المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

وسائل التواصل الاجتماعي... السلاح النوعي الجديد

مريم حجازي

قامت قناة بي بي سي البريطانية بإعداد تقريرٍ يفيد أنّ معرفة النّاس في المجتمع الغربي حول القضية الفلسطينية والتعاطف معها كبيرة جداً بنسبة 65% تقريباً، ولمن هم في الفئة العمرية دون الأربعين عاماً، أي الفئة التي ترمز الى مستخدمي ساحة التواصل الاجتماعي الذين يستقون منها أخبارهم عوضاً عن الوسائل التقليدية كالصحف والاذاعات.

منذ حصار غزة عام 2006، بدأ الجيل الجديد من الفلسطينيين بتعزيز فكرة انتشارهم عبر تطوير قدراتهم على التواصل، وتحسين لغتهم الاجنبية، واستخدامها في مواقع التواصل الاجتماعي، رغم الحصار الالكتروني الذي تفرضه اسرائيل على مستخدمي المواقع الفلسطينيين كإجبارهم على اختيار البلد "اسرائيل" مكاناً لإقامتهم وبالتالي جعلهم مدمجين ضمن الاحصائيّات الاسرائيلية وذلك لرفع الترتيب والمشاركات الاسرائيلية والاستفادة من الاحصاءات في مواقع التواصل الاجتماعي.

يُذكر أن هذا الحصار الذي يظهر انزعاجاً اسرائيلياً من الحركة الالكترونية الفلسطينية وصل إلى حد مضايقة واعتقال بعض عرب ال 48 بسبب ما يكتبونه على صفحاتهم الشخصية.

تظاهرة مؤيدة للشعب الفلسطيني


هذه المواقع التي تقوم على اخد حدث من الارض تتم معالجته افتراضياً ليعود إليها حاملاً صبغة الرأي العام، أًصبحت بشكل أو بآخر أحد أهم الاسلحة النوعية التي قلبت الموزاين في حرب غزة الاخيرة حتى أصبحت هذه المواقع مرآة الحرب العسكرية والنفسية.

ان الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي في هذا الصراع، لعب دوراً في فورية فهم الناس للحرب، نظراً الى تقليص حجم دائرة تحرير الخبر التقليدية (من الناشر الى المتلقي فقط). فوجدنا عدداً كبيراً من الصحفيين على الارض أكثر من حرب غزة 2009 حيث استخدم الفلسطنييون منصات اعلامية جديدة كالفايسبوك والتويتر، بالمواجهة مع طريقة السرد السائدة للأحداث، بالغين بذلك عدداً كبيراً جداً من المتلقين حول العالم.

ومع تواصل الحرب، ظهرت معركة سرد الروايات على الانترنت، بين وسائل الإعلام الممولة من دولة العدو بشدة، ممثلة بمتحدثين اسرائيليين للحكومة الاسرائيلية والجيش مع عقود من الخبرة، وبين الصحفيين الفلسطينيين الذين كانوا يمتلكون فقط أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم، والهواتف الذكية والكاميرات. ويقول بعض الصحافيين المدنيين إنه كان باستطاعتهم كسب الحرب الالكترونية والوصول الى الجمهور الغربي، عن طريق اعادة توزيع المحتوى بطريقة مبتكرة والتعليق عليها (تويتينغ) مضيفاً أن التحديثات أسرع بكثير من وسائل الاعلام الأخرى.

هذه الاحداث والتغطية الاعلامية لها كانت نتاج تطوير للإعلام الحربي الفلسطيني. ولكن التغيير الجذري الذي دخل الى الوسيلة الاعلامية في هذه الحرب بسبب تعذر التغطية الميدانية المباشرة وقلة التقارير الصحفية نتيجة الاجراءات الامنية، أحسن الفلسطينيون استخدامه واستغلاله بما ينصف قضيتهم. فخلال الأسبوع الأخير من العملية، أنشأ العديد من المواطنين تحديثاً على يوتيوب تحت هاشتاغ "RubbleBucketChallenge" أو "GazaBucketChallenge"، وأشرطة الفيديو "تحدي دلو الحصى" وبدلاً من تفريغ دلو من الماء المثلج فوق رؤوسهم، استخدموا دلواً من التراب والركام لرفع مستوى الوعي للوضع في غزة محاكين الفئة التي تمارس اي تحديث على الانترنت واللغة الجديدة لرواد الموقع محققين بذلك نسبة مشاهدة عالية جداً عالمياً.

اشكال من التضامن مع الفلسطينيين ومع العدو


لكن وعلى صعيد وسائل الاعلام الأجنبية، فلم يعد الانسجام واضحاً في نوعية الخبر. اذ ان الاعلام الأميركي لم يكف عن الاتجاه نحو تبرير الاعمال العسكرية الاسرائيلية فحسب، والحفاظ على النمط الكلاسيكي في التغطيات لا بل وقع في زلّاتٍ عدّة كلّفته اعتذاراتٍ وادانات كان ليكون بغنى عنها لو ركب موجة الحرب الاعلامية الجديدة (مذيعة في قناة abc news  عرضت صورة لدمار في غزة وادّعت ان الصورة لدمار في اسرائيل، ما اظهر جلياً الانحياز الاميركي، والتغطية غير الحيادية). أمّا الاعلام البريطاني فقد تريث قليلاً قبل أن يظهر حدة في انتقاد اسرائيل، ثم ما لبث أن ظهرت تجلّيات الرأي العام حول الحرب خصوصاً مع وجود مادة اعلامية دسمة ومع تقدم النزاع وزيادة أعداد الشهداء الفلسطينيين، وأصبحت وسائل الإعلام البريطانية إلى حد ما أكثر انتقاداً لإسرائيل الأمر الذي ساهم بإضعاف رواية الأخيرة، وخصوصاً ان الفلسطينيين كانوا الأقدر على الاتصال مباشرة مع الجماهير في الخارج ونقل القصص المهمة. علاوة على أن صور الموت والدمار في غزة، الذي يعتبر محادثةٍ مرئيةٍ تتحدى الرواية الإسرائيلية التقليدية للفلسطينيين كإرهابيين وإشراك جميع الفلسطينيين من ضمنهم حماس كمقاومين.

ان انحياز معظم وسائل الاعلام الغربي لصالح اسرائيل بغية تجيير الرأي العام العالمي لصالحها، عارضة صوراً للدمار الذي أحدثه القصف الصاروخي الفلسطيني يقابله دمار موازٍ في "إسرائيل" واجهه استخدام  الفلسطينيين منبر وسائل التواصل الاجتماعي لتبيان الحقيقة ونشر الصور والمجازر التي كانت كفيلة بإظهار الفرق بين الدمارين، كمجزرة حي الشجاعية. لاحقاً حاول نتنياهو على حسابه الشخصي على تويتر ان يقلل من حدة الموقف وتبرير المشاهد العنيفة بأنها من تلفيق الفلسطينيين واستخدام ممثلين لتصوير المشهد على أنه دموي. ما غاب عن نتنياهو ان اللعبة لم تعد اعلامية تصويرية كلاسيكية قابلة للتعديل، بل أصبحت مشاهد حية تنتقل بدون فلترة للصورة الى أكبر عدد من المتابعين بثوانٍ. أي ان مصداقيتها قد تفوق قنوات تلفزيونية عريقة كالفوكس نيوز والـ بي بي سي.

لقد أصبحت منابر وسائل الاعلام الاجتماعي، أرضاً لمعركة مختلفة الشكل بين فلسطين (قطاع غزة تحديداً) و"اسرائيل". على الرغم من أن "اسرائيل" تتمتع بقدرات اعلامية عالية من حيث التأثير على الرأي العام بامتلاكها قنوات عديدة وقدرتها على  التأثير في صناعة الرأي العام عربياً ودولياً. وبتطويرها المستمر لوحدة الاعلام الالكتروني في الجيش، التي من شأنها توظيف قدراتها العالية التقنية والبشرية لدراسة الوضع النفسي في الحرب ونشر ما يرفع معنويات الجانب الاسرئيلي والتركيز على انجازاته. الا ان الاخيرة قد فشلت بعتادها أمام مصداقية وتفاعلية ما كانت تقدمه الجهة الغزاوية المقابلة.

هذه الخسارة في الحرب الاعلامية كلّفت "اسرائيل" صورتها التي عملت على تلميعها ونشرها في صفوف الشعوب الغربية، والتي أثمرت سابقاً دعماً مادّياً كبيراً لها من حملات تقيمها على الأراضي الأوروبية والأمريكية. أماّ اليوم فالصورة مختلفة، وعي شبابي غربي أكبر للقضية يتبعه حملات دفاع عن الفلسطينيين وتحسين صورتهم بشكل ملموس، مما انعكس على الحكومات التي بدأت بالتملص من مشاركة اسرائيل القرار وارتياحها من الناحية الشعبية حيال مساندتها فلسطين في مفاوضات السلام. ففي أميركا مؤخراً، علّقت على الطرقات يافطات كبيرة تناشد الحكومة بايقاف التمويل السنوي لـ"اسرائيل" تحت عنوان " كفى" .. فيتعبر الشعب ان ما يحصل اليوم من دعم لـ"اسرائيل" ليس سوى استنزاف لموارد دولتهم وثمن يدفعه المواطنون سنويًا لإرضاء "اسرائيل" وتحقيق مجازرها. هذا وقد ارتفعت في الآونة الأخيرة حدّة الحملات التي تطالب بمقاطعة البضائع الاسرائيلية في اوروبا وأميركا تحديداً والذي انعكس في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أنشأ الاسرائيلييون صفحات عديدة دعماً للمنتجات ولوجهة النظر الاسرائيلية.

في ظلّ هذه الحرب الاعلامية وما يتخللها من ردّ ورد مضاد، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في ترجيح كفة لاعب على حساب آخر. وما يظهر الى الآن ان "اسرائيل" تحاول أن ترتق ما نجم عن انتصار فلسطين اعلامياً في الحرب الاخيرة، وما ترتب عنها من تشويه لصورة "اسرائيل" غربياً التي بطريقة او بأخرى سوف تضعف من قوة "اسرائيل" في مفاوضات السلام القادمة.

25-شباط-2015

تعليقات الزوار

استبيان