المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

ريشةٌ مقاومة تُستشهد بصمت: رماح الحسني



هاني ابراهيم


لم تستفق العيون والعقول بعدُ من غمرة الموقف وشدته، لأن الاسم هذه المرة ثقيل على القلوب وعزيز على الخاطر؛ إنه رماح الحسني. منذ تلك اللحظة، أيلول 2011، حتى اليوم قد لا يُصدق أن البطل ترجل، فلا تزال فرسه التي رسمها بريشة "الفنان والكاريكاتور الصاعد"، رابضة خلف تلال القدس، تنتظر خيّالاً جديداً يطير بها إلى سوح الوغى ميمماً مقبلاً.
حاله كانت تماماً كدعاء السيد عباس، فقد كان يردده كل مساء على مسمع من أصدقائه... "اللهم ارزقني شهادة مطهرة أنا اخترتها بنفسي كفارة عن ذنبي، شهادة قلّ نظيرها يتفتت فيها جسدي وتنال كل جارحة من جوارحي ما تستحقه من القصاص والعقوبة، وبعدها يا رب يصبح حتماً أن تسكنني بجوارك وجوار أوليائك".


في ليلة العاشر من شوال، وفيما لم يكمل مولوده البكر العشرين يوماً، نال رماح ما تمناه: شهادة عزيزة في وسط قطاع غزة، بعدما استهدفت صواريخ العدو الإسرائيلي سيارته، وحولتها إلى أشلاء، فيما عثر على بقايا جسده الذي صار بلا ملامح، على بعد مئات الأمتار، وتحديدا على ساحل مدينة دير البلح، بعد يوم وليلة من البحث المتواصل.

كانت عينا رماح قد رأتا النور في الجزائر، في السادس عشر من آذار 1985. وبعد أعوام عاد مع عائلته إلى غزة، وبالتحديد مخيم الشاطئ، غرب المدينة، حيث بدأ مشواره الجهادي منذ بداية انتفاضة الأقصى الثانية.
وعُرف الطالب في جامعة الأقصى (تخصص التربية الفنية) على أنه الفنان الرسام، الذي فاجأ كثيرين ممن عملوا معه في المؤسسات المحلية والدولية، بأنه "الجندي المجهول" صاحب اللمسات الخاصة في العمل العسكري الخاص، والوحدة الصاروخية. فقد علموا أن اليدين اللتين كان يرسم بهما اللوحات الزيتية والتشكيلية، ورسوم الكاريكاتير، هما نفسهما اللتان كان يعمل بهما بصمت، في صفوف المقاومة الفلسطينية.
وقد ورث رماح مهارة من والده الفنان فايز الحسني، الذي كان من أشهر من يرسم جداريات وصور الشهداء المنتشرة في شوارع القطاع. أيضا ساهم الشهيد رماح في رسوم متنوعة منها ما كان يتعلق بالعمل الصحي. كما شارك في إنتاج أفلام كارتون تتحدث عن القضايا الوطنية. وقبل استشهاده بمدة، نسق للمشاركة في المعرض الإيراني الأول للفن التشكيلي في دعم المقاومة الفلسطينية، عبر "الفيديو كونفرنس".
على الصعيد المقاوم، كان رماح مسؤولاً عن تخريج الدورات العسكرية وتدريب الجيل الصاعد في المقاومة. والأهم أنه كان من أوائل من عملوا على إطلاق صواريخ "الغراد" حينما دخلت إلى غزة عام 2007، فضلاً على عن تفجير عبوات ناسفة بجيبات (إسرائيلية) على حدود القطاع مع الأراضي المحتلة.


منذ اغتيال الشهيد، لم يعترف العدو بجريمته، إذ كانت المقاومة في قطاع غزة في حالة تهدئة، ما أدى إلى إثارة الكثير من الجدل عن طريقة تنفيذ الاغتيال، وخاصة مع نفي جيش العدو تنفيذ الاغتيال تلك الليلة. لكن كل التحقيقات الأمنية التي أجرتها الجهات الرسمية في غزة، والمقاومة، فندت ادعاءات العدو، وقدرت أن تهربه من الاعتراف بالجريمة كان حفاظاً على التهدئة.
في ذلك اليوم، قالت "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي"، إن "الشهيد رماح الحسني كان في زيارة لأحد أصدقائه في المحافظة الوسطى، وخرج بعد ذلك في زيارة عائلة أخرى لأقربائه في خان يونس، ولم يكن داخل السيارة التي كان يستقلها أي نوع من السلاح أو المتفجرات بناء على طبيعة الزيارة، ما ينفي أن يكون الانفجار داخلياً".
وأضافت "السرايا": "في تمام الساعة 7:30 مساءً (7 أيلول 2011)، استهدف العدو السيارة بصاروخ واحد أدى إلى ذوبانها تماماً"، مشيرة إلى أن وحدات الرصد الميداني التابعة لها لاحظت تحليق طائرات العدو في أجواء محافظات القطاع كافة، وعلى طول ساحل البحر.
وكان لافتاً أن عدداً من الصحف والمواقع العبرية تحدث عن عملية اغتيال نفذها "سلاح الجو"، قبل أن ينفي المتحدث باسم جيش العدو (أفيخاي ادرعي) بعد ساعتين، مسؤولية جيشه، وقال كلاماً قابلاً للتأويل: "الجيش لم يكن له أي نشاط عسكري في غزة".
ووفق ما يصدر من إعلانات عن الجيش الإسرائيلي، فإن بعض عمليات الاغتيال قد لا ينفذه الجيش مباشرة وإنما بالتعاون مع أجهزة أمنية أخرى، كجهاز "الشاباك" (الشين بيت)، وهو ما جرى مثلاً في عملية اغتيال المجاهد خالد شعلان، شمال القطاع، إذ أعلن "الشاباك" المسؤولية مباشرة عن الاغتيال بمساعدة ثلاث فرق من العملاء دون أن تشير مصادر الجيش إلى مسؤولية الجيش عن ذلك.
وفي رواية شهود العيان، الذين كانوا في مكان الحدث، فإنهم أكدوا مشاهدتهم صاروخاً أطلق من البحر غرب مدينة دير البلح واستهدف السيارة، ما أحدث انفجاراً قوياً هز أرجاء المحافظة الوسطى.



صحيح أن المقاومة لم ترد في ذلك اليوم على الاغتيال مباشرة بسبب تشابك الأحداث، ولكنها سارعت في أول جولة تصعيد لاحقة إلى إطلاق عدد من الصواريخ على المستوطنات، مشيرةً إلى أن إحدى حملاتها الصاروخية تأتي ضمن الرد على اغتيال الشهيد رماح الحسني.
إذن، فقد رحل رماح بصمت، ولكن لوحاته التي رسمها لا تزال تحكي الكثير من الرسالة التي أفنى زهرة شبابه من أجلها، ولم يبخل بتقديم دمه على طريق ذات الشوكة، وكان مصداقاً لقول من قال: "لا تصدقوني حتى تروا دمي".

21-أيار-2015

تعليقات الزوار

استبيان