المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

حمزة الحاج حسن... العام الأول على الرحيل

إيمان بشير

حين تكتب عن شاب ينبض بالحياة، ولا تفارق البسمة ثغره، لا بدّ للكلمات أن تكون خجولة، تتدلى منحنية عاجزة عن التعبير. ومثل حمزة، لا يرى بصيص النور إلا من شِقاق ساعديه السمراوين، ومثله لا يعي معنى الانكسار والاستسلام، لا يطرق السقوط بابه، ولا يدنو الخوف منه. وأنت يا حمزة، قليل الحزن كثير البسمة والعطاء، تعطي خيراً بما فيك من خير. أنت، كثير الجهد قليل الغرور، صحافي كادح وسط هذه الغابة الهيجاء، كثير الأمل أنت بالشهادة، أنت الشهيد حمزة..

شقّ حمزة الطريق وحده نحو الحلم، وأنجز ما لم يقدر عليه من هو أكبر سناً، وأحسن ظرفاً منه، على عكس ظروف حمزة القاسية، التي رافقته سنوات طِوالاً، لم تكن له معيلاً ولا عوناً، فأضفى على الجهد جهداً، والعناء شقاءً. لقد نشأ حمزة في عائلة بقاعية فقيرة، ابن استاذ المدرسة، الذي أعطى درساً لا يُنسى هذه المرة بدلاً عن والده. لكنها لحظة واحدة، لحظة واحدة يا حمزة، كانت كفيلة بأن تمحو قهر هذه الليالي القاسية، التي قضيتها بين المهنة والدراسة والعائلة. فحمزة الأكبر بين اخوته الخمسة، أتى مرض الوالدة ليزيد المرحلة صعوبة. ومن يدري لعل المرض كان سبباً في قضائه وقتاً أقرب وأحن مع والدته في الآونة الأخيرة، فلم يتركها في محنتها، رغم صعوبة التنقل بين بيروت -مكان الدراسة والعمل- وشعث البقاعية، مسقط رأسه، مستخدما وسائل نقل عامة.



ترعرع حمزة في مؤسسة قدرها التضحية، وفي مهنة يعي موظفوها جيداً الى أين هم ذاهبون، ويدركون أن طريق الحقيقة مكلف، ومكلف جداً. حدثهم يا حمزة عن المصاعب التي تجاوزتها وحيداً في المهنة "دون منّة من أحد"، حدثهم عن الحزن الذي استطعت ليّ مستحيله فتحول فرحاً، واستعضت عنه ببسمة ما فارقت شفتيك، حدثهم عن ضحكة الفتوّة التي تُشبه صِباك وأنت في ذروته.

في لحظة يا حمزة تحولت أحلام الطفولة كوابيس، واستحالت الحرية رماداً، لحظة واحدة كانت كفيلة بأن تذيب هذه الشمعة دُفعة واحدة، وتبدد الدخان، مشعلة النور أمام الطريق الذي "نظرنا الدماء" فيه وتابعنا. هي لحظة يا حمزة لا تطوى كالصفحات العابرة.

يحدثنا صديق حمزة الأقرب، محمد محسن، عن ساعات قليلة سبقت الشهادة، قضاها وحمزة كعادتهما سويًا، حرص محمد فيها على الابتعاد عن أي عمل قد يزعج حمزة. قرر، وفي حرص زائد عن العادة، عدم الدخول في السيناريو المعتاد حول قيادة السيارة التي يتداورانها، فتركها لحمزة ولآخر مرة. حمزة كما محمد، لم يقع ضحية "حب الكاميرا" والتقاط الصور الشخصية أينما ذهب، فقد ملّا وجودها بقربهما ليلاً نهاراً، بحكم مهنتهما. إلا أنه في اليوم ما قبل الأخير من الشهادة، التقط محمد لحمزة صوراً عشوائية وكثيرة -على غير عادته- في كل خطوة يخطوها، علّ هذه الكاميرا تحتفظ في ذاكرتها بلحظات سيشتاقها محمد لاحقاً. لم يعِ بدايةً السبب الذي جعله يبالغ في التقاط الصور، ربما لأنها ستكون الأخيرة. لكنه اليوم يدرك جيداً أن هذه الصور هي آخر ما بقي له من صديق روحه.




محمد لم يكترث يومها لكلام حمزة عن الشهادة، فهي احتمال حاضر دائماً، ترافق كل من التحق بمهنة المصاعب هذه. لكن وقع العبارات حينها كان أقسى، حدثّه فيها حمزة عن احساس يراوده بأن "الوقت قد اقترب" وأن الشهادة باتت قاب قوسين أو أدنى. لم يعِ أن صدى هذه الكلمات سيرافقه بعد ساعات قليلة وقريبة جداً.

أما عن زملاء حمزة، فهم على قناعة بأن الله يختار من هو أجدر للشهادة، وهذا الشرف قد ناله حمزة، الأصغر سنّاً بينهم. لسان حالهم يقول: الشهداء بالنسبة لنا هم الماضي القريب والحاضر الأقرب، والحديث عنهم، وإحياء ذكراهم ليس مستحباً فحسب، بل واجب وطني وأخلاقي ومهني. في ذكرى شهادة حمزة، ليس لنا سوى تجديد العهد. لسنا هنا كي نبكيك. اعذرني يا حمزة فلست أجيد "تجارة" الدم التي يتمرس بها كثيرون، وما أرجع الحزن عزيزاً يوماً. لقد تركت لنا يا حمزة الراية وسط الطريق، ووحده الرضا الإلهي يوصل أياً منا الى هذه المرتبة. لقد تركت لنا "الدماء كي ننظرها ونتابع الطريق"، وها نحن هنا في الذكرى السنوية الأولى لشهادتك، نعاهدك على أننا على خطى هذه الدماء التي سالت في رحيلٍ مباغتٍ كطعنةٍ مفاجئة.
13-نيسان-2015

تعليقات الزوار

استبيان