المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

لا سلام، لا بقاء: أزمة الصهاينة


عبد الرحمن جاسم

يخاف الصهيوني فعلياً من كل شيء. هو يدرك تماماً أنه ليس على "أرضه" وبين "جمهوره". فنقاش فكرة ملحة وضرورية "كالوجود" يستلزم جهداً كبيراً في مجتمعٍ خائفٍ إلى هذا الحد. تحظى فكرة "الثنائية" و"العدو" الفلسطيني بأكثر النقاشات. وقد أتى مقال نداف شرغاي في صحيفة اسرائيل اليوم (15-5-2015) متحدثاً وبشكلٍ مطول عن التداخل بين المجتمعين العبري والعربي، وإن بشكلٍ لا يضمن "بقاء دولة إسرائيل كثيراً". يذكّر المقال منذ بداياته بعملية استشهادية في العام 2002 حينما دخل الاستشهادي محمد الغول (من كتائب القسّام) وفجّر نفسه في الباص رقم 32 في القدس ما تسبب بمقتل 18 صهيونياً وعربي واحد هو أيمن كبها. يشير المقال إلى أن زملاء كبها العرب رفضوا وبشكلٍ "قاطع" تخوين الاستشهادي وتحويله إلى "قاتل" و"إرهابي" مهما كلفهم الأمر. ويشرح الكاتب كيف أن هذه الفكرة كانت مفاجئة ومؤلمة في آنٍ معاً؛ فهؤلاء الرافضون لفكرة "أنه إرهابي هم مواطنون يحملون الجنسية الإسرائيلية". لكنه يعود ويدخل أعمق ليفهم لماذا لا يرى هؤلاء الشباب في "الاستشهادي" مجرماً ارهابياً. تأتي "وحشية" الشرطة والجيش الصهيونيين مع المواطنين العرب (حتى الذين يحملون الجنسية الصهيونية منهم) كبيرةً للغاية، إذ إن مشروع "أنا الآخر" الذي عملت عليه جمعيات "خيرية" عاملة في الوسطين العربي والصهيوني لم يستطع تحقيق النجاح المطلوب منه في ظل تلك التصرفات "العنصرية"، فضلاً عن أن تلك العنصرية لن تخلق إلا مزيداً من "الغضب والسخط" وبالتالي عملياتٍ "تفجيرية" من ذات النوع.

أما مقالة جدعون ليفي "ليتذكر شعب إسرائيل" (هآرتس 14-5-2015) فتتناول أمراً أشد إلحاحاً وإن كان في نفس الإطار. إنها ذكرى النكبة، فيطرح ليفي السؤال الأبرز: لماذا لا تستطيع "الدولة العبرية أن تحني رأسها للتضامن مع خمس سكانها من خلال تحمل مسؤولية كارثتها"؟ يعترف الكاتب – ولربما للمرة الأولى بهذه العلنية والمباشرة - بمسؤولية الصهاينة عما حدث للفلسطينين خلال نكبتهم. يتناول ليفي القضية من جوانب تجعله يبدو متعاطفاً للغاية مع الفلسطينيين من خلال استعمال تعابير مثل "غداً يوم كارثة الشعب الفلسطيني، وشهدائه، وبلاده المفقودة". ويشير إلى أنَّ هذا اليوم يجب أن يتحول إلى "يومٍ رسمي" شأنه شأن "عيد الميمونة" (عيد عند اليهود المغاربة) أو "السهرانة" (عيد عند اليهود الأكراد)؛ مؤكداً أنه ليس بالضرورة أن يكون خائناً من يطالب بأن يحدث هذا.

هنا يختبئ السم في الدسم. يكاد يشعر المرء بأنَّ ليفي يريد للحظة ما التأكيد أن هناك "أصواتاً" داخل الكيان الغاصب ترغب بأن تعطي الشعب الفلسطيني حقه، مع العلم أن الرد عليه يكمن في مقاله في حد ذاته: هو بدايةً يتعامل مع الفلسطينيين على أنّهم "أقلية" رغم أن "أصحاب الأرض" لا يمكن أن يكونوا أقلية من أي نوع (خصوصاً إذا ما تم إعادة الفلسطينيين الذين هجّرتهم دولته)، ثانياً هو يتحدث في "إطار" الشفقة وتحويل الأمر إلى "فولكلور" شعبي أكثر من كونه "حقاً" لشعبٍ بأكمله بأرضه وبلاده. إنه يتعامل مع الأمر أن على الفلسطيني القبول بالأمر الواقع لا أكثر ولا أقل.

 إذاً، إلى هذا الحد وصل الخوف بالصهاينة، فمقالاتٌ من هذا النوع تجعلنا نتنبه إلى أن محاولات "استيعاب الفلسطيني ودمجه ضمن المجتمع العبري" باءت وتبوء بالفشل يوماً بعد يوم. تشير صحيفة يديعوت أحرنوت في عددها الصادر في 15-5 إلى أن جهاز الأمن العام الصهيوني (الشاباك) قام باحباط عملية طعن في وسط حي سلوان قام بها شبان ثبت أنهم يشكلون "خليةً شعبية" لمقاومة الصهاينة، وأن غالبية هؤلاء هم ممن "لا ينتمون لأي تنظيم سياسي"، وهو الأمر نفسه الذي أوردته "هآرتس" في نفس اليوم، مشيرةً إلى أنَّ منتصف العام الفائت قد شهد (في نفس المنطقة الجغرافية) أكثر من 12 عملية هجومية على العدو الصهيوني قام بها أناسٌ "مدنيون" لا ينتمون لأي جهة مسلحة، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن "المقاومة الشعبية" هي الظاهر والباطن للحدث ذاته.

في الإطار عينه، تناولت صحيفة معاريف (في ذات اليوم كذلك) خبر إصابة أربعة مستوطنين صهاينة بجروح جراء عملية "دهس" قام بها سائق فلسطيني من سكان الخليل في منطقة غوش عتسيون لأربعة صهاينة. تخرج هذه الحوادث عن كونها مجرد أحداثٍ "عشوائية". يعرف الصهاينة ذلك تماماً، ويدركونه بدقة، ويخافونه أكثر، فهم يعرفون بأن هذه الأرض لا تشبههم، ولن تكون لهم، فلطالما بقي الفلسطينيون مطالبين فإنهم لن يهنأوا البتة!


19-أيار-2015

تعليقات الزوار

استبيان