المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

أبو ذر... شيخ المقاومين

رباب مرتضى



وأيُّ أرض بل أي بقعة لا تعرفه؟ 
عند مدخل رشاف زفَّته الملائكة إلى جوار الصديقين والشهداء، حين دخلها فاتحًا على أكفِّ رفاق الدرب والسلاح، بعد أن اطمأنت روحه أن عادت الأرض إلى قداستها وقد اقتلعت الاحتلال من أكنافها...
وقف على مدخل الطهر منحنيًا يقبل ترابها الطيب وهي تغتسل من رجس الاحتلال وعملائه، فاشتعلت نار الشوق بين ضلوعه. أتراه يمضي العمرُ دون أن أنال شرف الشهادة؟ أو هل يرحل المحتل ويقفَل باب الخلود؟  أيعقل ألا أوفَّق لأمنيتي التي لطالما صبت نفسي إليها؟ 

ويسبل عينيه متلقيًا الأرض بذراعيه، وكيف لا وقد أرشده الشهيد صلاح غندور إلى المكان الذي سيلقاه فيه قبل أسبوع من التحرير وأخبره بأنه موافيه عن قريب وأن عجِّل فقد طال اشتقياقنا إليك!؟
ويُحمل على أكف الأهل والرفاق، وفي كل واحد صورة محفورة في الوجدان تعود بهم إلى ما مضى من سني عمره الاثنتين والأربعين...

إلى طفل لمـَّا يزل صدى صوته يرجّع في أرجاء مسجد القرية، تاليًا كتاب الله، مرتلاً آياته ...
 إلى ذلك الفتى اليافع في قريته يرى والده يقتل ويرمى في البئر على يد الصهاينة إبان الاحتلال الأول، يرى عائلته تنزح من وحشية آلة القصف الإسرائيلية تاركًا روحه وقلبه بين حطام منزله، يعيش مرارة شظف العيش...
إلى أيام قضاها طالبًا للعلوم الدينية في قم، ليعود بعمته البيضاء الناصعة كبياض قلبه حاملًا لواء المقاومة، ويذود عنها بالكلمة الطيبة، متكئًا على السلاح، مستأنسًا بالفلوات...
إلى "والد المجاهدين" كما أحبوا أن يسمُّوه، يحمل المؤونة إليهم مع همومهم وآهاتهم وأحزانهم، إلى كل شهيد ودَّعه بنفسه محملًا إياه أمله بالشهادة...
إلى البطل المقدام في اقتحام المواقع الصهيونية واللحديَّة، إلى الدبشة وبئر كلاب، إلى سجد ومليتا وعلي الطاهر وعرمتا، إلى كل شبرٍ عرف وقع أقدام أبي ذر وألِف صوت أنفاسه ونبضات قلبه...
إلى الزاهد العابد الذي آنسهم بصوته الشجي، وقرَّبهم بخشوعه المتحرِّق شوقًا وعشقًا للمعبود، وأبعدهم عن الدنيا ومفاسدها وأمانيها، فكل شيء زائل إلا وجه الله ...


عاد أبو ذر إلى رشاف في يوم الفتح المبين يجول بناظريه في أزقتها، يتلمس ضحكات الأطفال وزغردات النسوة، يسمع كلام الإخوة من حوله وهم يمازحونه: 
- راحت عليك يا شيخ! ... ما رح تستشهد
وتعلو من شفتيه ابتسامة مكلَّلة بالحزن والرجاء:
- إن ربي لن يخيب رجائي
صحيح يا أبا الجهاد، لن يخيب أملك الصادق...

ويتلفَّت يمينًا ويسارًا، يتقرَّى بين المحتشدين وجه "ملاك" ليأخذه إلى حيث وعده... وإذ بشظايا إحدى القذائف المدفعية من آخر ما خلَّفه الاحتلال من حقد تصيب جسده الطاهر وتترك فيه بالغ الأثر، فيسقط رافعًا شارة النصر وعيناه تحدقان في رحاب الفرح العارم بالنصر المؤزر...
إلى مستشفى مرجعيون كانت الوجهة، لبث هناك ثلاثة أيام يتابع خلالها سير التحرير غير آبه بالجراح، متنقِّلًا بين غرفة العمليات وغرفته الخاصة، يشدُّ على عضد زوجته مهنئًا ومباركًا خطاها:
- الله يعطيكِ العافية يا حاجة...
وفي آخر يوم من أيام التحرير حمل البشرى لمن حوله:
- لا داعيَ للجراحة، فها هو أمير المؤمنين يبشرني بالالتحاق بالركب الحيدري الحسيني.

ويسلم الروح إلى بارئها بنفسه المطمئة وروحه الطاهرة وابتسامته التي لا تزال محفورة في ذاكرة التاريخ، محدِّثة عن سرِّ "أبي ذر" الذي عاش الغربة عن موطنه، وعندما عاد... عاد مستشهدًا. 
مباركة هي شهادتك يا شيخ المقاومين المجاهدين في سبيله، وستبقى سوح الوغى أكثر من يعرف سرَّك وأصدق من يحدِّث عنك، فالسلام عليك يا من نلت شرف النصر والشهادة...

الاسم : أحمد حمد يحيى
اسم الأم : خديجة أبو عليوه
محل وتاريخ الولادة: رشاف 07/02/1958
الوضع العائلي: متزوج وله 4 أولاد
رقم السجل : 50
الاسم الجهادي: الشيخ أبو ذر
تاريخ الاستشهاد : 25/05/2000

25-أيار-2015

تعليقات الزوار

استبيان