فهناك إخوة على عاتقه حماية أرواحهم، فبدأ بالرماية على المواقع المشرفة، ومع كل رمية كان العدو يرد برميات ورميات. استمرت المواجهة المدفعية ساعات حتى تمكنت الدورية من الانسحاب بسلام. انتهت المهمة في الليلة العصيبة الثانية. عاد سمير إلى نقطة الاستراحة يمني النفس ببعض الراحة وحمام ساخن للاسترخاء، ولكنه لم يكد يلقي بثقله على الأرض، حتى جاء النداء عبر اللاسلكي. ما الخبر؟ المطلوب منا المرابطة الليلة على إحدى الراجمات. على تعبه، كانت فرحة سمير لا توصف، فما شارك فيه في الليلتين الماضيتين مهم وخطير، ولكن الآن بدأ الجد!.


مرت ساعات الليل وهو ومن معه يتنظرون أمرًا من القيادة. سمع صوت آذان الصبح. هموا إلى صلاتهم وعبادتهم، وما آنسها في تلك البقاع. ما أن بدأت الشمس تبعث رسلها الصفر الدافئة، جاء أمر الرمي، في مهمة تغطية لهجوم نوعي على أحد المواقع. رمية تلو أخرى. كان سمير قد حفظ أنه يمكنه الرماية لمدة محدودة، وبعدها عليه الاتقاء من نيران العدو. رمى ما طلب منه، واختبأ مع صديقه بين بعض الصخور. يتذكر سمير: هذه المرة كان رد العدو عنيفًا جدًا، إذ لم يكتفِ بالقصف المدفعي، بل استدعى سلاح الطيران الذي أغار على المنطقة، صابًّا حممه من نار وبارود. انقطع الاتصال مع سمير ورفيقه. تعطلت وسيلة اتصالهم بفعل الغارات والقصف. فإذا هما وحيدان. انتظرا حتى هدأ القصف، ثم خرجا من بين الصخور على مشهد عظيم: تغيرت معالم المنطقة بفعل الانفجارات الكبيرة، ولكن كيف نجونا؟نظر إلى صديقه مدهوشًا، والأخير ينظر إليه ولا يقل عنه دهشة.
لا أحد يعلم سر الانتصارات غير الله بوعده : إن تنصروا الله ينصرْكم... بدأ سمير ورفيقه رحلة جديدة من المشقة، فالطرق مقطعة والمعالم تغيرت بالكامل. ظن أصدقاؤهما بأنهما استشهدا، لأن الغارات استهدفت مكان وجودهما. صعقوا حين رأوهما قادمين نحو النقطة. لم يعلم أحد سر نجاتهما.
شارك سمير بعدها في العديد من المهمات. كذلك شارك قي التصدي للحرب المساة صهيونيًا عناقيد الغضب العام 1996. بكى فرحًا العام 2000، عندما تحررت البلاد، حين أخذ قراره بالعودة إلى السكن في بلدته التي أحب. وقعت حرب تموز العام 2006،  شارك فيها بكل قوة، ليكون مصداقًا لمن حرر أرضه وكان جديرًا بالسكن فيها والتمتع بما وهبه الله إياه من نعمة الوطن المنيع مناعة أبنائه المرابطين على حدوده.
04-أيلول-2014

تعليقات الزوار

استبيان