المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

"الحاج حاتم"... صورة مشرقة من صور الانتصار

رباب مرتضى


وترتفع صيحات التكبير مع وقع أقدام الأهالي والمقاومين على تخوم مدن وقرى الجنوب، وبشارات النصر تلوح من بعيد، فمن الغندورية والقنيطرة وطلوسة وعدشيت والقصير تخفق الراية الصفراء عالية في الآفاق، وترتجُّ الأرض تحت أقدام جلَّادي ذلك المعتقل الذي لطالما أذاق من يساق إليه آلام الروح قبل الجسد...
"الحاج حاتم" واحد من هؤلاء، يسمع أزيز الرصاص من خلف الجدران الاسمنتية، والأبواب المرصودة والزنازين المعتمة، يتقرَّى الخبر، مستشعرًا دفء الحرية...
ويأتي الثالث والعشرون من أيار، وتمتمات السجّانين وهمساتهم تنبئ عن أمر دُبِّر في ليل، عن فجرٍ آت بالبشرى القادمة من وعد بالنصر مؤزر...

وتتحطم قيود المحتل عند أقدام المجاهدين وإصرار الأهالي وعطش الأسرى للحرية، ويبزغ فجر جديد عند مشهد أفول ليل الظلام عن معتقل الخيام، حيث يجرُّ العدو وعملاؤه خيبتهم خارجين من باحات المعتقل على عجالة من أمرهم، ليعود "حاتم" صادحاً مع نور بيارق الرايات، رافعًا صوته بصرخة مدوِّية لا يجهدك ترداد سماعها في سماء بنت جبيل: هذا وعد الله...

وعدٌ رآه "الشهيد راني عدنان بزي" (الحاج حاتم) ماثلًا أمام ناظريه مذ رأى "أبا طالب" يخرجه مع رفاقه من بيت الله قبل أيام(*)، وعدٌ انتظره ليرى تحقُّقه على أيدي المجاهدين...


ومن بين جموع المحتفلين بالنصر يعتلي "المهندس الشهيد" المنبر على أكتاف المحتشدين عند مركز العملاء في بنت جبيل، ليعطي دروسًا في الحميَّة والإباء، بكلمات لما تزل تفرش طريق العزة والكرامة ألوانًا من الدم القاني على مذبح الحرية والمجد والشرف والفداء...
"كلمة تقال إلى جميع الشرفاء في هذا الوطن، كما لا يمكن لإنسان شريف أن يعيش مع زوجة خائنة لن نقبل أن نعيش مع العملاء... إسرائيل ديناصور، نعم؛ ولكن العملاء هم عيونها ويجب أن تفقأ هذه العيون...
إذا أعطاكم أحد أمانة فاحفظوها في البيت فكيف إذا كانت هذه الأمانة هي دماء الشهداء؟.. كيف سنحافظ عليها على مدى الأجيال؟.. فكروا بهذا، فكروا بأجيالكم، فكروا بأطفالكم...
كلمة أخيرة، بدأ الحلم الإسرائيلي بالاندحار، إلى القدس إن شاء الله، إلى القدس إن شاء الله..."



قبسٌ من نور، لم يتركه كلامًا لمن حوله، بل جسَّده في انطلاقته الأولى تاركًا المال والجاه والمناصب في الكويت، حيث نشأ وترعرع، ممزقًا كل مباهج الدنيا تحت قدميه، حاملًا دماءه بين تلال وأودية الجنوب، متسلحًا بالشجاعة والإيمان، والصبر على البلاء... ثم في معتقل الخيام عندما ذاق معنى الألم والخوف والإذلال، وهو يقول "حسبنا الله ونعم الوكيل"، ليتقوى على جراحه وعذاباته التي لم تنته إلا يوم الفتح...
"علّني أتقرب بفيض دمائي من الإمام الحسين "ع" "، "لعلَّ الزهراء ترضى عني"، عبارات تمثل أمام ذوي الشهيد وإخوته عند ذكر اسمه بينهم... وفي كلِّ يوم ألف عِبرة وعَبرة...
وبعد التحرير لم يهدأ دم راني، فالشهادة مبتغاه، واللقاء مع معبوده غايته، وهو يتشوَّق للحظة العناق الطويلة مع تراب أرضه الزاكية، ليرويها بنجيعه الطاهر، ويلتحق بركب الشهداء ممن سبقوه، بركب الاستشهاديين الذين لطالما شارك في تجهيز سياراتهم؛ ولكن كيف السبيل!... لعلَّ الله يحدث بعد عسرٍ يسرًا...

ومرت سنوات ست على اندحار المحتل عن أرض الجنوب، وراني يتلهَّف للفرصة، ينتظر يومًا يزف فيه شهيدًا معتمرًا العلم الأصفر...

وعاد... عاد إلى بنت جبيل الحبيبة ليرقد فيها هانئًا مطمئنًا راضيًا مرضيًّا، وسيل المودِّعين يقفل طريق العودة، فالكل اليوم راني، أهل يتقدَّمون المشيعين تغمرهم نشوة الفخر ممزوجة بحرقة اللوعة والفراق، أبناء وأشقاء نذروا أنفسهم للسير قدمًا على نهج ولائه ودروب عشقه، زملاء وتلامذة - في مهنية بنت جبيل – تشرئب أعناقهم عند ترجيع صوته يحثهم على الفداء، يعطيهم دروس الجهاد ممزوجة بالأخلاق قبل الهندسة الميكانيكية حتى رافقه ثلاثة عشر منهم إلى جنان الخلد...
لقد وفَّى راني النصيحة بنفسه منهجًا ثائرًا في درب البطولة... لم يترجَّل البطل عن فرسه إلا بعد أن أذاق العدو بأسه في عدوان تموز عام 2006، في مسارح البطولة المتنقلة بين عيتا الشعب وتلة مسعود وجبل الباط ومارون الراس ووادي الحجير...



* قبل خروجه من المعتقل بأيام شاهد راني في منامه أن أبا طالب رضوان الله عليه يحطم جزءاً من جدار الكعبة ويخرجه منها هو ورفاقه.

---------------------------------

الشهيد المهندس راني عدنان بزي ولد عام 1967 في بنت جبيل. كان متفوقا في الدراسة منذ الصغر. درس في جامعة تشرين في اللاذقية وتخصص في الهندسة الميكانيكية. كان يتسلل الى بنت جبيل في زمن الاحتلال ليساعد المقاومين قدر ما يستطيع. وخضع لدورات عسكرية وبدأ عمله الفعلي مع حزب الله عام 1992 .

اقتيد راني الى معتقل الخيام للتحقيق معه بشبهة تعاطيه مع المقاومين، لكن افرج عنه بعد اشهر دون ان يحصلوا منه على معلومات مفيدة. وغادر الى الكويت حيث أهله لكنه لم يتأخر في العودة الى لبنان حيث تزوج عام 1997 ورزق بولد اسماه امير.
اعتقله العدو مجددا عام 1999 لكنه تحرر مع رفاقه في أيام التحرير عام 2000، ورزق في هذه الفترة بولد آخر سماه شهيد.
تصدى في حرب تموز مع المجاهدين للعدو حيث استشهدت مجموعته بالكامل في الحرب. استشهد قبل يومين من نهاية الحرب عندما كان يشارك في مواجهة انزال اسرائيلي في 12-8-2006.



23-أيار-2015

تعليقات الزوار

استبيان