المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الصهاينة يسألون: لماذا كنا هناك؟


عبد الرحمن جاسم



    تكمن الهزيمة عادةً في أنّها تبدأ من "الفكرة". والفكرة في حد ذاتها خطيرةٌ للغاية لأنها تفتح الأبواب مشرعةً أمام المفهوم بأكمله، والذي سرعان ما يبدأ بالتسرب ليتحول إلى حقيقةٍ واقعية لأمرٍ واقعي. كان لقاء رئيس وزراء العدو الأسبق إيهودا باراك في الجامعة العبرية، أكبر تعبيرٍ خلال الأسبوع السابق عن هذه الفكرة بكل تجلياتها ووضوحها. فباراك، والذي يعد "بطلاً" صهيوينياً بكل ما تحويه الكلمة من معنى للجمهور العبري، حيث إنه تقلد جميع المناصب المهمة هناك، فمن الوحدات القتالية المهمة إلى المناصب الاستخباراتية وصولاً حتى السياسية منها، هو صاحب القرار الشهير بالرحيل عن لبنان والذي حدث دون أي تنسيق مع ما كان يسمّى آنذاك "جيش لبنان الجنوبي" أو ما يعرف محلياً بجيش عملاء لحد في العام 2000. حاول باراك أن يقول كثيراً من أشياء خلال هذا اللقاء أبرزها أن "الرحيل لم يكن بتأثير ضربات المقاومة فحسب، بل إن السؤال كان في داخلهم آنذاك: ماذا كنا نفعل هناك؟". 

    "كانت المقاومة قويةً آنذاك؛ لكنها اليوم أقوى بمئة مرةٍ على الأٌقل، وما كانت تمتلكه في العام 2000 أصبحت تمتلك مئة مثله اليوم، لقد كنا هناك دون أن نفهم لماذا كنا هناك؛ كانوا يقولون إن الأمر سياسي، ودعوه للسياسيين، كان السياسيون مخطئين، لم يكن علينا أن نبقى هناك ونحن نتكبد كل تلك الخسائر". كان رئيس الوزراء الأسبق دقيقاً ومباشراً على غير عادته، لكنه يعلم بأن الجمهور العبري بات يعلم مدى قوة المقاومة وتأثيرها. ويقول باراك: "إن خصمنا جدّي، ولا مكان لنا للرضى في أيّ جبهة. محظور علينا أن نكون راضين وأن نأخذ كأمر بديهي تفوقنا، وكأنه منزّل من السماء. حتى الآن، لم نواجه حقاً مئة ألف صاروخ، بل إنّنا لم نبدأ حتى في مواجهة مسألة دقة إصابتها. وحينما تكون الصواريخ دقيقة، هذا ليس مجرد زيادة من الشيء نفسه. إنه أمر مختلف تماماً". لكن ما بدا من خلال هذا الحديث كان واضحاً أن الرجل "يخاف". إنه يخاف "دقة" هذه الصواريخ التي يمتلكها خصمٌ "جدي" يعرف كيف يستعملها جيداً. كان كلام الرجل صادماً إلى حدٍ كبير لجمهورٍ كان متعطشاً لشخص في مكانة باراك كي يخفف عنه عبء الخوف المتجدد بأنه في يومٍ ما سيأتي أولئك "الأعداء" ويرمون الصهاينة في البحر. لكن ماذا عن الأساليب الدفاعية الحديثة التي دأبت وسائل الإعلام الصهيونية على "التطبيل" لها جيئةً وذهاباً؟ حتى تلك "كسر" باراك "حلمها" أمام جمهور الجامعة العبرية: " تستحيل مجابهة هذا التحدي عن طريق نشر قوات في كل الأماكن، التي منها يحتمل أن تنطلق الصواريخ. ومنظومتا (القبة الحديدية) و(عصا الساحر) هما مشروعان باهظا التكلفة وبعيدا المدى. وليس هناك تقدير لقيمة ضمان الأمن، كما ليس هناك تقدير للهزة التي يمكن أن تحدث حينما يتبيَّن أنّنا لم نستعد ولم نفهم التحديات الملحّة، كما الحاجة إلى ترجمة التفكير الواضح إلى الخلاصات، ونجد أنفسنا نذهب إلى الملاجئ بغير ارتياح كما حدث خلال الجرف الصامد. وينبغي فعل هذه الأمور بسرعة حاليا، ومن دون انتظار". إذاً باختصار لا يرى الرجل إلا "خصماً" قوياً، وحاجةً ملحةً للتنبه لهذا الخطر دون اعطاء أي "طريقة" مجدية ومن أي نوعٍ لمجابهة هذا الخطر سوى بعض الجمل "الخلبية" من قبيل: "يجب أن نتكاتف" و"نبقى متحدين" و"الكيان قوي" وسواها من الجمل التي تبدو أشبه بذر الرماد في العيون، وهو أمرٌ لم يعتده الجمهور الصهيوني الذي اعتاد جيشه لا يقهر. لكن يبدو أن هذه الأيام قد ولت إلى غير رجعة أبداً.

    إذاً ماذا عن حلفاء الأمس (جماعة لحد وسواهم)؟ لا يذكرهم الرجل البتة، فالحديث هو عن حلفاءٍ "غير اعتياديين" يقول الرجل. حلفاءٍ يمكن الركون إليهم ولكن بنفس الوقت هم أشبه "بالحيوانات المفترسة"، لا يمكنك إدخالهم إلى بيتك، ولكن يمكنك أن "تسرّحهم كي ينهشوا أعداءك". إذاً هو بحثٌ عن  وحوشٍ "استثنائيين": ماذا عن القاعدة مثلاً متمثلةً بجبهة النصرة؟ لا يجيب الرجل مباشرةً عن السؤال، لكنه يحرّفه ليقول إن أي عدو لحزب الله هو مشروع حليفٍ طبيعي للدولة العبرية. والمعروف أن الدولة العبرية تنسق بشكلٍ يومي وفعّال مع جبهة النصرة على الحدود السورية الفلسطينية، فضلاً عن علاجها للعديد من جرحى ما يسمى بالجيش الحر وسواه من الميليشيات المسلحة التي تحارب النظام السوري. 

    باختصار كان كلام ايهودا باراك بدايةً لمرحلة جديدة في حياة الصهاينة؛ كان كلاماً مخيفاً للغاية لجمهور واسعٍ للغاية: لم نعد الأقوى شرق أوسطياً، لم نعد نسيطر على كل شيء، لم يعد جيشنا لا يقهر.
04-حزيران-2015

تعليقات الزوار

استبيان