المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

في طريق العودة

حسام ناصر الدين


ناداني جهاد: "أسرع يا جواد، خبئ مدفع الـ b9 بين الأشجار ولننسحب".
أسرعت بنقل المدفع الی المكان الذي يجب أن يوضع فيه. قمت بتمويهه ببعض أغصان الشجر. حملت سلاحي وركضت.
كان العدو الصهيوني يمطر الحرج الذي علينا سلوكه بالقذائف والرشقات النارية من الأسلحة المتوسطة، ولكن كثافة الأشجار كانت تؤمن لنا ستاراً لنتمكن من الانسحاب.
لا أعرف السرعة التي كنت اركض بها، ولكن ما أعرفه جيداً أنني لم أكن آبه إذا انزلقت في الدرب الترابي الذي كنت أركض فوقه، أما كيف اجتزته دون أن أنزلق الی القاع ويتسبب ذلك بمقتلي فالله أعلم.
كنت متقدماً على جهاد ببعض الامتار، وكنت أظنه خلفي، الی ان وصلت الی نقطة التجمع المقرر ان يلتقي فيها جميع الاخوة بعد الانتهاء من تنفيذ العملية. نظرت خلفي فلم ارَ جهاداً، انتظرت قليلاً، قلت لعله يأتي ولكنه لم يأتِ.

من المواجهات مع العدو

بدأ القلق يسيطر عليّ، فالمدفعية الصهيونية لا تزال مستمرة في قصف الخلة التي انسحبنا منها وبالتالي لا إمكانية للعودة للبحث عن جهاد، إذاً لم يعد امامي سوی انتظار باقي الإخوة لإخبارهم باختفائه والتواصل مع غرفة العمليات لاتخاذ القرار المناسب.
دقائق مضت كأنها أيام بل سنين وصل بعدها الإخوة تباعاً. وحين اكتمل العدد أخبرتهم بأمر اختفاء جهاد. ساد الصمت لثوانٍ، لم يخرقه صوت المدفعية الإسرائيليه التي أعادتنا الى رشدنا لنستعيد وعينا وندرك أن علينا التحرك سريعاً.
نادی هادي الأخَ عامل الإشارة، أخبره بأن جهاداً لم يعد الی الآن ونحن بانتظار التعليمات بهذا الشأن. طلب عامل الإشارة منا الانتظار ريثما يخبر المعنين بالأمر ويأتينا بالقرار. وما هي إلا لحظات حتی خاطبنا عامل الإشارة قائلاً: ستقوم مدفعية المقاومة وبعض الوحدات المختصة بمحاولة إسكات مدفعية العدو، وعليكم التحرك بأسرع وقت ممكن باتجاه الجبل للبحث عن جهاد. لا وقت لدينا لذا عليكم بالتحرك بأسرع ما يمكن مع المحافظة علی سلامتكم.
ومع بدأ مدفعية المقاومة بدك موقع العدو بدأنا نتحرك باتجاه الجبل باحثين عن جهاد.
كنت في مقدمة الإخوة لأنني أعرف الطريق جيداً.
لا وقت لدينا. علينا بالإسراع. صرخت بالإخوة. ولكن صعوبة الطريق وشدة انحنائها كانتا العائق الأساسي أمام حركتنا.
تابعنا مسيرنا صعوداً ونحن نلتفت يميناً ويساراً علنا نجد جهاداً.
كنت أتوسل إلى الله أن لا يكون قد أصيب بمكروه. ولكن لعلمي بأن هذا الغياب لا يبشر بالخير كان الخوف يعتريني والأفكار تتجاذبني. وفي غمرة هذا التفكير صرخ هادي قائلاً: هذا سلاح جهاد. انظروا إنه هناك.
أحسست بجسدي قد تسمر في الارض ولم أعد أقوی علی الحراك. وكأن شللاً أصابني للحظات. ذهب هادي وعماد وأحضرا السلاح الذي كان عليه بعض قطرات من الدم.
تيقنّا جميعنا بأن جهاداً قد أصيب، ولكن اين هو ؟؟
من المفترض أنه في مكان قريب من مكان السلاح.
انقسمنا مجموعتين لنتمكن من مسح المنطقة المجاورة للمكان الذي وجدنا فيه السلاح بأسرع وقت ممكن، فالوقت يداهمنا ومدفعية العدو ستعاود القصف في أية لحظة.  
كنت أبحث داعياً الله أن أجده قبل الإخوة، فلا أطيق اللحظات التي ستمر اثناء توجهي لرؤيته في حال عثر عليه أحد قبلي.
لا جدوی، لا اثر لجهاد، عندها فقدت السيطرة علی نفسي وبدأت بمناداته: جهااااااد أين انت؟ إن كنت علی قيد الحياة أجبني، وان كنت لا تستطيع الكلام فقم بأي حركة تجعلنا نعلم بمكانك.
فجأة سمعت صوت حفيف أغصان. نظرت باتجاه الصوت وإذ بي أری مجموعة من الأغصان المتكدسة علی بعضها بعضاً تتحرك. توجهت دون وعي الی تلك الأغصان، أزحتها، وإذا بجهاد قد اتخذها ستاراً وجلس مضرجاً بدمائه خلفها.
نظرت إليه فرأيته من دون قدمين، والدم أشبه ببركة ماء، وهو لا يقوی حتی علی فتح عينيه.
ناديت الإخوة طالباً أن يتوجه المسعف الينا فوراً، فأتی مسرعاً وبدأ بإجراء الاسعافات الأولية اللازمة. وفي هذه اللحظات بدأ القصف الاسرائيلي من جديد فصرخ هادي أن علينا التحرك سريعاً، فالاخوة في غرفة العمليات اعطونا امراً بالانسحاب الفوري.
نظرت الی المسعف، ففهم أنني لن أترك جهاداً في أرض المعركة والوقت لا يسمح بإكمال إسعافه، فقال لي: سنحمله ونركض به الی نقطة التجمع ونقوم باجراء اللازم هناك، فإن صمد هذه اللحظات كان خيراً وإلا فهنيئاً له الشهادة.

في أمان الله

علی الفور قمت بحمل جهاد وبدأت الركض. وكما في المرة الاولی كذلك الآن، لم أهتم بمشقة السير على تلك الطريق، فكل همي أن أصل الی نقطة التجمع وجهاد علی قيد الحياة.
بدأت أشعر بأنفاس جهاد تنخفض، حاولت أن أكلمه: جهاد اصمد، أمامنا لحظات فقط ونصل الی حيث الأمان، بالله عليك يا جهاد لا تتركني. وإذ بجهاد يصدر صوت شخير وبعدها لم أعد أسمع حساً.
أنزلته عن كتفي. بدأت أضغط علی صدره وأنا أنادي المسعف أن يتوجه إليّ. كنت أصرخ باسم المسعف مرة وباسم جهاد أخری. وصل المسعف، أزاحني عن جهاد، اقترب منه، ثم نظر إليّ قائلاً: عظّم الله لك الأجر بجهاد، لقد قمت بما عليك فعله فلا تحزن، فهو شهيد سبقنا، ونحن علی اثره.
اقتربت من جثة جهاد، قبلته على جبينه وحملته من جديد متوجهاً به الی نقطة التجمع حيث كان بانتظارنا مسعفون مختصون جاؤوا لنقل الجريح وليس الشهيد.
ولأن جهاداً اصبح شهيداً فعلينا الانتظار الی حين حلول المساء لنقله الی منزل ذويه، إذ لا يمكننا إخراجه من البيت علناً.
مددناه بيننا، وصرنا نستذكر بطولاته التي كان آخرها العمل الذي استشهد فيه، حيث قام بقنص عنصر من عناصر جيش لحد بقاذف الـ b9 وهذا يدل علی مدی براعته.
حل الظلام، فتوجهنا بالشهيد الی المسجد حيث قام الإخوة بتجهيزه بينما توجهت أنا الی المنزل لأخلع بزتي التي لم أقم بغسلها لغاية الآن، ليبقی عليها ذلك الدم الطاهر الذي سال دفاعاً عن الأرض والعرض والمقدسات.
وداعاً جهاد.

05-شباط-2015
استبيان