المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

فتحي الشقاقي: المجاهد العصامي - عبد الستار قاسم







لقد كُتب كثيرًا عن حياة الشهيد الشقاقي، وهنا أحاول إبراز نقاط هامة في سيرة حياته الجهادية والتي تجسدت في حركة جهادية ريادية لها دورها المؤثر والقوي في الساحة الجهادية الفلسطينية، والذي كان بارزا في عدوان إسرائيل على غزة العام 2014. وتلك النقاط أوجزها كالآتي:

أولًا، الخلفية الرياضية:
إذ إنه درس الرياضيات في الجامعة ودرّسها في المدارس، وهذا يدل على قوة المنطق التي كان يتميز بها الشهيد. الرياضيات منطق بالرموز، والتميز بها يشير إلى قدرة الشخص على فهم الافتراضات الأساسية وعلى القدرة على الاشتقاق المنطقي المتسلسل، وعلى فهمه العميق للنتائج التي تترتب على المقدمات. حرص الفلاسفة القدامى على التعمق في الرياضيات لإدراكهم أنها الطريق نحو الرقي في المنطق، والقدرة على ربط العلاقات الجدلية، والتوصل إلى الاستنتاجات الصحيحة. وبعضهم كان يرى أنه لا يجوز لشخص لا يعرف المنطق والرياضيات أن يتبوأ مركزًا قياديًا بسبب الشكوك حول قدرته على فهم التسلسل المنطقي والاشتقاق. فلا غرابة أن الشهيد الشقاقي تميز عن العديد من القادة السياسيين والجهاديين الفلسطينيين في تفكيره وفي مقارباته للهموم الفلسطينية، إذ اتجه نحو الحلول العلمية والمنطقية بعيدًا عن الفهلوة والارتجالية.
فضلًا على ذلك، كان الشهيد قارئا جيدا، لم يترك الكتاب، وحرص على توسيع مداركه المعرفية في مختلف مجالات الحياة، وإذا كان لنا أن نقارن مع بعض القيادات الفلسطينية، هناك قيادات بقيت علاقاتها متوترة مع الكتب، فبقيت قدراتها على معالجة القضايا الفلسطينية محدودة ومهزوزة.

ثانيًا، عصامية التنظيم:
لم يعتمد الشهيد الشقاقي على أموال دول أو أجهزة مخابرات، عندما بدأ وزملاءه النشاط لبناء حركة الجهاد الإسلامي. أغلب الفصائل الفلسطينية وجدت دولًا تحتضنها، وخزائن تمولها، واستطاعت بالمال أن تشق طريقها... بفشل! لكن حركة الجهاد الإسلامي نهضت بسواعد أبنائها وأموالهم. لا يعني أن حركة الجهاد ترفض المساعدات المالية من الجميع، لكن الشهيد رأى أن تكون حركة الجهاد الإسلامي وليدة نفسها وسيدة نفسها حتى لا تكون لعبة بيد هذه الدولة أو تلك. هناك من يتهم حركة الجهاد الإسلامي بأنها ألعوبة بيد إيران، لأنها قدمت الدعم المالي للجهاد. هذا اتهام مردود، لأن حركة الجهاد لا تتلقى أموالا مشروطة، فضلا على أن إيران تقدم الدعم المالي لرواد الخنادق وليس لرواد الفنادق. اختط الشهيد طريق الاستقلال قناعة منه بأن غير المستقل ذاتيا لا يمكن أن يحقق استقلالا لشعب. تبنى الشهيد فكرة اليد العليا حتى لا تكون حركة الجهاد مطية لأحد حتى لو كان فلسطينيا. ولذا نقول إن الشهيد كان مجاهدا عصاميا، بمعنى أنه اعتمد القدرات الذاتية وفكرة الاستقلال في البناء التنظيمي والنشاط الجهادي.




ثالثًا، مركزية القضية الفلسطينية:
عد الشهيد الشقاقي فلسطين القضية المركزية على المستويين العالمي والإقليمي، وأن كل الجهود يجب أن يتم توجيهها نحو تحرير فلسطين. كان يرى أن على العرب والمسلمين أن يتركوا القضايا الثانوية خلفهم، وألا تلهيهم الصراعات الداخلية والمصالح القُطرية عن القضية الفلسطينية. رأى أن التعليم يجب أن يوجه في الساحة العربية نحو تحرير فلسطين من أجل رفع الوعي بالقضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية، ومن المطلوب أيضا النشاط على الساحة الإسلامية من أجل استجماع القوى الإسلامية المختلفة لرفد القضية الفلسطينية والمجاهدين الفلسطينيين.
وقد كان الشهيد واضحا في تصنيفه للقضية الفلسطينية بأنها قضية عربية إسلامية، وسعى دائما إلى توظيف الجهود العربية والإسلامية لمواجهة إسرائيل.  وربما كانت هذه القناعة امتدادا لرؤيته الناصرية في شبابه، ولفكرة عبد الناصر بأن القضية الفلسطينية قضية العرب أجمعين. من المعروف أن الشهيد أدار ظهره للناصرية بعد هزيمة العام 1967، وأخذ البعد الإسلامي يطغى على فكره والتحق بجماعة الإخوان المسلمين، وأصبح من المعجبين بكتابات سيد قطب بخاصة كتاب معالم في الطريق. ولكنه عاد وأدار ظهره للتوجه الإخواني بسبب عدم مركزية فلسطين فيه.

رابعًا، الفكر الإسلامي الجهادي:
 تبنى الشهيد الفكر الإسلامي ورأى في الإسلام دينا موحدا للناس جميعا على الأرض العربية، لأنه دين تسامح ومحبة وعلم وعمل وجهاد. رأى في الإسلام دين الراحة والوئام والاطمئنان، دين الثقة المتبادلة والعمل الجماعي والتعاون المتبادل، ودين الانفتاح والتقدم العلمي والنهوض في مختلف مجالات الحياة. مقت الشهيد التعصب، ورأى أن الفكرة الإسلامية تنتشر بالقدوة والعمل الصالح، لا بالتنفير والعصبوية ورفض الآخرين. ولهذا يعد الشقاقي من رجال الدين المفكرين والمنطقيين المؤمنين الذين حرصوا على صورة الإسلام الناصعة الحريصة على إقامة العدل بين الناس. شتان بين الشهيد الشقاقي وبين قادة العديد من الحركات الإسلامية  الذين شوهوا الدين الإسلامي بأعمالهم الإجرامية وفتاواهم التعصبية التي لا تولد إلا الكراهية للإسلام والمسلمين.


بصمات الشهيد في كل إنجازات المقاومة في غزة

خامسًا، تكامل العروبة والإسلام:
لم يجد الشهيد تضاربا بين العروبة والإسلام، الإسلام لا يمنع العروبي من أن يكون مسلما، ولا يمنع المسلم من أن يكون عربيا. لم يأت الإسلام ليحارب القوميات، وإنما لمحاربة العصبيات. التعصب مرفوض عند الشهيد الشقاقي، والتحوصل حول الذات والانعزال عن العالم غير مجدٍ، ويلحق الضرر بمن يمارسونه. ولهذا لم يوظف الجهاد الإسلامي جهدا لمحاربة العروبيين، وبقي يصر دائما على ضرورة توظيف كل الجهود من أجل تحرير فلسطين.

سادسًا، نبذ الخلافات الداخلية:
امتنع الشقاقي ورفاقه عن المساهمة في المشاكل الداخلية الفلسطينية، إذ لم ير الشهيد أن حركة الجهاد في منافسة داخلية مع أي فصيل فلسطيني، ورأى أن على كل الفصائل الفلسطينية أن تتوحد في مواجهة إسرائيل. رفضت حركة الجهاد الانحياز لصالح طرف فلسطيني ضد آخر، ورأت أن الخلافات الفلسطينية الداخلية تهدر الطاقات والجهود وتخدم في النهاية العدو الصهيوني. لقد بقيت حركة الجهاد الإسلامي بعيدة عن الصراعات الداخلية الفلسطينية والعربية، وبقيت تصوب جهودها وفق البوصلة الحقيقية وهي بوصلة تحرير فلسطين.
مع كل هذا، وجدت حركة الجهاد الإسلامي صعوبة كبيرة في نقل جثمان الشهيد من مالطا إلى الوطن العربي. رفضت أغلب الأنظمة العربية استقبال الجثمان على أرضها، ومنها من رفض مرور الجثمان من أرضها. بعد عناء شديد وافقت تونس على مرور الجثمان من أرضها ونقله إلى دمشق ليوارى الثرى في مدافن الشهداء في مخيم اليرموك. الأنظمة العربية باعت نفسها للصهيونية بينما خرج ثلاثة ملايين مشيع في جنازة الشهيد من أبناء العرب.
رحم الله الشهيد وأسكنه فسيح جنانه.

كاتب وأكاديمي فلسطيني

25-تشرين الأول-2014

تعليقات الزوار

استبيان