المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

في طرق العشق

عبد الرحمن جاسم

لا شيء يشفع لك حينما لا تكون "محباً". لا شيء يشفع لك، لا كل تضحياتك، ولا رصاصك المنهمر، ولا صواريخك، ولا حتى رحيلك المدمغ بالتضحية. كل هذا لا يشفع لك إذا لم تكن مصبوغاً بالحب. فالحب هو أساس المقاومة، وفعلها الحاسم، وقرارها الأول والأخير. فالمقاومة أصلاً وقبل أي شيء، هي فعلُ حب، حبٍ متكاملٍ لا شيء يختبئ خلفه، إنه حبّ وبشكلٍ مباشرٍ ولا لبس فيه. فأن تختار التضحية بروحك في سبيل أحبائك، فأنت ببساطة تسعى خلف أعلى مراتب العشق، هذا العشق الذي يسمونه أحياناً: انغماساً. تنغمس في روح من تحب، تصبح ومحبك واحداً، لا تريد إلا أن تكون جزءاً منه، كما كان الحلاج يقول: "روحه روحي، إن شاء شئت، وإن شئتُ يشا". تلك هي العلاقة التي تحدث في المقاومة. 

لكن فلندع العلاقة الربانية بين العبد وربه؛ ولنتكلم أكثر عن العلاقة بين العاشق وما يحب. حينما تختار المقاومة، فأنت تعلم علم اليقين بأن ما تختاره يتضمن –تلقائيا- فكرة "رحيلك" شهيداً في سبيل هذه القضية. والشهادة هي بابٌ أساسي في كل أفكارنا وتحليلاتنا عن المقاومة. يفهم كثيرون الفكرة بشكلٍ خاطئ، يفهمها على أساس أننا نفضّل الموت على الحياة، وأننا نكره الحياة، ولا نستمتع بها، ولا نعيشها. يعتقد كثيرون بأننا لا نمارس حياتنا بشكلٍ طبيعي، يعتقدون بأننا كل الوقت نقضي أوقاتنا نبكي ونحزن ولا نعيش هذه الحياة بالمقدار الذي يعتقدون. 


يا من لا تعرفوننا: إننا نمارس الحياة كما نحبها، ونعيشها كما نريدها؛ بتبسيطٍ أكثر: نحن نمارس في حياتنا ما تفعلونه وزيادة؛ نحب كرة القدم، ونلعبها، ونشاهدها على التلفاز. لنا فرقٌ نشجعها، ونغضب لأجلها، ونناقش أمورها وحالاتها ساعاتٍ وساعات. لنا مطعمٌ نحبه، نأكل فيه، وندعو أصدقاءنا إليه. لنا طبقٌ نعشقه، ونلاحقه من مكانٍ إلى آخر، وإذا علمنا بأن أحداً قد صنعه، نسعى بكل رغباتنا كي يدعونا إليه. لنا أغراضٌ نريدها، ونحبها. ونحن نعشق التكنولوجيا، ولا تستغربوا أن شهداءنا –كما نحن- كانوا يستعملون أحدث الهواتف النقّالة، ويستعملون أحدث البرامج على الكمبيوتر. ما لا تعرفونه عنا أننا نعيش الحياة بكامل ألوانها وبكل طيفها وفرحها وحزنها. أنتم تريدون وضعنا في زاويةٍ خاصة، زاوية تناسبكم لرؤيتنا بها. فرؤيتنا بهذا الشكل توافق ما تريدون وصفنا به: راغبون بالموت. لربما هي صفةٌ خلبيةٌ بعض الشيء، نحن لا نعشق الموت كما تعتقدون أنتم، وضمن أفكاركم، بلا أي هدف أو سبب. نحن نعشق الموت دفاعاً عما نحب، فداءً لما نعشق، واكراماً لكل ما نؤمن به. 

هذا حال العشاق منذ أبد الزمن وحتى نهايته. فالعاشق يضحي بكل ما له وفيه في سبيل ما يعشق ومن يعشق. أما الجبناء، المتفلسفون، المتحدثون، كثيرو الكلام قليلو الأفعال فيناسبهم لوم الناس وشتمهم، خصوصاً أولئك من يفعلون. تلك لن تكون المرة الأولى التي نُشتَم بها، ولن تكون الأخيرة بالتأكيد. نحن يا من لا تعرفوننا نختار رحيلنا وقتما نجده مناسباً، نحن لا نخاف الرحيل هذا، حتى أحبتنا يعرفون أن رحيلنا هذا هو لأننا نحبهم، فنفديهم بأغلى ما نملك. يدرك أحبتنا ذلك، ويؤمنون به، لذلك يكون رحيلنا – مهما بلغت قسوته - مبرراً ومفهوماً، وهو أمرٌ لا يمكن رؤيته ولا إدراكه من زاويتكم ومن المكان الذي تنظرون منه إلينا. 

تلك الأمور صعبٌ استيعابها عليكم بالتأكيد، فأنتم تعتقدون بأننا مجرد "آلات بغير مشاعر" أو "قطيع أغنام يساق للذبح" هكذا تروننا، وتعتقدون – بكل قباحة - أننا لا نعرف كيف تصنفوننا. نحن نعلم، وندرك ونفهم، ما تقولونه عنا. ولن يضيرنا فعلاً ما تقولونه فنحن اخترنا هذا الطريق بوضوحٍ ووعي وإدراك، وسنكمله: إلى آخره أو آخرنا.


11-آذار-2015

تعليقات الزوار

استبيان