المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

قرية "الشجرة": قرية المقاومة والأبطال

تهاني نصّار

هي قريةٌ وادعةٌ فلسطينية، لم يبق منها الكثير اليوم سوى بعض آثارها، وذكراها التي لا تغيب عن عقل الشعب الفلسطيني. هذه القرية أسماها الصليبيون يوماً "سيبيرا" وعرف عنها أن سفوحها مكسوةٌ بنبتة "الأرضي شوكة" المعروفة والتي حملت نفس الاسم باللغة الإنكليزية، ذلك أن الغربيين شاهدوها لأول مرة في قرية الشجرة بحسب المؤرخ ايلان شابيلا والرحالة السويسري جان بوركهات. عرفت القرية بشجاعة مقاتليها وبأسهم، إذ إنهم ورغم صغر حجم القرية استطاعوا تحريرها بعد احتلالها مرتين. أضف إلى ذلك كله فإنَّ رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير "ناجي العلي" يأتي من هذه القرية بالإضافة إلى أنَّ شاعر الثورة الفلسطينية الأولى عبد الرحيم محمود أبو الطيب استشهد فيها أثناء معركة تحريرها الثالثة (هو في الأصل من قرية قريبة هي عنبتا).
صور لأنقاض قرية الشجرة

تقع قرية الشجرة أو السجرة دون حرف الشين أو التنقيط إلى الجنوب الغربي من مدينة "طبريا" في فلسطين المحتلة، وتبعد 37 كيلومتراً عنها. تبلغ مساحتها قرابة الأربعة آلاف دونم، وتحيط بها قرى لوبيا وطرعان، كفركما، كفرسبت، حطين، نمرين، وعين ماهل بالإضافة إلى مجموعة من "الخرب" التي تضم معالم أثرية من مراحل تاريخية مختلفة (رومانية، بيزنطية، صليبية). يذكر أن عدد سكانها الأصلي كان قرابة الألف نسمة، في إحصاءٍ جرى العام 1945. وقد بنى الصهاينة أول مستعمراتهم في القرية تحت مسمى "إيلانة" (مشتقة من كلمة إيلان وتعني شجرة بالعبرية، بعدما كانوا أسموها بداية "سجرة" نسبة إلى القرية المدمرة).

صور للقرية وللمستوطنة المجاوره لها (صورة من عام 1946)

خاض مقاومو القرية قتالاً شرساً ومريراً مع الصهاينة في معركتي تحرير القرية، حيث رحل عن القرية كل النساء والأطفال وكبار السن وبقي فيها المقاتلون الرجال وكل من قدم من القرى الأخرى ليقاوم الاحتلال معهم. وقد أتى وفد كبير من قرية عنبتا على رأسه الشاعر المناضل عبد الرحيم محمود (أبو الطيب). وخاض المقاومون نضالاً باسلاً بأسلحة بدائية وبنادق لا يصل عددها إلى 100 بندقية صالحة للقتال (المارتيني). وقد غنموا من الصهاينة أسلحة ثقيلة. إلا أن ضعف "الخبرة" العسكرية قادهم إلى تفجير هذه الأسلحة لأنهم لم يكونوا يجيدون استعمال بعضها (كالمصفحات مثلاً). وقد أُجبرت عصابات الهاجاناه والشتيرن على الانسحاب من القرية مرتين، في المرة الأولى أقدمت العصابات على تفخيخ وتفجير منزلين في القرية، الأمر الذي جعل شبان القرية يهاجمون المعتدين بالأسلحة البيضاء والفردية، وأدى ذلك إلى استشهاد أكثر من 30 شاباً في تلك المعركة، لكن سرعان ما مالت الكفة بعد أن تم "تنظيم" خلايا المقاومة في 13 تموز 1948 . وقد كان الصهاينة يهدفون آنذاك من خلال سيطرتهم على الشجرة الى السيطرة على الجليل الأسفل. واستعملت القوات المهاجمة المدفعية الثقيلة، وكانت من المرات الأولى التي يستخدم فيها هذا النوع من الأسلحة الثقيلة. وصل جيش الإنقاذ إلى المعركة، وحاول بكل قوته موازنة الأمور لصالح العرب إلا أن القوات الصهيونية كانت قد أحكمت سيطرتها بشكلٍ كبيرٍ على المنطقة بعيد استشهاد أكثر من 300 مقاوم عربي خصوصاً بعد سقوط مجموعة من القرى القريبة مثل لوبيا، مرين، طرعين، شفا عمرو، ومدينة الناصرة. يذكر أن الشاعر المقاوم عبد الرحيم محمود كان يهتف في المقاتلين مشجعاً إياهم على مقاومة المحتل قائلاً:
سأحمل روحي على راحتي       وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسـر الصديـق        وإما ممات يغيـــظ العدى
ونفس الشريف لها غايتان        ورود المنايــا ونيل المنى
لعمرك هذا ممات الرجال        ومن رام موتـاً شريفـاً فذا

صورة اخرى للقرية وللمستوطنة المجاوره لها

نبغ من قرية الشجرة رسام الكاريكاتير المبدع ناجي العلي (1937-1987) الذي ولد في الشجرة ولكنه خرج منها وهو في العاشرة، وعاش طفولته وشبابه في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان. ظل ناجي على ارتباطه الوثيق بقريته الوادعة المدمرة، وظل يذكرها حتى استشهاده في لندن. وقد كتب في مذكراته الأفكار التالية عن قريته وعن مدى تأثيرها عليه:
"اسمي ناجي العلي. ولدت حيث ولد المسيح، بين طبرية والناصرة، في قرية الشجرة بالجليل الشمالي. أخرجوني من هناك بعد 10 سنوات، في 1948 إلى مخيم عين الحلوة في لبنان. أذكر هذه السنوات العشر أكثر مما أذكره من بقية عمري. أعرف العشب والحجر والظل والنور. لا تزال ثابتة في محجر العين كأنها حفرت حفراً. لم يخرجها كل ما رأيته بعد ذلك. كنت صبياً حين وصلنا زائغي الأعين، حفاة الأقدام، إلى عين الحلوة. كنت صبياً وسمعت الكبار يتحدثون الدول العربية.. الإنكليز.. المؤامرة.. كما سمعت في ليالي المخيم المظلمة شهقات بكاء مكتوم.. ورأيت من دنت لحظته يموت وهو ينطلق إلى الأفق في اتجاه الوطن المسروق، التقط الحزن بعيون أهلي، وشعرت برغبة جارفة في أن أرسمه خطوطاً عميقة على جدران المخيم. حيثما وجدت مساحة شاغرة.. حفراً أو بالطباشير. إحساسي ووعيي للوطن بدا يتشكلان ونحن في المدرسة الابتدائية بعين الحلوة. كنا نستغل مناسبات مثل وعد بلفور، أو ذكرى تقسيم فلسطين أو 15 أيار (مايو) للتعبير عن رغبتنا بالعودة إلى فلسطين".

ناجي العلي


28-شباط-2015

تعليقات الزوار

استبيان