المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

من حضرة العصمة... إلى سدرة المنتهى


في حضرة العصمة التقت الأماني... وفاضت القلوب جياشة في حضرة ابنة علي... وأطبقت الجفون على حلم ورديٍّ بأنبل المشاعر وأصدق الدموع...

لم تعي يومها ما الذي حدث! ... فالمصاب "أربعين" جلل وعويل النسوة يتأجج دويُّه مع صرخات "يا زينب"، وعيناها تقطع الحشود لتراه... ذاك المتمسك بشباك الرحمة ودموعه الهادئة تعبق بنور الفداء...

  لم يدركا يومذاك ما الذي سوف يحدث تاليًا، فلا وقت للوقت في حضرة القداسة، ولكن شيئا كان يشدُّها إلى بريق عينيه، هو نفسه ما كان يشدُّه إلى حمايتها والوقوف عند طلباتها، وحتى أن يمنع عنها تصفُّح عيون المارة، وهي تنساق طائعة دون مبرِّر لأوامره ونواهيه...

وانتهت الزيارة وها هو الركب يعود أدراجه إلى الديار، ولكن أسئلة كثيرة دارت في ذهنه وتسلَّلت إلى خاطرها، لِـمَ الآن؟ وكيف وماذا حدث؟ وهل من لقاء قريب؟ ... "استودعتك زينب الكبرى" كلمات أطلقها وهو يودِّعها عند الوصول، لتعزف على أوتار قلبها فتخفي عينيها خوفًا من أن يقرأ ويفهم، وتقطع أنفاسها خوفا من أن يسمع دقات قلبها...


وتعود الذكرى، والقلوب تخفق قبل بلوغ الحافلة، لتهدأ عند اللقاء... ولكن أيُّ لقاء؟ فللمجلس الذي يقرأه سرٌّ ووقعٌ لم تعهده من قبل، كيف لا وهو عديل الروح! ... لم تتمن يومًا أن تسكت أذناها عن سماع صوته، ولا أن ينتهي الوقت في محضره... وعند إتمام العزاء دنا إليها قائلًا "أتدرين أني طلبت إلى سيدتي حاجةً غير الشهادة" فأطرقت خجلًا، ثم أردف "هلّا تُقضى حاجتي برأيك"، لم تتردد بالإجابة عندها "نعم، لقد قضيت حاجتك".

لم تدرك يومها معنى أن تقول "نعم" لمثله، خاصة بعد أن اقتربت أكثر وأكثر وعلمت سرَّ ذلك الخشوع الإلهي الذي يُرجف أوصاله عند الصلاة، ويؤنس عطشه وجوعه عند الصوم، ويطمئن قلبه عند اشتداد المعركة وينسيه آلام الجراح...

كل يوم تعرف أكثر، وتدرك أنها تبحر في بحر من التقوى لا يمكن بلوغه، ولطالما سألت نفسها أهو من البشر أم من الملائكة، فمهما كانت هول المشكلة لن تنسى يوما تلك الابتسامة الرقيقة التي تشعرها بالأمان، فـ"إن البلاء على قدر الدرجة"... وأيُّ بلاء خصها الله به؟!...

على شاطئ البحر يمسك بيدها، يشدُّ على معصمها "حبيبتي، سأغيب لأيام وعندما أعود سنتمّ زفافنا، وإن حدث أي شيء يسوء فاعلمي أن الله أراد فوق إرادتنا وأن مشيئته هي التامة"، فاختنقت بعبرتها ولم تنبث ببنت شفة... فقد ازداد بريق عينيه وازداد بهاؤه لدرجة أسكتتها إلا عن النظر إليه وتلمُّس سر جماله المتزايد، وكأن من يحدثها أن أمعني النظر بذلك الوجه لأنك لن ترينه بعد اليوم.

ترك يدها عند باب المنزل ورحل، وعيناها ترقباه وهو يغيب عن الطريق، وصدى صوته يتردد في أذنيها "إن أنا استشهدت لا تقولي إلا ما يرضي الله، واتخذيه وكيلا وكفيلا".

لم يكن الوقت وقت شهادة، فلا حرب ظاهرة في الأفق، ولكنهم هم من يحدد البوصلة، ويدير الرحى كيفما أرادوا، وهم من يختار المكان والزمان... فيطلع فجر الثاني عشر من تموز بنصر أسر جنود العدو الصهيوني، وتتلبَّد السماء بنيران الحقد الغاشم، وتصول الحرب وتجول ظنًّا منهم أنها الفرصة لكسر شوكة المقاومة...

ولكن "يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون"، وشاء النصر المؤزر على يد رجال رجال، إذا عصفت الحرب كانوا أسودها، وإذا اشتدت كانوا لها...

وعاد!.. عاد صورة على جدار، ووصايا لمــا تزل تطويها في نفسها
عاد!.. فكرًا ونهجًا نيِّرًا لكل من عرفه وتقرَّب منه
عاد!.. بطلًا من أبطال الوعد الصادق
 وتركها لغربة الأيام.... فهنيئا لك يا زوجي الشهادة، على أمل اللقاء قريبا في "جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين".

الى روح شهيد الوعد الصادق عماد..
08-آب-2015

تعليقات الزوار

استبيان