المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

عن النكسة وما بعدها

عبد الرحمن جاسم


تحدّث كثيرون عن النكسة. استمتعوا كثيراً ويومياً منذ حصولها قبل أعوامٍ كثيرة بتعذيبنا بتقريعهم ولومهم وحتى "صخبهم" عن "خسارتنا" المذلة؛ كما لو أننا كنا –ودون أن نعلم- جزءاً أساسياً منها. استمتعوا "بجلدنا" يومياً تحت حجّة أن "العرب" فاشلون، وأنّهم "مهزومون" وأنّهم لن ينتصروا على عدوّهم أبداً، وأن العدو الصهيوني هو "جيشٌ لا يقهر" و"كيانٌ لا فكاك منه". كانت تلك الحجج اليومية خبز الصحف والمجلات وحتى البرامج التلفزيونية. كان كل ذلك على الرغم من خيلائه وقوته يفعل فعلاً عكسياً في نفوس شبانٍ شاهدوا ما حدث بأم العين، ومع هذا قرروا أن يسبحوا عكس التيار، وفوق هذا كله، أن يحلموا بتحقيق المستحيل: أن ينتصروا!

بعد أن حدثت النكسة العام 1967، بدأت  كل أبواق العالم المعادية لكل حر في العالم بالغناء بأعلى قوتها، لقد كسر الحلم. كان جمال عبد الناصر جزءاً من الحلم والمشروع المقاوم الممتد من الجزيرة الكوبية وصولاً حتى اليمن مروراً بالجزائر ومصر. كان ذلك الحلمَ المعادي للقطب الأميركي الصهيوني الاستعماري مروراً بكثيرٍ من دولٍ عربية مناصرةٍ للصهاينة ولو من تحت الغطاء (وأخرى كانت تتباهى بعلاقاتها العلنية بالصهاينة كالمغرب مثلاً مع ملكها الحسن الثاني). إذاً كان لابد من "ضجةٍ" هائلةٍ إذا ما كسر هذا الحلم. سيسأل كثيرون كيف حدث هذا؟ ولماذا؟ لكن السؤال الأهم لن يكون هو لماذا أو كيف. السؤال الأهم كان: "كيف نستيقظ؟". كانت اليقظة هذه المرة بعدها بأعوامٍ قليلة: في العام 1979 انتصرت الثورة الإسلامية في إيران. رفع الإمام روح الله الخميني الصوت عالياً مكملاً المشروع بأكمله. كانت المعركة وقتها بنظر كثيرين: خاسرة. نطق الإمام في أول خطابٍ بعد انتصار الثورة جملاً كان الجميع يعتقد أنها نسيت: طالب بالقدس، رسم الطريق لها، وأعاد الأمور إلى مكانها الطبيعي والمنطقي. أعاد "محوراً" بأكمله إلى المواجهة من جديد. لم يكن الصراع أبداً بين مسلمين وغير مسلمين، بين عرب وعجم، بين شيعة وسنة، كما يحاول كثيرون أن يصوروه، كان الصراع دوماً هو صراعٌ بين امبرياليين، محتلين، قتلة في مقابل مدافعين عن الأرض، مستضعفين، مقاومين، أحرار. ذلك كان قلب الصراع وروحه وجل ما فيه.

يوم حدثت النكسة قال كثيرون كلماتهم، حتى أنهم أرّخوها وقتياً على أنّها بداية زمان "الرجعة" إلى الخلف، والسقوط أمام انتصارات الصهاينة والمحتلين. لكن ما فاتهم أننا بقينا في أرضنا، وقاومنا، وانتصرنا.

 بعدها بسنين قليلة عاد المقاومون للمواجهة وبروحٍ أقوى؛ ففي العام 1982 بدأت العمليات الاستشهادية بمواجهة المحتل الصهيوني للعاصمة بيروت، وقامت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987، واستمر "الخير" كل يومٍ أكثر من ما قبله، حتى العام 2000 حينما رحل الصهاينة نهائياً عن لبنان. حصل كل ذلك وبشكلٍ واضح لأن هناك من نظر إلى ما حدث على أساس أنه ليس أكثر من تجربة "قاسية" مرت، فالتجارب القاسية التي لا تقتلك تجعلك أقوى وبالتالي تجعلك قادراً على القيام بما يظنه خصومك مستحيلاً. أن لا تقاوم فحسب بل أن "تنتصر" أيضاً. قالوا عنا يوماً إننا مغامرون، وإننا نقود بلادنا وأهلنا وشعبنا إلى الموت، وإلى الحزن، وإلى "الجحيم" حتى. لكننا لم نهن، بل أكملنا ذات الطريق غير آبهين بكل الكلام الكثير. قبل أعوامٍ خلت "خسرنا" معركة، لكننا لم نخسر الحرب. هناك كثيرون من "غنوا" أننا خسرنا الحرب وأنهم كانوا معنا، وأنهم كانوا ينتظرون أن نفوز، هؤلاء "خسروا" وحدهم، خسروا لأنهم لم يعرفوا أن "الحرب سجال" وأن النصر "صبر ساعة"، أما نحنُ فكنا ننظر بعيداً صوب هدفنا، كنا موقنين بأن الطريق واضحٌ مرسوم، متأكدين من صدقية قادتنا، من صدق دمائهم التي رسمت الطريق وعلّمته، كنا "تكملةً" لكل المقاومين قبلنا، ورسمنا الطريق لمن سيأتي بعدنا.
06-حزيران-2015

تعليقات الزوار

استبيان