ظافر رمضان(*)
ستبقى الذكرى المرتبطة بالذُل والعار في يوم اطلاق مبادرة إتفاقية «السلام» المزعومة مع العدو «الإسرائيلي»، في السابع عشر من أيار/ مايو من العام 1983، تتكرر في كل عام لتعيد الى أذهان اللبنانيين الإنتفاضة الشعبية، مجبولة بدماء الشهداء والجرحى وصبر المستضعفين، التي قضت على هذا الإتفاق المشؤوم في مهده. إلا أنها ما زالت تصطحب معها، وفي كل عام أيضاً، أسماءً لشخصيات لبنانية وغير لبنانية لتحجز لها مقاعد في مزابل التاريخ البشرية.
ففي 28 كانون الأول/ ديسمبر من العام 1982، وبعد الإجتياح «الإسرائيلي» للبنان، دأب العدو «الإسرائيلي»، مع بعض الأطراف اللبنانية الرسمية آنذاك، الى إجراء مفاوضات مباشرة برعاية أمريكية في منطقة خلدة جنوبي بيروت. وعلى أثر هذه المفاوضات، (والتي جرى جزء منها في المستعمرات «الإسرائيلية» الحدودية المحتلة، حيث استمرت حتى السابع عشر من أيار/ مايو في العام نفسه)، توصل المتفاوضون إلى إعلان اتفاق "سلام" في الظاهر، مُذل للبنان واللبنانيين في خباياه بشهادة جميع المراقبين الوطنيين، بين لبنان والكيان "الإسرائيلي"، عرف بمعاهدة "17 أيار". فتم طرحه في الهيئة العامة لمجلس النواب للتصويت، في ظل رئاسة أمين الجميل للجمهورية اللبنانية وحكومة الرئيس شفيق الوزّان، فنال أغلبية الأصوات، 62 صوتاً من أصل 72 نائباً حاضراً، مع التصويت ضده من قبل النائبين زاهر الخطيب ونجاح واكيم، وامتناع وتحفظ وغياب عدد آخر من النواب.
اعتصلم بئر العبد
واجه اللبنانيون الشرفاء، الرافضون للخضوع والذل، هذه الإتفاق المشؤوم معتبرين انه اتفاق "العار"، فزادت حدة العمليات العسكرية من قبل التنظيمات العسكرية اللبنانية داخلياً في ظل اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975، مترافقة مع الحملات المنددة ضده في مختلف المناطق اللبنانية، خصوصاً في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، وبالتحديد التظاهرة التي إنطلقت من مسجد الإمام الرضا(ع) في بئر العبد عشية إطلاق وثيقة الإتفاق، فأعطى الرئيس أمين الجميل حينها أمراً، لبعض الوحدات في الجيش اللبناني التابعة له، بتطويق محيط المسجد بعد أن حاول المصلون تصعيد الإحتجاج معلنين رفضهم له، فحصل صدام بينهم وبين عناصر الجيش اللبناني، فسقط على أثرها محمد نجدي شهيداً مع ستة جرحى آخرين واعتقال عشرات الشبان، فاحتدّت على أعقاب هذه المواجهة التظاهرات الشعبية في كافة المناطق اللبنانية، كما ترافقت مع تصاعد وتيرة العمليات العسكرية ضد قوات الإحتلال "الإسرائيلية" من قبل المقاومة اللبنانية، كل ذلك في سبيل إلغاء مفاعيل هذا الإتفاق المشؤوم وإنهائه.
وبعد أقل من سنة، وفي ظلّ الرفض الشعبي العارم لهذا الإتفاق، وتحت ضغط الإنتفاضة الشعبية التي انطلقت في 6 شباط/ فبراير من العام 1984، قام الرئيس أمين الجميل في 5 آذار من العام 1984 بإعلان إلغاء إتفاق 17 أيار مع العدو "الإسرائيلي"، فقامت الحكومة اللبنانية ومجلس النواب من جهتهما بإقرار إلغائه بعد أن تم اعتباره باطلاً.
توقيع الاتفاق المشؤوم
ومنذ 32 عاماً، ما زال اللبنانيون يحيون ذكرى إسقاط اتفاق "17 أيار" المشؤوم من كل عام على التوالي. إلا ان هذه الذكرى السنوية أصبحت مؤخراً، وبشكل أكثر وضوحاً ما بعد الإندحار «الإسرائيلي» من جنوب لبنان في العام 2000، أصبحت تكشف أكثر فأكثر عن حقيقة بعض الشخصيات الإعلامية المختلة فكرياً ونفسياً، الذين لا يتوانون عن الجهر ظلماً وعدواناً بـ«الفضائل» التي خسرها لبنان عندما رفض اللبنانيون آنذاك اتفاقية 17 أيار مع العدو "الإسرائيلي"، من وجهة نظرهم المبنية سلفاً ضد التيار الشعبي المقاوم بقيادة حزب الله في لبنان ضد العدو "الإسرائيلي" وأذنابه التكفيريين في كل مكان... ونحن وما زلنا في أجواء شهادة القائد الكبير السيد مصطفى بدر الدين (ذو الفقار) الذي استُشهِد على أيدي التكفيريين في سوريا، ليخرج علينا متزلفٌ هنا وهناك ويسرد تفاصيل تخلّفه الفكري عبر المفاضلة بين "١٧ أيار بكل سيئاته كان أفضل للبنان من المقاومات المسلحة"، على سبيل المثال لا الحصر، هذه المقاومة التي بفضلها ينعم لبنان بالإستقرار والأمن الداخلي، لهم ولغيرهم، منذ الإندحار "الإسرائيلي" وصولاً الى قطع يد الجماعات التكفيرية المسلحة من العبث في استقرار لبنان وزرع العبوات الناسفة وترويع المدنيين.
لقد أخذت ذكرى إسقاط إتفاق 17 أيار على مر السنوات الماضية على عاتقها مهمة كبيرة، موكلة من دماء الشهداء وعوائلهم، من ألم معظم اللبنانيين واللبنانيات من جميع الفئات العمرية والأطياف اللبنانية، مسؤولية ستظل محفورة في أذهان اللبنانيين والعالم لحين تحرير فلسطين وزوال العدو "الإسرائيلي" من الوجود، وستبرع في تنفيذها وذلك عبر إلقاء هؤلاء المتزلفين المتخلفين في مزابل التاريخ البشرية. (*) باحث إجتماعي