المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

عن أنسنة القتلة

عبد الرحمن جاسم


وفجأة في لحظةٍ ما "ظهر" أفيخاي أدرعي على مواقع التواصل الاجتماعي. الناطق الرسمي باسم جيش "القتلة" الصهيوني أصبحت له "صفحةٌ" رسمية على مواقع التواصل. لم تكن تلك المشكلة البتة بل إن المشكلة الحقيقية أن عدد المشاركين (المليّكين) "العرب" للصفحة يبلغ ما مقداره نصف عدد المتابعين لها. يعرف الصهاينة كيفية العمل كمؤسسة أمام وسائل الإعلام، أي أنّهم يتعاملون مع الموضوع بحرفةٍ بالغة، ويعرفون تماماً كيف يمظهرون صورتهم الخاصة كي تبدو كما يحبونها أن تبدو. يدرك الصهاينة تماماً أن العصر الحالي هو عصرٌ قائمٌ على الصورة والكلمة والمعلومة، من هنا فإنّهم يفهمون كيفية استعمال كل وسائل التواصل الاجتماعي وسواها من وسائل الإعلام التي يمكنها أن ترسم صورتهم.

ادرعي على قناة الجزيرة

يظهر القاتل مرتدياً بزة جيش العدو الصهيوني، يتحدث إلى المشاهدين –الذين يفترض أنهم عرب- ذلك أنه يتحدث بالعربية المتكسرة بعض الشيء، ويحاول قدر الإمكان خلق مساحةٍ "للألفة" معهم. هذا الفيديو الذي يعتبره الكثيرون بسيطاً، ويشاركونه على صفحاتهم هو أعلى مستوىً في الحرب الناعمة. لن أستعمل التعابير الكبيرة والجمل الخلبية التي لا يفهمها أحد، بل سأتكلم ههنا بلغة مباشرة يستطيع الجميع أن يفهمها على اختلاف عقلياتهم ومستواهم العلمي والتعليمي. فلنمشِ في الأمر خطوة خطوة: قبل أعوامٍ خلت لم تكون صورة الصهيوني معروفة أو مقبولة أو حتى "متوقعة" من جميع الجمهور العربي حتى قام تلفزيون الجزيرة –غير مشكورٍ أبداً- باستضافة المتحدثين باسم الدولة العدوة تحت مسمّى "الرأي والرأي الآخر"، وقتها أشار بن كسبيت (صحافي صهيوني معروف) إلى أن ظهور متحدث باسم الجيش العبري على قناة عربية كان أهم من أي انتصارٍ عسكري، أو اغتيالٍ لخصمٍ كبير، بل إنه حتى يومٌ يجب أن يؤرخ للكيان العبري: "لقد نجحنا في اختراق "دروع" خصومنا وأصبحنا داخلهم". ماذا يعني هذا الكلام؟ ما يعنيه هو أن هذا الصهيوني لم يعد "عدواً" متوحشاً، قذراً، قاتلاً، "بل إنه إنسانٌ له الحق في الدفاع عما يقوم به، وقد يجد أناساً آخرين في الوسط  المقابل يؤيدون ما يقوله ويرغبون بالتواصل معه"، هكذا أكمل كسبيت مقاله في ذلك اليوم.


يشارك كثيرٌ من الشباب العرب صور وفيديوهات القاتل أدرعي بهدف التسلية، السخرية، المزاح، وحتى الهزء. كل ذلك قد يكون "ممتعاً" لهذا الشخص وقد يشاركه كثيرون في ذلك، ويشتمون صاحب الفيديو، ويضحكون على الأمر، متناسين أنهم حينما يفعلون ذلك، فإنهم يشاركون هذا القاتل في لعبته القذرة. إنه يريد مشاركتهم هذه حتى ولو كانت "شتيمة". فالمشاركة سواء أكانت "شتيمةً" أو "مديحاً" هي "مشاركة" والفيسبوك –كغيره من مواقع التواصل الاجتماعي - يقوم على هذه المعادلة: مشاركة يعني "حضوراً"، الحضور يعني أنك "محبوب" و"مطلوب". ألم يستغرب أحدٌ كيف أنَّ أدرعي لا يمسح هذه التعليقات "المسيئة"، كما أنّه لا يجيب إلا على "المادحين" من الجمهور؟ باختصار كل ما يحدث هو "عملية أمنية" بشكلٍ أو بآخر، وكل "المليكين" و"المشاركين" هم ببساطة شركاء في هذه العملية الأمنية، حتى ولو كان الأمر بخلاف معرفتهم أو إدراكهم للأمر.



قد يعتقد كثيرون أنّنا حينما نستخدم تعبير "القاتل" ههنا نبتعد عن "أخلاق" الصحافة وحرفتها، ذلك أمرٌ غير صحيح: هذا الشخص الذي يتحدث في الفيديو، هو "موظف" في الجيش العبري، أي أنه "مجند" في جيشٍ من القتلة، يعني ببساطة مفرد قتلة: قاتل. إننا بكل بساطةٍ نصفه كما هو، فعمله هو أن يزيف الحقائق، أن يغيرها لمصلحة المؤسسة التي يعمل بها، أن يغيّر طبيعة الحقيقة، مثلاً، قد تصبح المجزرة التي يقتل بها كل أحبتنا وأهلنا ومعارفنا، خطأً فردياً تافهاً، أو ربما دفاعاً عن النفس، أو حتى عملاً يجب التشجيع عليه لأن هؤلاء "الفتية الصغار" الذي قتلهم جيشه أخذوا "نسمةً" من هواء دون إذن. أما من يرغب بمحاولة تركيب الأشياء فوق بعضها بعضاً فليعد قليلاً إلى الوراء، قبل أشهرٍ قليلة كان جيش العدو يقصف قطاع غزّة ويقتل أطفالاً صغاراً ونساءاً وشيوخاً. كان أدرعي وقتها يبرر الأمر بأن "المقاومة" هناك كانت تقصف بيوت "الآمنين" الصهاينة، متجاهلاً تماماً أنهم "محتلون" وأن هذه ليست أرضهم، متجاهلاً أن المقاومة لا تفعل إلا دفاعاً عن النفس، بينما جيش القتلة يقوم بذلك "للأذى" فحسب.

تأتي المقاومة على عدّة أوجه، وعلى عدّة أشكال: يستطيع أي شخص أن يشارك في المقاومة من خلال أمرٍ بسيطٍ للغاية: ألا يترك نفسه جاهزاً كي يستغله العدو، كي يصبح "مطية" لهذا العدو، ويقبل ما يتركه له العدو. أن تقاوم معناه أن تفهم أن هذا الكائن "عدو" وأن عليك أن ترفضه بكل الأشكال والألوان والوضعيات، ومهما غيّر شكله ولبس وتزيا، فإنه قاتلٌ لا أكثر ولا أقل.
19-حزيران-2015

تعليقات الزوار

استبيان