المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الخروج إلى المخيم (10): الكوبرا على خطّ النار



الأسير الفلسطيني ثابت مرداوي
تحرير: عبد الرحمن وليد


داخل المحور الأخير، قطع القصف الصهيوني المكثف أوصال حي الحواشين، وجعل القدرة على الحركة شبه معدومة. مجرد الانتقال من بيت إلى بيت أو قطع زقاق كان يتطلب منا تفكيرا ووقتا طويلين، فلقد استشهد مقاتلون وهم يحاولون عبور قطع مسافة ما بين حافتين. منهم المقاتل البطل نضال النوباني الذي خاض أشرس المعارك، لكن رصاصة غادرة جاءته أثناء عبوره زقاقا.
قصف الطيران صار موضعيا ودقيقا، يقول الأسير ثابت مرادوي، لأن الاقتراب والالتحام مع الجنود كان كبيرا، بل لا يفصلنا عنهم سوى الجدران. كذلك فإن طائرات الكوبرا دخلت على خط القصف بقوة، وأذكر أنها كانت أول مرة نتعرض فيها لرشاشاتها الثقيلة. بعد أن هدأت رشاشات الكوبرا، رحنا نتجادل حول عيار هذا النوع من الرصاص، ما بين عيار 1200-1800 ملم.
هذه الكوبرا كانت تزعجنا أكثر من الأباتشي، رغم أن الثانية لديها قدرة على التدمير أعلى، فهي تطلق حوالي 40 صاروخا في لحظات، ثم تعود لتجدد حمولتها. لا أعلم صحة هذا نظريا، لكن التجربة الواقعية بينت لنا ذلك، علما بأن الكوبرا كانت قادرة على قصف الصواريخ لكنها اقتصرت على استخدام رشاشها الثقيل، وهي سريعة أيضا وقدرتها على الدوران خلال الهجوم جعل رصاصها يغطي كل شبر على الأرض. ربما اقتصرت مهمتها على الرصاص نظرا إلى اقتراب المسافة بيننا وبين الجنود الصهاينة.

طائرة "كوبرا" الأميركية

معركة الثواني
التجربة علمتنا كيفية الإفلات من الطيران، وذلك باحتساب الفترة الزمنية التي يحتاجها الصاروخ من لحظة سماع صوته حين يطلق من الطائرة حتى يصلنا. كانت أقصر مدة يحتاج إليها أربع ثوان، وقد تصل أحيانا إلى سبع أو ثماني، حسب بعد الطائرة عنا. عليه، إذا أردنا الانتقال من بيت إلى آخر نحسب كم نحتاج إليه من الوقت بالثواني حتى نصل إلى أول ساتر يقينا شر الصواريخ، ثم نتخذ قرارا بالانتقال أو البقاء وفق عدد الثواني المتوقعة.
أفضل من مارس هذه اللعبة، إن صح التعبير، هو الشهيد عبد الهادي العمري. كان يخطر على باله أحيانا أن يقارعها، أو أن يسخر منها، فيقف قبالتها بتحدّ، حتى إنه كان يفعل بعض الحركات أمامها كمن يشاكسها، إلى أن يرى وميض الصاروخ لحظة انطلاقه، ويسمع صوت انفلاته من عقاله، فيتخذ ساترا، ثم يعاود الكرة ثانية وثالثة.

من منزل إلى منزل
الآن استطاعت قوات الاحتلال تحقيق تقدم على الجبهة الشمالية، وتمكنت من السيطرة على المنازل المصطفة على الشارع الرئيس في المخيم الذي يحد حي الحواشين بعد أن دخلت الجرافات الضخمة والمصفحة على خط القتال. هدمت الجرافات عددا كبيرا من البيوت وأزالت التحصينات والسواتر الترابية والحواجز الدفاعية التي كنا قد أنشأناها من قبل، كما عملت على إنشاء سواتر تخدم أهدافها الهجومية.
كنا نعمل على فتح ثغرات في واجهة أحد المنازل، في الوقت الذي يفعل ذلك جنود الاحتلال من الواجهة المعاكسة للمنزل نفسه، وكل منا يعلم بصنيع الآخر، لكنه يريد السبق في دخول المنزل والسيطرة عليه.

الشهيد عبد الهادي العمري

صار لكل منزل أهمية كبرى، بل إن السيطرة عليه أو جزء منه إنجاز، لأن المعارك كانت تدور داخل المنازل. الواضح أن قوات الاحتلال اعتمدت إستراتيجية "من منزل إلى منزل" بعد أن تأكدت أنه من غير الممكن السيطرة على الحي بأكمله دفعة واحدة. كانت هذه السمة العامة للمعارك منذ اليومين الخامس والسادس حتى نهاية الاجتياح.
مع ذلك شهدت معظم المنازل اشتباكات في سبيل الدفاع عنها أو إعادة السيطرة عليها، حتى إن هناك اشتباكات عرفت بأسماء البيوت التي دارت فيها، علما أن تلك البيوت المتلاصقة كانت سلاحا ذو حدين، فالسيطرة على منزل تعني السيطرة على السلسلة الموصولة به، أما إذا خسرنا واحدا فإن هذه السلسلة الممتدة من أطراف الحي حتى قلبه ذهبت من أيدينا.
ومع أن طبيعة الواقع تنبئ عن شكل النهاية لكن الروح المعنوية لدى المقاتلين متوقدة، وهذا ما كانت تؤكده ضراوة الاشتباك الدائر، بل لم يكن المقاتلون ينتظرون تقدم الجنود حتى يقاوموهم، بل كانوا يبادرون بالهجوم عليهم.

مقتل نقيب إسرائيلي
تناهى إلى أسماعنا أن الصهاينة قد دخلوا أحد المنازل وسيطروا عليه، وكان هذا المنزل موصولا بمنازل عدة أخرى تغطي مساحة كبيرة من أرض الحي، وإذا حدث هذا فعلا فإن نصف مساحة الحي الشرقية الشمالية لن توفر لنا ملاذا.
كان الموقف صعبا، فتمركز الجنود في هذه المنازل يجعل من الصعب علينا اقتحامها وطردهم منهم، بل من المستبعد نجاة أي من مقاتلي مجموعتنا. أثناء التردد والتفكير جاء المقاوم(أ.م)، وعندما عاين حقيقة الأمر قرر سريعا أنه سيقتحم المنزل عبر ثغرة جانبية يعلم أين تقع وكانت معدة لمثل هذه الحالات. طلب من ثلاثة مقاومين كانوا في المكان أن يتمركزوا قبالة زقاق ليحموه، ومن هؤلاء الثلاثة الشهيد علاء الصباغ، أحد قادة كتائب شهداء الأقصى (فتح)، وقد استشهد بعد الاجتياح.

الشهيد علاء صباغ

دخل المقاتل المنزل وتفقده على حذر، ولما لم يجد شيئا رجع بعد أن وضع على الفتحة علامة وذلك حتى يطمئن عندما يعودون إلى أنه لم يدخل أحد عبرها إلى المنزل. استمر في ذلك ومعه أخ آخر (هـ.أ) وفتى بعمر الـ12 كان مرسالا بيننا. استمروا في تفقد المنازل الثاني فالثالث حتى الرابع والأخير في تلك السلسلة. الأخير كان نظيفا أيضا، لكن المقاوم بعد أن انتهى من تفقده سمع أصواتا عبرية قريبة خارج المنزل. توجه إلى حيث الصوت فوجد جنديين صهيونيين واقفين على نافذة منزل شرقا وخلفهم في الغرفة عدد آخر من الجنود. أحد الجنود كان يحمل رتبة عسكرية تشير إلى أنه نقيب، ومن حديث الجنود وحركاتهم تبين أنهم يخططون لاقتحام المنزل الذي هو فيه، فأدرك أنه وصل في الوقت المناسب.
كانت المسافة بينهم لا تتعدى ثلاثة أمتار، فقطع عليهم تخطيطهم ببضع رصاصات أطلقها صوبهم، وتأكد من أنها أصابت أول جنديين. ما حال بينه وبين مواصلة إطلاق النار هو صلية كثيفة من مجموعة أخرى لم ينتبه إليها، وكانت في منزل ملاصق للمستهدف.
أصيب ذلك المقاوم بأكثر من رصاصة لكن إصابته لم تكن خطيرة، وتمكن من الرجوع والانسحاب برفقة الشبل الصغير، ففرحنا لرؤيته لأننا كنا قد قلقنا عليه وقت سماع صوت الرصاص. رصاصاته القليلة قتلت الضابط وأصابت الجندي. هذا ما علمناه في ما بعد، لكن الحدث بمجمله منع الجنود من دخول هذا المنزل واقتحامه مع أنه خالٍ من أي مقاتل. قوات الاحتلال لم تكن تتجرأ على دخول منزل يأتيها منه رصاص فتعمد لاحقا إلى قصفه بصواريخ الطائرات أو تجريفه.
في ذلك اليوم جرى اشتباك آخر، وأصبتُ فيه برصاصات عدة: اثنتان في اليد اليسرى وواحدة دخلت من تحت الدرع الواقي الذي كنت أرتديه. ومع أنها كانت خفيفة، إلا أنني شعرت بأنني تلقيت ضربة شديدة جعلتني أشعر بدوار في رأسي وتشويش في النظر. تلك الإصابة أثرت عليّ كثيرا في الأيام المتبقية... يتبع.
06-أيلول-2014

تعليقات الزوار

استبيان