المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

في اختيار المقاومة مرةً أخرى

عبد الرحمن جاسم


    لا يحق لنا أن نحبّ المقاومة. هذا أمرٌ بديهي بالنسبة لكل "محبي الحياة" كما يسمون أنفسهم. ليس خياراً مسموحاً أو متاحاً أبداً أن نحب المقاومة، أن نختارها، أن نضحي لأجلها. يكون سؤالهم ههنا: لماذا تضحون بأنفسكم لأجل شيءٍ غير ملموس، غير محسوس، قد لا يقدّم لكم شيئاً مادياً يوماً ما؟ ينسى كل هؤلاء أن ما بيننا وبين المقاومة لا يمكن التعبير عنه بالكلمات وبالحديث وبمجرد أحرفٍ ورموز. إن ما جبلنا عليه يجعلنا نختار المقاومة، اليوم، غداً وإلى آخر هذا الزمان. الفارق في الفكرة أننا اخترنا ما نريده، أما هم فلم يختاروا شيئاً، أو لربما قد اختاروا ما أراد لهم "غيرهم" أن يعتقدوا بأنهم اختاروه. 

ليست المقاومة فعلاً ينتهي مع انتهاء حامل الراية الآن، أو غداً أو بعد غد. المقاومة فعلٌ مستمرٌ لا منتهٍ، هدفه الأول والأخير أن يحمي "الضعفاء" و"المستضعفين" و"المساكين" من الظلم. أولئك من لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم بمواجهة قوةٍ غاشمة. هي الفكرة بهذه البساطة والمباشرة، دون التفافٍ من أي نوع. ولمن لا يعلم هي فكرة مكلّفة أكثر من أي شيءٍ آخر، ومكلفة لصاحبها وحاملها أكثر من غيره بكثيره. فحامل اللواء عليه أن يدفع أكثر، من روحه ومن جسده ومن أحبائه ومن ماله وكل ما يملكه. إذاً للمقاومة ضريبةٌ ندفعها عن طيب خاطر، ولا نتضايق إذا ما دفعناها يوماً بعد يوم، فهو قدرنا بشكلٍ أو بآخر، قدرنا الذي اخترناه بكل محبة وإصرار: فالمقاومةُ أصلاً فعلُ حب. 

يعتقد كثيرون بأننا حينما نختار المقاومة فإننا نفعل ذلك لأن أجدادنا فطرونا على ذلك، وبأننا لا نفكّر في الأمر، بل نختاره ونمضي، وبأننا مغررٌ بنا، وبأنهم واعون. وتستفيض الدراسات والمقالات والأبحاث حول كيفية إبعادنا عن إيماننا الغيبي، ومعتقداتنا، وطرقنا ووسائلنا. أما نحن، فلا نرى من الطريق إلا ما نحتاجه منه. نفهم أن طريقنا شاق، وطويل، ومتعبٌ إلى آخر حد، ونسلكه، رغم الشوك الذي فيه، رغم الألم الذي يعترينا، والتعب، وحتى شعورنا بالظمأ والظلم والحزن. لكننا نعرف وبشكلٍ مطلق أننا لا نريد سوى هذا الطريق. صحيحٌ أن أجدادنا كانوا مثلنا: مقاومين، وصحيحٌ أنهم فطرونا على ذلك، لكن من قال إن الفطرة لا تكون صحيحةً في أغلب الأوقات؟ فالفطرة الصواب هي أفضل الأمور. نحن نفتخر بشهدائنا العظماء، نفتخر بما قدّموا، فنقول فلانٌ ابن شهيد، ونفرح لشهادة أحبائنا، ونودّعهم بكل فخر وفرح، هي صفاتنا. لكن البعضَ، أولئك البعض، يعتقدون تماماً بأنهم يفهمون كيف نفكّر، وكيف نرى الأمور، وكيف نراقب الأشياء.

 لم يرتدِ هؤلاء ثيابناً يوماً، لم يأكلوا من طعامنا نفسه، لم يشاهدوا كيف نرى الأشياء بعيوننا وقلوبنا معاً. فهؤلاء يطبقون دراساتٍ وأبحاثاً وبرامج يريد الغرب أن تنفذ في بلادنا. هو يريد بلادنا "نادياً" أو حفلاً فخماً، نرقص فيه ونأكل ونشرب، دون تعويل على شيء، مجرد أدواتٍ استهلاكية يستعملها وقتما يشاء، ويرميها وقتما يشاء. لكننا نحن نسأل دائماً: ما قيمة إنسانٍ دون أرضه؟ ما قيمة قلب بلا مشاعرٍ ينبض بها؟ ما قيمة عقلٍ بلا أفكار مفيدة؟ ما قيمة كل ذلك إن لم تكن تشعر بأنك "مصان"؟

 قبل سنين قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "ما قيمة حياتك كلّها إذا ما عرفت بأنك لا تستطيع أن تنظر في عيني حبيبتك التي لا تستطيع أن تحميها؟". فإذا كنا لا نستطيع حماية أحبتنا، وأرضنا وعرضنا وشرفنا فما هي فعلياً قيمة وجودنا؟ وما هي فعلياً أسباب وجودنا؟ نحن موجودون هنا، اليوم، وغداً سيكون أطفالنا، وبعد غد سيكون أحفادنا. هذه الأرض أرضنا وستبقى كذلك حتى آخر الزمان، وإذا ما احتاج الأمر سنظل ندفع الدماء والأرواح ونظل نقاوم، وللتذكير والتأكيد أكثر: "والله لن تمحو ذكرنا".
19-آذار-2015

تعليقات الزوار

استبيان