المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

11/11 يوم شهيد حزب الله: رفيق اللحظات الاخيرة لشيخ الاستشهاديين يروي تفاصيل العملية

قبل ساعات قليلة من تنفيذه عملية القليعة ـ مرجعيون الاستشهادية .. جلس الشهيد الشيخ أسعد برو مستقبلا" القبلة رافعا يديه الى السماء يتمتم بكلمات يناجي بها الله داعيا أن يتقبل منه عمله ويوفقه الى نيل الشهادة وإلحاق الهزيمة بالاحتلال.المحرر علي حجازي يتحدث لـ "العهد"، وعندما دخل عليه رفيق الساعات الاخيرة أوقف مناجاته واستدار اليه وابتسم، وقال: هل ننطلق الى التنفيذ.

يروي الاسير المحرر المجاهد علي حجازي مراحل تنفيذ عملية القليعة مرجعيون الاستشهادية، حيث كان مكلفا ان يرافق الشهيد الشيخ اسعد برو الى لحظة التنفيذ (وهي معلومات تكشفها المقاومة الاسلامية للمرة الاولى عبر "العهد"):

يقول حجازي: كنت أعمل في احدى المؤسسات التجارية في بيروت، وكنت كلما سمعت عن عملية للمقاومة يهتز جسدي وتتولد عندي شجاعة واندفاع كبيران، لماذا لا اشارك واكون واحدا من الذين يصنعون عزة هذا الوطن.. وهكذا بدأت أبحث عمن يوصلني الى احد مسؤولي المقاومة، حتى كان لي ذلك وبدأت مسيرتي مع المقاومة.

يضيف حجازي: في احدى المرات اتصل بي احد القياديين في المقاومة ودعاني للقائه، وفي هذه الجلسة قدم لي شابا" في مطلع العقد الثالث من عمره، وابلغني انه سينفذ عملية استشهادية ضد الاحتلال وعلي ان اكون الى جانبه.

كان دوري محصورا فقط في التنفيذ لانني كنت مطلعا على طبيعة المنطقة المحتلة وطرقاتها بحكم ترددي اليها، ولم أتدخل كما لم يكن لي علاقة بالتحضير للعملية ان لجهة تجهيز السيارة او الاستطلاع وجمع المعلومات عن الهدف.

لم يمر وقت طويل الى ان تم اللقاء بين الشيخ أسعد برو وعلي حجازي في إحدى البلدات المحتلة القريبة من خطوط المواجهة، وهناك تعرف علي جيداً على الشهيد أسعد ولمس لديه حبا وعشقا كبيرين للشهادة.

جاء الامر بالتنفيذ، يقول علي، "انطلق الشهيد بالسيارة المخصصة للعملية وجلست الى جانبه، ولاحظت ان معنوياته كانت عالية وانه مصمم على تنفيذ العملية مهما كلف الامر، وصلنا الى منطقة هي عبارة عن منحدر كانت تعبر فيه دبابات للعدو، فطلبت من الشهيد ان يسير بأقصى سرعة حتى نتجاوز الآليات وقد تمكنا من ذلك بفارق ثوان قليلة، بالرغم من ان الجنود الموجودين في الاليات وجهوا اسلحتهم الينا لكن لم يطلقوا النار.

وصلنا الى احد حواجز العملاء، فحييتهم والضحكة تغمر وجهي، سألني احد العملاء:

-  اين كان هذا البيك آب؟

- قلت له: في البلدة.

-  العميل: ماذا كان يفعل؟

-  قلت له : جاء امس الى البلدة ليشتري "تبن" وحل الظلام ولم يجد احدا يعود معه، وانا الان اعود معه لاصلاح الدولاب.

-  العميل: اتعرف الشاب (الشهيد اسعد)

قلت له : طبعا اعرفه وهو من بلدة (ذكرت له اسم احدى البلدات). وامرنا بالانصراف .

هدأت نفسانا وتابعنا الطريق حتى وصلنا الى حاجز كفركلا، وهذا الحاجز لا يدقق كثيرا، فمررنا عليه، وكذلك الامر عند حاجز العملاء في تل النحاس.

اصبح الشهيد اسعد قريبا من مكان تنفيذ العملية، وهناك بدأ العد العكسي للتنفيذ.

طريق القليعة مرجعيون 8/8/1989

يقول حجازي :انتظرنا هناك حتى تأتينا الاشارة بقدوم القافلة الصهيونية المحددة كهدف للعملية، علما بأن هذا الطريق يشهد دائما تحركات لقوافل اسرائيلية.

بدأنا نتحرك في المنطقة بشكل دائري حتى لا يشتبه بنا احد، الى ان رأينا ملالة فيها ثلاثة عناصر لحديين، فقال الشهيد ممازحا: قم وانزل من السيارة..

فقلت له: انت على ما يبدو مستعجل وهؤلاء جماعة لحد لا نريدهم، فضحك، وأكملنا دورتنا حتى اصبح الوقت ظهرا".

وحسب الخطة عدت انا الى البلدة بسيارة اجرة لآتي بسيارتي، واتفقت مع الشهيد على ان نلتقي في نقطة محددة، لانه ممنوع ان يتحرك بالسيارة بمفرده كما تقضي إجراءات العدو لمنع العمليات الاستشهادية.

اتفقت مع الشهيد على ان نلتقي في احد الاماكن ونظهر للناس اننا نعرف بعضنا والتقينا هناك صدفة. اتيت بالسيارة من البلدة ومعي زوجتي وأولادي والتقيت بالشهيد أسعد كما اتفقنا، وقررنا العودة الى البلدة بناء" على التعليمات التي جاءتنا وتفيد ان الهدف تغير موعد تحركه الى اليوم التالي.

عندما رأت زوجتي الشهيد سألتني عنه، فقلت لها انه صديق لي، لديه عمل في المنطقة وطلب مني ان أساعده على انجازه.

عدنا الى البلدة، ادخلته الى المنزل وأقفلت عليه الباب وخرجت مع عائلتي الى الحسينية للاستماع الى مجلس عاشوراء، وكأنه لا يوجد احد في البيت، حتى لا يأتي احد لزيارتنا.

يضيف: في تلك الليلة حضرت لنا زوجتي العشاء فلم يأكل أي شيء، وكان طوال الوقت يفكر بالسيارة (البيك آب) التي تركناها قريبا من منطقة التنفيذ، وقلت له سنسلم الامر لله، فهو الموفق.

في ليلة الاستشهاد، انشغل الشهيد بالدعاء الى الله والابتهال، وكنت من وقت لآخر ألقي نظرة عليه فأجده يصلي أو يقرأ القرآن.

الثلاثاء 9/8/1989  

فجر هذا اليوم الذي طالما انتظره الشهيد أسعد جاءت التعليمات بأن الهدف سيتحرك في الوقت المحدد.

يقول حجازي: انطلقنا بسيارتي الى منطقة مرجعيون، فأنزلت الشهيد قريبا من "البيك آب" وأنا اتيت من الجهة المقابلة حتى أرى ان كان تغير أي شيء في وقفته والحمد لله اننا وجدناه على حالته وكأنه لم ينظر احد اليه.

قام الشهيد بقيادة "البيك آب" وأنا في سيارتي واتفقنا على ان نتحرك بشكل متقابل على هذا الطريق (مرجعيون - القليعة)، مر وقت طويل قبل ان تصل القافلة والاشارة التي ننتظرها لم تصلنا بعد.

همست للشيخ انني سأذهب الى منطقة قريبة في محاولة لتضليل أي جهة تراقبنا، لم يمر وقت على غيابي عنه حين طرق أذني نداء (يا علي اذهب الى الشيخ) ذهبت الى النقطة التي تركته بها ومن بعيد وجدته متوقفا الى جانب الطريق، فقلت سامحك الله يا شيخ أسعد لماذا توقفت هكذا، وما ان اكملت تمتماتي حتى رأيت القافلة الصهيونية متجهة إليه، فعدل الشهيد وقفته الى اقصى اليمين وأنا وقفت بعيدا عنه بنحو 75 مترا".

بدأت السيارات المدنية بالتوقف خلفه وهو اجراء متبع من الاحتلال حتى تمر قافلته. في هذه اللحظة ارخى الشهيد فرامل السيارة وجعلها تتقدم نحو 25 مترا، ولحسن الحظ ان السيارات التي توقفت خلفه لم تلحق به.

يقول علي حجازي: شاهدت كل شيء بعيني، القافلة كانت عبارة عن سيارات عسكرية وأمنية وفيها شاحنة مليئة بالجنود يجلسون الظهر على الظهر. قبل ان تصل القافلة الى محاذاة البيك آب ( G.M.C)  الذي كان يقوده الشهيد اسعد وهو مفخخ بكمية كبيرة من المتفجرات، بحدود 25 مترا، اقلع الشهيد بسيارته باتجاهها واصطدم بالسيارة الامنية التي تتقدم القافلة ومن ثم بالشاحنة.. وكان انفجار هائل.

يضيف: لم اعد ارى شيئاً أمامي، نيران هائلة تتصاعد، حطام الآليات وأشلاء جنود العدو تتطاير في الهواء.. انتظرت لحظات ثم اقتربت من مكان الانفجار لأرى ما حل بالآليات ومن فيها، الجنود الذين كانوا في مؤخرة القافلة صدموا فكانوا أشبه بتماثيل.

بعد قليل جاء رجال الامن وسيارات الاسعاف الى المنطقة وأبعدوا من اقترب من الناس، تركت المكان فورا وذهبت الى مستشفى مرجعيون لإحصاء الإصابات ولأرى بعيني نتيجة العملية.

اشلاء تنتشر في كل مكان على الارض، صراخ الجرحى وعويلهم، ثم صعدت الى الطابق العلوي للمستشفى ووقفت خلف زجاج لأشاهد عن كثب.

يقول علي: سيارات الاسعاف والمروحيات كانت تنقل بشكل متواصل القتلى والجرحى بالعشرات، غادرت المستشفى بسرعة وذهبت على طريق - المرج - الاذاعة القديمة، حيث وجدت ان العملاء نصبوا حاجزا هناك ويمنعون المرور، اقتربت من احد العناصر وقلت له ان معي طفلا مريضا وأريد الذهاب الى كفركلا، فقال لي هناك أمر بمنع المرور وانظر الى النار تشتعل فقد وقعت عملية (انتحارية) قبل قليل.

عدت ادراجي وذهبت الى دبين، وأنا على الطريق كنت اسمع صوت مروحية صهيونية وكأنها تلاحقني حتى وصلت الى البيت.

جلست على شرفة المنزل مستعيدا كل تلك اللحظات التي قضيتها منذ التقيت بالشهيد، معنوياته العالية، ابتسامته التي لا تفارق وجهه، صلاته ودعاءه.. عشقه لله عز وجل.. كانت الصور تعود الى ذاكرتي ولم انس آخر لحظة رأيته فيها قبل ان يفجر جسده ويحول جنود العدو وقادتهم الى اشلاء.. اغرورقت عيناي بالدموع، لكن ما كان يؤنسني هو ذلك الشاب الذي ترك عائلته وطلق الدنيا ليلاقي ربه صادقا بعهده.

جن جنون الاحتلال من هذا الاختراق النوعي الذي نفذته المقاومة الاسلامية وضربت فيه كل اجراءاته العسكرية والامنية. وأخذت الاجهزة الامنية التابعة لاجهزة استخبارات العدو بمداهمة القرى بحثا عن رجل كان برفقة منفذ العملية وهو الاحتمال القوي الذي تضعه قوات الاحتلال لأن اجراءاتها تمنع نقل أي شخص بمفرده..

بعد ايام داهمت قوات الاحتلال بلدة دبين المحتلة: يقول علي حجازي فتشوا جميع منازل البلدة وقالوا لوالدي اننا نريد علي لنصف ساعة فقط.

ونصف الساعة هذا استمر عشر سنوات قضيتها في غياهب معتقل الخيام، حيث الجلادون الصهاينة والعملاء.

أمير قانصوه

من بيان المقاومة الاسلامية حول العملية

في اطار جهادنا المستمر ضد العدو الصهيوني الغاصب للقدس وفلسطين وردا على القرصنة الارهابية والجريمة الوقحة التي نفذها العدو باختطاف امام بلدة جبشيت العالم الديني المجاهد الشيخ عبد الكريم عبيد وقريبيه، وبنداء يا أبا عبد الله (ع)، نفذ احد مجاهدي المقاومة الاسلامية هجوما استشهاديا ضد قافلة عسكرية صهيونية صبيحة هذا اليوم الواقع فيه 8 محرم 1410 هـ الموافق 9/8/1989، وذلك في عمق الشريط الحدودي المحتل المقاوم .

ففي تمام الساعة التاسعة وخمس وأربعين دقيقة، وعلى مدخل بلدة القليعة - مرجعيون واثناء مرور قافلة عسكرية مؤللة ومؤلفة من سيارتي جيب من نوع "ويلس" ودبابة ميركافا وملالتين وناقلة جند نصف مجنزرة اقتحم الاخ المجاهد الشهيد اسعد برو(24 عاما) بشاحنته المفخخة بكمية كبيرة من المواد المتفجرة وسط الهدف ودوى انفجار هائل حوّل القافلة الى ركام وأوقع في صفوف افرادها ما لا يقل عن 25 اصابة بين قتيل وجريح، واحدث حفرة عمقها متران وقطرها يتراوح بين مترين الى ثلاثة أمتار.

وخلال دقيقتين غطت سحب الدخان المنبعث من الحرائق سماء المنطقة، وعلى الاثر بدأ الطيران المروحي الصهيوني بالتحليق الكثيف فوق مكان الانفجار فيما استقدم العدو قوات اضافية طوقت المنطقة، وعمل رجال الاسعاف على انتشال بقايا الجثث من الاليات المحترقة ووضعها على جانبي الطريق تمهيدا لنقلها الى داخل الأراضي المحتلة.

إن هذه العملية الاستشهادية البطولية التي تم تنفيذها اليوم هي احدى مفردات اللغة التي لا يفهم العدو الصهيوني غيرها، وهي لغة الجهاد الحقيقي والمستمر حتى إزالة الجرثومة السرطانية من الوجود.

شيخ الاستشهاديين أسعد برو
ـ ولد فجر يوم الجمعة 26 شباط 1965 في منطقة الاوزاعي من عائلة مؤمنة متواضعة، هجرت بلدتها حدث بعلبك الى ضواحي بيروت هربا من الحرمان وبحثا عن لقمة عيشها.
ـ درس المرحلة الابتدائية الى الثانوية في المدرسة الاهلية، ومع انتصار الثورة الاسلامية في إيران كان أسعد من اوائل الذين شاركوا في مسيرات التأييد لها، ومعها بدأ يتردد الى مسجد الاوزاعي، ليزداد ارتباطه بالله تعالى.
ـ ومع الاجتياح الصهيوني الذي لاقى مواجهة عنيفة من قبل المجاهدين المؤمنين في منطقة خلدة تكونت مجموعة المجاهدين العشرة الذين عاهدوا الله على الجهاد حتى الشهادة وكان الشهيد اسعد آخر الشهداء منهم.
ـ وعمل الشهيد في تربية الاطفال وتعليمهم وإرشادهم من خلال حلقات في مسجد الاوزاعي.
ـ درس العلوم الدينية في قم.
ـ كلف بتنفيذ ثلاث عمليات استشهادية، ولكن ظروفا امنية وعسكرية كانت تحول دون التنفيذ.

10-تشرين الثاني-2016

تعليقات الزوار

استبيان