والعنوان ههنا ليس لكاتب المقال، إنما لوزير الحرب الصهيوني الأسبق موشيه أرينز الذي عنونه لمقاله في صحيفة "هآرتس" العبرية (في 21-4-2015). يتناول المقال –بالتأكيد- تحول الجمهورية الإسلامية إلى دولة نووية، وهو الأمر الذي لم تتوقف الصحف العبرية عن تناوله وبشكلٍ يومي دسم؛ خصوصاً بعد فوز الليكود ونتنياهو بالاتنخابات، مستعملاً هذا الموضوع "تحديداً" كرافعة أمام الجمهور الصهيوني "المرتعب" –فعلياً- من العلاقات الإيرانية الأميركية/الأوروبية، وفي نفس الوقت المنتظر لردة فعلٍ "صهيونية" عسكرية مشابهة لما حدث لمفاعل تموز النووي العراقي الشهير.
لكن ما يشير إليه المقال، كما الوزير، ليس مجرد أن "إيران أصبحت نووية، فلنرتعب"، بل إنه ينحو صوب ما هو أبعد من ذلك بكثير، إنه يشير إلى أن "حزب الله" هو نقطة الثقل الأساسية في كل الحسابات القادمة، فـ: "يوجد 100 الف صاروخ ومقذوفة صاروخية يحوزها حزب الله في لبنان، كلها موجهة لإسرائيل، والاف الصواريخ التي لدى حماس في غزة. كل هذه تضع السكان المدنيين في إسرائيل في خطر. ولكن أيهما هو الخطر الاكبر؟". يعرف أرينز حزب الله جيداً، لذلك فإنه يفهم تماماً أن الخطر الأكبر على الدول العبرية ليس إيران بحسب كلامه، فهي في النهاية وإن امتلكت سلاحاً نووياً لن تكون قادرةً على استعماله، "سيكون للسلاح النووي لدى الإيرانيين آثار جغرافية سلبية هامة للغاية على الشرق الاوسط ولكن احتمال أن يستخدم هذا السلاح هو احتمال طفيف".
على الجانب الآخر حزب الله لا يخشى شيئاً، ويمتلك أسلحة "تقليدية" يستطيع استخدامها وقتما يشاء ليضرب بها العمق الصهيوني دون أن يفسح مجالاً أمام أحدٍ للوقوف ضده. وبحسب كلام أرينز نفسه فإنَّ: " احتمال أن يطلق حزب الله مخزون الصواريخ والمقذوفات الصاروخية لديه نحو إسرائيل، بالمقابل، فهو احتمال ذو مغزى"، فحزب الله قادرٌ على القيام بذلك وبسرعةٍ وحرفةٍ كبيرة، أضف إلى ذلك أنَّ الكيان العبري غير قادرٍ على "الردع" فـ"النظريات التي تعتقد أن إسرائيل قادرة على ان تردع مثل هذه الخطوة لا تقف على أرض صلبة جداً". إذاً باختصار ليست المشكلة في إيران النووية أبداً، بل في "حزب الله" القوي للغاية –بحسب أرينز-. يدعو أرينز قادة العدو الصهيوني إلى النتبه إلى الخطر "الكبير" الذي يمثله ذلك الوجود المتمثّل في حزب الله، ويشير إلى أن الساسة الحاليين في الدولة العبرية لا يعيرون هذا الخطر أهمية، فهم لا يهتمون إلا بالأمور الكبيرة حسب اعتقادهم، تاركين تهديد الصواريخ مشرعاً، فرد الفعل على تهديد الدولة العبرية بصواريخ حزب الله "كان محدوداً".
يؤكد السياسي المخضرم ههنا أنَّ قدرة حزب الله الصاروخية قد "تضاعفت" مراتٍ عدة خلال الفترات الزمنية الماضية، كما أن خبراته قد تصاعدت بشكلٍ مرتفع، فـ" قدرة المنظمة على الحاق ضرر جسيم بالسكان وبالبنى التحتية المدنية والعسكرية لإسرائيل ازدادت". يضيف إلى ذلك أن "الجيش العبري" لم يقم بما يتوجب عليه في حماية السكان المدنيين للكيان، خصوصاً مع ازدياد التهديدات عليهم، مذكراً بمرحلة احتلال الجنوب من خلال عملية "سلامة الجليل" المعروفة، والتي أدت إلى حماية أصبع الجليل بأكمله من خلال اقامة حزام "أمان" (احتلال الجنوب واقامة جيش لحد) متناسياً تماماً أنها كانت تجربة فاشلة ومكلفة للغاية (من جميع النواحي مادياً، ومعنوياً، وبشريا) للعدو الصهيوني، لربما في محاولةٍ منه في إعادة أمجادٍ لفكرة باتت "ماضياً" بحتاً بالنسبة للساسة كما للعسكريين الصهاينة. يوغل أرينز في مقاله مؤكداً أن "زاد حزب الله بالتوازي مدى الصواريخ التي لديه لدرجة انه اتسع التهديد بالتدريج ليشمل إسرائيل باسرها"؛ من هنا فإنه يستشف –لا بل ويطلب- أن يكون هناك تأكيد من القوات العسكرية الصهيونية على قدرتها على تعطيل قوة حزب الله الصاروخية في غضون 24-48 ساعة في أقصى الأحوال كضمانة وتأمين لسكان الكيان.
من يقرأ المقال ويحلله يعرف تماماً "الأحلام" التي يعيشها المجتمع العبري وساسته في التعامل مع حزب الله خصوصاً، فـ"تعطيل" القدرات الصاروخية للحزب في خلال وقتٍ قصيرٍ كهذا (يوم أو يومين)، وهو الأمر الذي لم ينجح "تطبيقياً" خلال عدوان العام 2006 (حيث لم ينجح العدوان في منع الصواريخ طيلة 33 يوماً)، كيف ينجح اليوم؟ أضف إلى ذلك أن نشر مقال لشخصٍ بهذا التاريخ والأهمية في صحيفةٍ هي من الأهم عبرياً لا يدل إلا على "مزيدٍ" من تخبطٍ في الكيان العبري في استيعاب أن الجيش الصهيوني لم يعد جيشاً لا يقهر، وأن القادم بالنسبة للكيان العبري لا ينبئ أبداً بالخير.