المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

البروة: قرية المقاومة والشعر

 تهاني نصّار

هي قرية فلسطينية "مهجرة". والتعبير يعطى عادة للقرى التي هدّمها الاحتلال الصهيوني في الأرض الفلسطينية. تقع البروة على بعد 11 كلم شرق مدينة عكا. وقد عرفها التاريخ (في عهد الصليبيين تحديداً) باسم "برويت". وقد كانت في العصور اللاحقة قريةً كبيرة تضم عدداً كبيراً من السكان يصل إلى خمسة آلاف، وضمت بين جنباتها جموعاً من الديانات المختلفة، فكان فيها المسجد والكنيسة ومدرستان ابتدائيتان واحدة للبنين وواحدة للبنات أثناء الانتداب البريطاني لفلسطين.

مستوطنه أحيهود القائمه على أراضي البروة


كانت البروة قرية مؤثرة في مقاومة الانتداب البريطاني حيث حصلت فيها عدّة "معارك" مع البريطانيين. ففي العام 1936 إبان الثورة الفلسطينية الكبرى ضد البريطانيين قام المقاومون في البروة بوضع عبوات ناسفة في طريق القرية الرئيسية، وانفجرت العبوة آنذاك بمصفحةٍ إنكليزية فقتل 12 جندياًعلى الفور. كانت ردة فعل المحتل عنيفةً إذ إنه جمع رجال القرية بالإضافة إلى بعض القرى المجاورة (قرى الدامون وشعب) وأجلسهم الجنود في فسحة أرض وجعلوا يرمون عليهم "نبتة الصبّار" الشائكة ويطلقون النار فوق رؤوسهم بغرض إخافتهم. وأسمى سكان البلدة ذلك اليوم بواقعة الصبّار. لكن الأمر لم ينتهِ عند المحتل هنا، إذ إنه أجبر سكان القرية على دفع 500 جنيه إنكليزي غرامة على ما قاموا به، وإلا فإنه سيدمر القرية. وقد دفعت القرية المبلغ مضطرة تحت تهديد تهديم البيوت والجامع والكنيسة والمدرستين.

أنقاض مسجد البروة


في العام 1947 كانت قرية البروة تقع بحسب قرار التقسيم الإنكليزي بين ما سمي الدولة العبرية الأولى والدولة البريطانية المنتدبة. ولما كانت عصابات الهاغانا والبالماخ والشتيرن ترغب بالدخول إلى القرية واحتلالها، حدثت مناوشاتٌ أكثر من مرةٍ بين رجال القرية المقاومين وبين رجال تلك العصابات القتلة. كان سعر البندقية الإنكليزية آنذاك (المارتيني) نصف ليرة، فاشترى رجال القرية أكثر من 20 بندقية بعدما جمعوا المال من بعضهم البعض بعدما علموا أن مدينة حيفا قد سقطت بيد الصهاينة. لكن الصهاينة كانوا يمتلكون دباباتٍ وناقلات جند ومصفحات فحاصروا البلدة من ثلاث جهات، وتركوا جهةً واحدة كي يخرج منها السكان. قاوم الرجال في القرية لمدة 3 أيامٍ متواصلة حتى فرغت ذخيرتهم تماماً فتراجعوا تحت ضربات القوة المهاجمة. وبعد أسبوعٍ من هذا الهجوم عاد كثيرٌ من سكان القرية إليها ليجدوا أن بيوتهم ورزقهم قد سرق وأن الصهاينة قد سرقوا "كل ما يستطيعون الحصول عليه".

أنقاض معصرة عائلة إدلبي في البروة


 لقد كان الهجوم "للسرقة" لا أكثر ولا أقل ولإرهاب السكان أنفسهم. لكن ذلك لم يجدِ نفعاً إذ إن سكان القرية بقوا فيها، حتى إن معظمهم عاد إلى العمل فعلياً داخل أرضه. لكن وللمرة الثانية لم يستطيعوا البقاء في القرية فترةً طويلة، إذ إن العصابات عادت وهاجمتهم وبنفس الطريقة مرةً ثانية. تجمع هذه المرة حوالي 200 شخص من سكان القرية والقرى المجاورة (الدامون وشعب)، وكان قوامهم 100 مسلحٍ بأسلحةٍ فردية خفيفة (مسدسات وبندقيات مارتيني) دون ذخيرةٍ كافية، وقرروا دخول القرية واقتحامها. وقد شاركت خمسة عشر امرأة بسلاحهن في هذه المعركة. وحصلت مواجهة صغيرة بين أهل القرية وعصابات الصهاينة، لكنها سرعان ما قطعت حينما تدخل ما سمي "جيش الإنقاذ العربي" الذي أجبر سكان القرية على التراجع واخلاء المكان تحت حجة أنهم سيعيدون القرية لسكانها ولكن وجودهم يعطّل  "العمل الحربي". تراجع السكان وكان قد سقط لهم أكثر من خمس شهداء في تلك المواجهة. سقطت القرية بعدها، وتشرد أهلها. بعضهم رحل إلى مدنٍ أخرى في فلسطين، وبعضهم أتى إلى لبنان. ولم يعودوا من يومها إلى تلك القرية الجميلة الوادعة.

مدرسة البروة


 أقام الصهاينة على أرض قرية البروة عدة مغتصبات مثل "يسعور" و"موشاف" اللتين ضمتا يهوداً من اليمن تم احضارهم فقط لخبرتهم في الزراعة. ولكن الجزء العربي من القرية بقي أرضاً خراباً، وجرت محاولاتٌ عدة من شبانٍ فلسطينيين للعودة إلى القرية لكن ذلك لم يحصل حتى اللحظة.

من أشهر شخصيات قرية البروة الشاعر الراحل محمود درويش، الذي لم ينسَ قريته وظل يتباهى دائماً بأنه منها وبأن أرضها تعتبر بالنسبة له: أصل الأرض ومكانها، بدايتها ونهايتها. وقد أشار إليها في أكثر من مقطعٍ شعري، وكان أبرزها في ديوانه "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي"، حين ذكرها في قصيدة: "طللية البروة"، قائلاً:

أمشي خفيفاً كالطيور على أديم الأرض،
كي لا أوقظ الموتى، وأقفل باب
عاطفتي لأصبح آخري، إذ لا أحس
بأنني حجر يئن من الحنين إلى السحابة
هكذا أمشي كأني سائح ومراسل لصحيفة
غربية أختار من هذا المكان الريح...
اختار الغياب لوصفه جلس الغياب
محايداً حولي، وشاهده الغراب محايداً
يا صاحبي قفا... لنختبر المكان على
طريقتنا: هنا وقعت سماء ما على
حجر وأدمته لتبزغ في الربيع شقائق
النعمان... (أين الآن أغنيتي؟) هنا
كسر الغزال زجاج نافذتي لأتبعه
إلى الوادي (فأين الآن أغنيتي؟) هنا
حملت فراشات الصباح الساحرات طريق
مدرستي (فأين الآن أغنيتي؟)
هنا هيأت للطيران نحو كواكبي فرساً
(فأين الآن أغنيتي؟) أقول
لصاحبي: قفا... لكي أزن المكان
وقفره بمعلقات الجاهليين الغنية بالخيول
وبالرحيل لكل قافية سننصب خيمة
ولكل بيت في مهب الريح قافية...
ولكني أنا ابن حكايتي الأولى حليبي
ساخن في ثدي أمي ,والسرير تهزه
عصفورتان صغيرتان ووالدي يبني غدي
بيديه.. لم أكبر فلم أذهب إلى
المنفى يقول السائح : انتظر اليمامة ريثما
تنهي الهديل! أقول: تعرفني
وأعرفها ,ولكن الرسالة لم تصل
ويقاطع الصحفي أغنيتي الخفية: هل
ترى خلف الصنوبرة القوية مصنع
الألبان ذاك؟ أقول كلا لا
أرى إلا الغزالة في الشباك
يقول: والطرق الحديثة هل تراها فوق
أنقاض البيوت؟ أقول: كلا لا
أراها، لا أرى إلا الحديقة تحتها.
وأرى خيوط العنكبوت يقول : جفف
دمعتيك بحفنة العشب الطري أقول:
هذا آخري يبكي على الماضي...
يقول السائح: انتهت الزيارة لم
أجد شيئاً أصوره سوى شبح
أقول: أرى الغياب بكامل الأدوات
ألمسه وأسمعه، ويرفعني إلى
الأعلى، أرى أقصى السماوات القصية
كلما مت انتبهت، ولدت ثانية وعدت
من الغياب إلى الغياب.

23-شباط-2015
استبيان