المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

"العصفور" ما زال قريبًا – زينب صالح




"يا سبحان الله على جمالك يا أُمي، شو هالطّلّة يا علي*، كبران وحليان". قالت هذه العبارات في نفسها عندما نظرت إليه قبل يومين من ذهابه في رحلته الأخيرة. ثم أزاحت بصرها عنه كي لا تُصبه سهام عينيها بأذى، وتابعت في سريرتها: "ابني علي صار شاب، وجهه متل القمر، الله يحميه يا رب". ووعدت نفسها بمستقبلٍ تراه فيه عريسًا بعد أن يرتّب أموره، ويبلغ من سلّم العمر نضج الشّباب، فهو منذ أشهر تغيّر كثيرًا وبلغ مستوى من النّضج وتحمل المسؤولية ما جعله يلفت انتباه الجميع.
لكنّ صوت الحرب المشتعلة استفزّ الشّاب الفتيّ المُلَقَّب بـ"العصفور"، لكثرة حركته ورشاقته، فاختارته الشّهادة "قاسمًا" لكربلاء العصر، قبل أن يتمّ سنينه الثمانية عشر.وما حالها الآن؟ هي التي إن عرّفوا عنها قالوا "كتير حنونة على أولادها"، و"علي" كان لشدّة اهتمامه بها يساعدها في أعمال المنزل ويحرص على أن يكون سندًا في كل تفاصيل حياتها. لا تنسى حجارة البيت المتواضع في سحمر البقاعية أنّاته وهو يستمع الى أنشودة "قومي أمّاه اندبيني" قبل نومه، يبلّل بدموعه وسادةً يخفيها عن عيني أمه عندما تقترب منه قائلةً: "لماذا خففت صوت الأنشودة، أتظنّني لم أسمعها؟"، ثم تنظر إلى وروده الحمراء التي أحضرها لها في عيدها، تقول له: "لماذا يا حبيبي تشتري لي من  مالك، هذا لك يا علي"، فيجيبها: "وهل في الكون أغلى منك يا أمي؟".



وبين إخوته، يفيض عليها بحنانٍ عارمٍ ورثه منها، الأم التي يشهد لها الجميع بعاطفة تمنحها لجميع الأحبة، فما حال أبنائها، حتى إنّه كان يحرص على غسل ثيابه قبل عودته من دوراته التدريبية كي تكون نظيفةً، ولا تتعب تلك المنتظِرة على الباب طلةً تُثلج فؤادها. وحدها تلك المهمة التي ذهب بها، جيء بثيابه وعليها عبقه وبعض دمه، غُسلًا بدلًا  عن  الماء والصابون. "علي العصفور" كان محمولًا على الأكفّ، تمامًا كأمتعة جهاده.
وخبر شهادته كان صعبًا، ذلك العصفور الذي لا ينسى تفاصيل أصدقائه وأحبته وأهله في سهراتهم وجلساتهم البقاعية تحت ضوء القمر وفي سمر الصيف. وما زاد نيران ألم الرحيل استعارًا، وصيّته التّي صوّرها قبيل استشهاده، ذاكرًا فيها جميع من شاركهم أنسه، وكأنّه معهم، وكلّما أراد الحديث مع والدته، بكى بكاءً شديدًا وأوقف التصوير، حتى أعادوا  التصوير ثلاث مرات، وفي كل مرة يعود طفلًا صغيرًا مستحضرًا قول محمود درويش"إذا متُّ، أخجل من دمع أمي".


يسأل الجميع عنها، كيف حالها بعد غيابه؟ كيف استقبلت الخبر وكيف تستقبل ذلك الرحيل لزهرةٍ ما آن أوان ربيعها؟ وماذا تفعل بأزهاره المزينة خزانة ملابسه؟ كيف تنثر أمهات شهداءٍ لم يبلغوا العشرين ياسمين صبرهنّ فوق روابي الجهاد، ليستقبلوا عرسانهنّ بالزغاريد والدموع؟ بيتها في سحمر شاهدٌ، ليس على بكاءٍ ونحيب، بل على صبرٍ يُعيي الجميع،  ربّما يكمل حكاية ابنها.
 فعلى عتبة دارٍ استقبلته فيها عائدًا بتابوتٍ أصفر، تقف تستقبل الجموع، تصنع من جبروتها ابتسامةً بحجم حنانها، تصبّرهم، تمسح دموعهم بكلماتها، تقول إنّ عليًا هو مدعاة فخرهم وعزّهم، دون أن تحتاج  الى مواساتهم، بعد أن وجدوها مثالًا للصبر والتحدّي.
 تستقبل كل من جاء مهنئًا ومعزّيًا، لتمنحهم قوّتها قائلة: "أهلًا وسهلًا بحبايب ابني علي، نوّرتو الدار يا أُمي". وبين زخّ الدموع التي تفقد تماسكها في الأحداق أمام صبر تلك الأم، تسمع رسالة بحجم الحنان المتوقد من صوتها: "ما تنسوا ابني علي، علي أمانة جهادكم وحبركم".


*الشهيد علي موسى موسى- من بلدة سحمر/البقاع الغربي – مواليد 1996 – استشهد في 29 -07-2014 أثناء أداء واجبه الجهادي.
29-أيلول-2014

تعليقات الزوار

استبيان