المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

باكورة شهداء البقاع الغربي... (الجزء الأول)

زينب صالح

ضرب على الطاولة بيده عندما أتى شقيقه مصاباً، وقال:

-        جئتنا مصاباً بدل أن تأتي شهيداً؟! ما هكذا الظنّ بك!
ثم نظر الى مَن حوله بانفعالٍ وقال:
-        إن لم تُكتب لأخي الشّهادة فسأكون أنا أوّل شهيدٍ على مذبح الكرامة في القصير، بإذن الله.
قال هذه العبارات عندما رأى يد أخيه ملفوفةً إثر إصابةٍ له في معارك الحقبة الجديدة، وعاد الى بيته ليكمل اعتكافه في وحدةٍ لم تشهدها زوجته "زهراء" من قبل.
-        لماذا لم تذهب عندما اتّصلوا بك منذ أيام؟
-        أريد أن أُمضيَ معكم وقتاً إضافيّاً.
-        ما الذي يحدث معك يا عزيزي؟ أخبرني.

الشهيد حسين مرعي
(تشكر الكاتبة صفحة مشغرة على فايسبوك)

نظر إليها، بشريط سنواتٍ وذكرياتٍ انسابت أمامه كالحلم، يوم أحبّها وأتى بها من الهرمل الى مشغرة ليضحي هو كلّ أهلها، ويختصر بروحه المرحة الحنونة كل  أحبّتها.
تُرى كم من المسؤوليات ستتحمل أم ثلاثة أطفالٍ حديثي العهد بالحياة وهي بعد لم تغادر سنوات العشرين؟ وأيّ غربةٍ ستحتضن أطفاله عوضاً عن حضن رعايته واهتمامه؟
فغداً لن يصطحب أولاده الى المدرسة، ولن يراهم  يكتبون أولى كلماته ويلفظون أحرفهم الأولى.. وفي الأعياد لن يحضر لهم بنفسه ثيابهم الجديدة ولن يغمرهم بملء الكون حباً وحناناً...
وأمّه، كم دمعةً ستبكيه بعد أن ودّعت أباه منذ سنوات وأصبح هو وأخوته السند والمعين؟

دمعت عيناه.. فهل فراق الأحبّة  أمرٌ يسير؟! ومن قال إن  المقاومين لا يملكون في الدّنيا من يشحذ فيهم روح الحياة كل ساعة أنس؟! ألا تختصر بسمة الطفل كل الكون؟! لكنّ ما ينتظره أجمل بكثير.. أجمل حتى من احتضان أيادي أطفاله الناعمة.. فإن صدق حدسه  سيضحي شهيداً في مرحلةٍ جديدة من مراحل التحدّي للأمّة جمعاء..إنّها حرب القصير.. وصوت الأمير ينادي، في صفوف صفّين من جديد، عمّاراً والحسن والأشتر. تُرى أيبقى  وحيداً والبقاع الغربي قدّم من الشهداء من قبلُ ثلّةً من المجاهدين الشهداء في معارك التحرير وفي حرب تموز؟

ألا يجدر بهذه الأرض الطّاهرة أن تفتتح مسيرة موكب الشّهادة لينتصر الدم على السيف من جديد؟ فالكل يعرف أن المعركة ضارية، وجنود التكفير تكاتفوا، ولا يهدم بنيانهم المرصوص الا نصرٌ مخضّب الجناحين من دماءٍ زكيةٍ..

استجمع كلماته وقال لها:
-        لا يا زهراء، لكنّي أشعر أنّني في حاجةٍ الى وقتٍ أمضيه معك ومع أطفالي.. وسأذهب غداً، فلستُ أتخلّف عن الجهاد ان شاء الله.
-        نعم أعلم.. لكن بماذا تحدّثك نفسك؟ فأنت في البيت تمضي وقتك وحيداً، تنظر الينا كأنّك تودّعنا.. أتظنّ أني لا أسمع صوتك وأنينك في صلاة الليل؟!
-        وهل أجمل من أنين المحبوب في حضرة حبيبه؟
شعرت أنّ عليها الصمت، فالكلام أحياناً يلطّخ زجاج الترقّب والتسليم والرضا بكل ما قد يحدث..

في اليوم التالي لعودة "عباس" جريحاً جاء موعد ذهابه.. وقف على الباب ونظر الى زوجته زهراء قائلاً:
-        انتبهي لنفسك وللأولاد.. هم أمانتي عندك.
ابتسمت، وكأنّ سنوات المحبة والوئام في ذلك البيت الصغير تتبلور في لحظات، عندما يعيش الأب والأم والأطفال سعادةً يتعاون الجميع لحياكة ثوبها.. وقالت:
-        أتودّعني أم توصيني؟لم يُجب، ومضى.

كان للعرس الأوّل في البقاع الغربي حضوره المهيب في بلدة مشغرة، حيث ابتسم قمرها لولادة أنيسٍ له يزيّن مع شهداء المراحل السابقة لوحات السماء..

هناك، توافد الجميع ليباركوا لمشغرة شرف افتتاح قطار الشّهداء، من رحم الأرض الى سرّها والنّور..
في ذلك النّهار، حيث حسين عريسٌ فوق الأكتاف، يتزاحم الجمع لإلقاء تحية الوداع عليه، ناداه شقيقه عبّاس الجريح بصوتٍ سمعه الجميع:
-        مباركٌ لك يا أخي الغالي شهادتك.. فإن عدْتُ أنا من المعركة مصاباً دون نيلي شرف الارتقاء، فأني أعدك الآن، أنّي لن أهنأ الا بأن التحق بك.. بحقّي عليكَ عجّل في طلبي، فأنت السّابق وأنا اللّاحق بإذن الله...

                                                                                                                يتبع....

 


(تشكر الكاتبة صفحة مشغرة على موقع فايسبوك)     

11-شباط-2015
استبيان