سارة عاشور
في مثل هذا اليوم من عام 1979، عاد الإمام الخميني قدس سره الى ايران ليشعل ثورة الحق بوجه الباطل، ويقود مقاومة عظيمة ضد الظالمين والمستكبرين. خلال فترة نهضته، كان أكثر المواضيع السياسية التي تطرّق اليها الإمام فكرة مقارعة الاستكبار. وقد وردت کلمة أمریکا حوالي 4500 مرة في خطاباته. قليلون هم الذين لا یعرفون أن السبب الرئیسي لنفي الإمام الخمیني (قدس سره) إلى ترکیا ومن ثم إلى العراق کان خطابه ضد الحصانة الدبلوماسیة والقضائیة التي کانت تولیها الحکومة الایرانیة في ذلك الحین للأمریکیین نتیجة الضغوط الامریکیة التي کانت تعتبر إهانة کبیرة للأمة، فقال الإمام في خطابه آنذاك: " یا رؤساء جمهوریات الشعوب الاسلامیة، یا ملوك شعوب البلاد الاسلامیة، أغیثونا جمیعاً. هل یجب أن نُسحق تحت أقدام أمیرکا، لأننا شعب ضعیف؟ إننا الیوم مبتلون بهؤلاء الخبثاء!".
کان السبب الرئیسي لالتفات الإمام (قدس سره) إلى أمریکا هو إدراکه أن السیاسة الخارجیة الأمریکیة أصبحت أکثر عدوانیة على نحو متزاید. فهي تسعى من وراء مطامعها غیر الشرعیة الى إشعال الحروب، وإن لم تلتفت شعوب العالم لهذا الأمر، فإن مستقبل الإنسانیة سیکون مستقبلاً مظلماً. أما فیما یتعلق بإسرائیل فقد کان للإمام الخمیني (قدس سره) رأي حاسم في هذه المسألة، لأنّه اعتبرها غیر شرعیة أصلاً ولم یتحرك لإقامة أیة علاقات معها أبداً.
عشرة أيام كانت كفيلة بأن تحوّل ايران الى رمزٍ للثورة والمقاومة. ثورة ذاب فيها قادة المقاومة في لبنان، فدعا الشهيد الشيخ راغب حرب والشهيد السيد عباس الموسوي للالتحاق بركبها والاقتداء بها. وصار الإمام الخمينيّ عندها سرّ بصيرة المجاهدين وبات حاضراً في سلوكهم وخطاباتهم.
قال فيه السيد عباس الموسوي: "هو رجل المواقف الشجاعة والحکمة والسیاسة، والأب الحنون لکل المسلمین فی العالم. عندما نقرأ شخصیة الإمام نرى فیه أنموذجاً مصغراً لشخصیة رسول الله وعیسى ابن مریم وعلي بن أبي طالب والحسن والحسین، فهو العابد الذي اذا نظرت إلى عبادته تصورت أنه لا یعرف الا العبادة". كما أكّد الشهيد الشيخ راغب حرب أن المسلمين اللبنانيين يعتبرون أن الثورة الاسلامية هي ثورتهم، وحدوث الثورة عرّض مصالح القوى العظمى المهيمنة للخطر.
إنّ انتصار الثورة أعطى لكل الشعوب المستضعفة أملاً بإمكانية تحقيق النصر، وكان تأثيرها جليّاً واضحاً في كلام الشهيد فتحي الشقاقي حينما قال:
" لقد منح انتصار الثورة الإسلامیة في ایران الثقة لشعب فلسطین. لقد أوضح لنا أن انتصارنا یتبع لانتصار الإمام الخمینی(رض). إن الانتفاضة هي إحدى ثمار الصحوة الإسلامیة التي أوجدها الإمام الخمینی(رض) في المنطقة وخاصة فی فسطین".
وتحدث السيد حسن نصر الله عن دور الإمام الخميني العظيم في تفنيد أولويّات الأمة واهتمامه بفلسطين قائلاً:
" الإمام الخمیني (قده) کان اهتمامه بفلسطین والقدس منذ انطلاقتها، فلم تبدل التحدیات العالمیة حرفاً في موقفه، ومسألة فلسطین هي مسألة عقائدیة ولیست موضوعاً لا للمساومة ولا للتفتیت. والإمام کان الداعیة الدائم للوحدة والتکامل بین المسلمین وبین المستضعفین أیضاً، وکان یتحدث عن الجامع الإبراهیمي بین الدیانات السماویة واتباع الدیانات السماویة. الامام الخمیني(قده) فقیه کبیر وفیلسوف عظیم، وعارف، ومفکر إسلامي مبدع ومجدد، وله مواصفات ذاتیة کثیرة، وله فضل بما أحدثه في تاریخ الأمة وما أسسه للمستقبل".
والى اليوم لا يزال هذا الإمام حاضراً بكلّ وجوده، في بأس المجاهدين ونضالهم، في دعائهم وصلواتهم، في كلّ نداء لنصرة المستضعفين في هذه الأرض، تماماً كما عند استشهادهم وعروجهم.