المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الحسين العطِش نهرَ حرية - زهرة فيصل الأمين





 أول المجالس العاشورائية التي حضرتُها وأعيها، كنت طفلة، وكان عمر الملحمة الكربلائية قد جاوز الألف وأربعمئة سنة. اليوم تقترب ذكرى سنوية أخرى. أنا أتقدم في العمر، وهي، كما تعودت أن تطل دائمًا، وكما تعودنا أن نستقبلها، شابة لا تشيخ، ولا تهرم. إعلان بأنها لن تضعف، لا، ولن تذوي ثم تموت. عادت لعشاقها ومحبيها والمشتاقين، ليجددوا العهد والبيعة. لتُجلي دموعُهم غشاوة الإبصار، وتُليّن قلوبًا ربما غلفتها بعض القسوة في غفلة حينًا، وفي سهو أحيانًا.
بين عاشق ومحب ومنتقد ومسخف ومحارب ومدافع ومبخّس، ومغالٍ، تبقى كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء. يعود النقد، وترتفع الوتيرة: ناقد يبخس الحدث والذكرى والواقعة أهميتَها، وآخر يراها عادات بالية، وضربًا من التخلف لا يتناسب مع فكره وتوجهه "الحضاري" في عصر التكنولوجيا وذكائها. وآخر يدعي العلمانية في غير محلها، ضاربًا بكل القيم والشعائر الدينية عرض الحائط (يمارس حريته كاملة وينتهي بإجحاف الآخرين في حريتهم). وثمة آخر غيره يراها حادثًا مر كغيره في التاريخ، ويساويها بمعركة "القادسية" مثلًا.


يبدأ الجدل ولا ينتهي، يعود المجادلون، عودًا على بدء، إلا أنها تبقى كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء، مادام الراهب الذي بكى على رأس الحسين موجودًا، وما دام النصراني الذي نصر الحسين موجودًا، وما زالت المرأة التي دفعت بفلذة كبدها إلى المعركة ليستشهد بين يدي الحسين حاضرة حية، وما زال الهندوسي الذي تعلم من الحسين كيف يكون مظلومًا فينتصر، ومازال الباحثون في الغرب ينقبون في التاريخ عن عظماء ما زالو ذخرًا وخزانًا للأحرار والثوار والمظلومين في العالم، يبحثون فلا يجدون أكثر من الحسين بن علي مثلًا يقتدى. ولكن في نفس الوقت، ترتسم على كل الوجوه في كل العقول، علامات الاستهجان والتعجب: كيف لأمة لديها محمد وعلي والحسين(ع)، وتؤول أمورها إلى ما آلت إليه؟


كلنا أمل بأن تزول هذه الظلامة السوداء، مازالت السواعد الشابة ترتفع، والحناجر الصادقة تصدح: لبيك يا حسين، هيهات منا الذلة... وقوافل الشهداء هي البرهان على صدقهم، وباقات الانتصارات المتوالية. مازالت العيون دامعة، والألسن تردد بحرقة وحب وعشق قل نظيره: حبيبي يا حسين، نور عيني يا حسين. ومازالت كلمات الحوراء زينب تتردد في أرجاء القصور الظالمة: "كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك؛ فالله لن تميت وحينا ولن تمحو ذكرنا، وما رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد... هذا وفرائص الفاسق الفاجر، شارب الخمر قاتل النفس المحترمة، ترتعد، وكلماتها تؤرقه وتقض مضجعه، ومازال هو يهدد بالقتل، ويأتيه نداء علي بن الحسين: أتهددني بالموت ... إن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.
لو تسنى لك في أيام المحرم أن تجول في أصقاع الأرض، لوجدت عيونًا دامعة وقلوبًا باكية، بكل اللغات، مع أن أصحابها لم تطأ أقدامهم أرض العرب والمسلمين، ولكنها عرفت الحسين. لأنه شهيد الطف سيبقى الشهيد العطشان، نهرًا جاريًا صافيًا، ينهل منه العطشى للحرية والعزة والعدالة، لا تكدر الشوائب صفاءه ولا نقاءه.



* الصور لشاب لبناني يرفع راية الامام الحسين (ع) فوق صخرة "لسان القزم" - النوريج. تعد الصخرة من أخطر الأماكن السياحية في العالم، إذ يحتاج تسلقها إلى 8 أو 9 ساعات.

25-تشرين الأول-2014

تعليقات الزوار

استبيان