المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

{قلم رصاص}: الوحش ومنازل قريتي - عبد القدوس الأمين



كان العدوّ مصرًّا على سحب قتلاه، واستنقاذ ما تبقّى من جنوده الخائفين. لم يكن أمامه سوى الدخول إلى القرية.
كنتُ هناك، في أحضان الصخور، مع ثلة من رجال رجال. صحيح أن الجوع قد أكل من لحمهم، إلا أن العيون ظلت تتوقد بعزيمة عنيدة، يزيدها الترقب اشتعالًا، تنتظر على أحر من الجمر محاولة العدو.
ما زالت تلك المجموعة الصهيونية، التي دخلت الى أطراف "عيتا الشعب"، محاصرة تتذوق جرأة رجال انتشروا بين البيوت المهدمة. تنتظر غجابة ندائها المتكرر بإلحاح المرعوب، أفرادها يريدون الفرار، حتى الفرار يحتاج إلى شجاعة غير متوفرة.
كنت والمجموعة الصغيرة قد اتخذنا مكانًا يشرف على مداخل القرية العنيدة، وكانت الصوارخ جاهزة لاصطياد أية آلية تتجرأ على التقدم باتجاه أطراف "عيتا"، حيث الجنود المحاصرون.
لم يطل الانتظار، إذ لاح وجه قبيح لجرّافة ضخمة أطلّت كوحشٍ.


نماذج من الجرافات الصهيونية

نظرتُ إلى الرامي ورفيقه لأزفّ البشرى. رأيتهما يسارعان إلى العمل بسعادةٍ غامرة، كان كلّ شيءٍ جاهزًا. قبضة الإطلاق في اليد تنتظر، والعيون تراقب كالنسور. دقائق وتصل الجرّافة إلى المكان المناسب للإطلاق.
فجأة، بدأ مطرٌ من القنابل الغازيّة السامّة ينهمر على كامل المنطقة. وقعت إحداها على مكمن الرامي. وصلتُ إليهما، الرامي ومساعده، وإذا هما يتنفسَّان بصعوبة، أخرجنا العتاد قبل أن يسقطا مغشيًّا عليهما.
انهمكتُ في إسعافهما بما أعرفه، وأنا أتحرّك بسرعة بأقمشة بلّلتها بالماء، حتى استعادا وعيهما، فيما كان مسؤول المنطقة ينادي، بإلحاح عبر الجهاز اللاسلكي، بضرورة استهداف الجرّافة. أجابه الرامي الذي بالكاد يفتح عينيه:
- لا أست..طيع..
تدفق الصوت من الجهاز حارًا ملحاحًا.
- الجرافة على مشارف القرية، تعطيلها ضروري.
- ... ...
إنها تدخل القرية....
لم أستطع تحمّل صورة هذا الوحش وهو ينهش بيوت القرية. وجدت نفسي أصرخ:
- أنا سأقصف الجرّافة.
- وهل تعرف استخدام القاذف والصواريخ؟
قلتُ بإصرارٍ وقد عزمتُ أمري:
- أتعلّم.


من الدمار في عيتا الشعب

وبصوتٍ ضعيفٍ متقطع استطاع تعليمي ما أمكن. وأنا مصغٍ كأفضل تلميذٍ في العالم.
انطلقتُ حاملاً القبضة مع المساعد الذي حمل معي الصواريخ، لنلحق بالجرّافة..
كانت طائرات الإستطلاع تحوم فوق رأسينا.. ونحن نختبئ تارةً ونركض أخرى.. حتى التقينا مع المجموعة التي تحاصر الجنود وتشتبك معهم.. رآنا أحد المجاهدين، وعلم من نوع العتاد مقصدنا..
- إنّها ستأتي من طريقٍ آخر لتنقذ الجنود..
- ......
- نصيحتي.. أن تكمنوا لها في "ساحة الكراج"
نظرنا حيث أشار، وإذا بمساحةٍ مكشوفةٍ لطائرات الإستطلاع..
صورة الوحش الذي ينهش منازل القرية تشعل غضبي.. نظرت الى رفيقي.. كانت الإجابة في عينيه شديدة الوضوح... ومن بين البيوت المدمّرة والطرقات المحفورة بالقذائف، رحنا نستظل بالجدران مرة، ونركض مكشوفين مرات، حتى قطعنا المسافة.. وصلتُ إلى ناحية الجرّافة، سمعتُ هديرها الصاخب المريع في أذني، وهو يقترب شيئاً فشيئاَ، كمنت لها حتى تصل الى مرماي.. وإذا بصوتها يبتعد، صرخ لي مجاهدٌ في مرصده:
- اتّجهَت إلى الطريق الثاني..
تركتُ مكاني على عجل، وبي إصرارٌ غضوبٌ على أن لا تفلت منّي!


... بالمرصاد

قطعنا المسافة رغماً عن التعب وطائرات الإستطلاع.. أتممتُ التفافي.. وإذا بها أمامي.. حملتُ القاذف بسرعة... رحتُ استعيد ما علمني برهبة لاهثة، كأن الزمن قد توقف بإنتظاري، ماعدت أرى أو أسمع سوى صورة الرامي وصوته الحاضر منفرداً في ذاكرتي.. ثم وبكل ما أوتيت حنجرتي كأن الدنيا كلها سمعت :
- يازهراء
أطلقتُ الصاروخ..
 فأصابها مباشرةً حيث اندلعت النار في مؤخّرتها عاليه...اطلقتُ العنان لطفل في داخلي وبدأت الصراخ:
-أصبتها ....  أصبتها!
بدا صوتها وهي تسير منسحبة، وقد ازداد قبحاً، بعد أن أُُضيفت إليه أصواتٌ من حديدٍ يتضارب.. وحديد يسحق بحديد اخر.
لكم كان رائعاً ذلك المشهد!. لكم كانت رائعةً تلك اللوحة التي ما زالت معلّقةً على جدار ذاكرتي!..
صورة الوحش وهو يجرّ خرابه ومؤخّرته ترقص فوقها ألسنةٌ من النار عالية، فيما يجرُّ خلفه ذيلٌ طويلٌ من الدخان...
تنهّدتُ وأنا أجلس فوق التراب.. وإذا بي... كأني ارى مكاني لأول مرة، رأيت ثماراً دانية القطوف فوق رأسي، فامتلأتُ عجباً.. كأنّ السماء تمدّ إليّ ثمارها... من مكان غير المكان، تذكّرتُ الفتية المجاهدين، ستعينهم هذه على طرد السموم، حملتُ ورفيقاي ما استطعنا إليهم.
- كلوا.. إنّها من ثمار الجنّة!


  من سلسلة "قلم رصاص" - جمعية "رسالات"



05-أيلول-2014

تعليقات الزوار

استبيان