المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الإمام قدوة: قصص من سيرة روح الله مع الناس

في ذكرى رحيل الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، ينشر موقع المقاومة الإسلامية في لبنان مجموعة من المقالات كتبها انصاري كرماني احد المقربين من الامام وتتناول الجانب العبادي والروحي من حياة القائد العظيم:

الإمام والناس
إن أجمل ركن من أركان حياة الإمام السامية، هي طريقة تعامل الإمام مع الناس، وليس هناك مجال لقياس حياة الإمام بحياة القادة الأخرين في العالم، وطريقة تعاملهم مع شعوبهم لأنهم إذا أراد أحدهم ان يكون وسط الجماهير ، فلا بد من إجرار العديد من الترتيبات والمراسيم والتشريفات لذلك ، وبالطبع فإن مثل هذا القياس يعتبر إهانة لمقام القيادة نفسها ، ونحن هنا نكتفي بذكر زاوية صغلارة من زوايا تعامل الإمام مع الناس .
إن علاقة الإمام بالناس لم تكن علاقة عادية بل أنها العشق بعينه وهي مشابهة لعلاقة النبي (ص) مع الناس ، وكما يصفها الله تعالى بقوله: "عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" فهو شديد الحرص على سعادة الناس، ورؤوف رحيم بالمؤمنين، وحقا هو كذلك فهو يحترق من أجل الناس، وهو مثل آب رحيم يطلب السعادة باستمرار لأبنائه الطاهرين. يبكي الإمام عندما يجلس أمام التلفزيون وعندما يشاهد ما يعرض على شاشة التلفزيون من صور مؤلمة حول الفقر والحرمان .
في الأيام الأولى من أيام الثورة كان الإمام يلتقي الناس ولمدة تزيد على ست ساعات، دون أن يظهر تعبه أو ألمه وكانت الجماهير تذهب وتجيء إليه وبشكل منتظم، من الساعة 8 صباحا وحتى الساعة الواحد ، ومن الساعة الرابعة وحتى الساعة الثامنة مساء، وفي بعض الليالي لا يترك الناس بيت الإمام ويقدمون إليه حتى الساعة العاشرة مساءا ، ويقفون جنبه وينادون: "اننا بانتظار الإمام فيخرج الإمام من البيت".
يجلس الإمام في أكثر الايام في غرفة صغيرة يكتظ فيها أكثر من مئة وخمسين نفرا وفي جو حار وتحت انوار التلفزيون القوية، هذا بالاضافة الى رائحة العرق والتنفس، فتزداد حرارة الغرفة كأنه قد اشعلت فيها المدفأة، نحس نحن بالضيق في بعض الأحيان فنغادر الغرفة، ولكن الإمام كما هو وعلى حاله، يجلس ساعات عديدة مع الناس بكل وجوده، ويدلي برأيه في كل حادثة أو واقعة.
ولا يغيب عن بالي قدوم الأستاذ مطهري قبل استشهاده بأسبوع لمقابلة الإمام في قم، وفي الوقت الذي كانت مراجعات الناس على الإمام كثيرة، فلم يوفق لمقابلة الإمام، وبقي جالسا في جانب من الغرفة، من الساعة 8 صباحا وحتى الساعة 8 ليلا، بعدها استطاع ان يلتقي الإمام حينما فرغ من لقاءاته مع الناس .
يوصي الإمام المسؤولين دائما أن يكون خدما للناس، ودائما ينبه اعضاء مكتبه ان لا يسيئوا معاملة الناس، وأن لا يعترضوهم .
خرج الإمام يوما من بيته، في الوقت الذي تجمهر الناس بشكل كبير حول الحواجز الحديد الموضوعة، وزاد التجمهر والضغط على الناس عندما طلع الإمام عليهم، نظر الإمام حوله وأدار وجهه نحونا وقال: "إذا لم ترفعوا هذه الحواجز الحديدة غدا فساحرقها".
لا يمتنع الإمام عن الخروج للقاء أي مجموعة تقدم اليه، حتى لو اضطره ذلك الى البقاء ساعات عديدة في الجو الحار أو البارد ، وحتى عندما تهطل الأمطار وتسقط الثلوج فإنه يخرج اليهم مستجيبا لمشاعرهم وأحاسيسهم وترتفع يده مثل الراية الثابتة على كتف حامل لواء الحرب ، في بعض الأحيان وعندما كان الثلج ينزل فتحنا المظلة فوق رأس الإمام لتقيه من الثلج ، فغضب لذلك وقال: "لكن ماذا يفعل الناس ؟.. لا حاجة لي بالمظلة".
لقد كانت الروح الإنسانية التي يحملها الامام عالية وكبيرة الى حد انه كان يجيب الأفراد على أسئلتهم العائلية والشخصية ومسائل آخرى مماثلة ، بالرغم من كثرة المشاكل والمسؤوليات التي يواجهها .
جاء شاب يوما الى مكتب الامام وهو مطبق شفتيه على بعضهما اعلانا منه ، الاضراب عن الطعام ، وطلب منا أن يلتق الامام ، ومهما حاول معه أصدقاؤنا ان يقنعوه بالاقلاع عن اضرابه أو ان يعرفوا سبب لقائه بالامام ، فلم يفلحوا وكان يصر على لقاء الإمام وبشكل خاص بكل ما في الكلمة من معنى ، وكان يقول إذا قدمتم الى الغرفة معي ، لا انطق ببنت شفة ، طرح الموضوع على الإمام ، فوافق ، وبالرغم من ان ذلك العمل كان عملا خطرا بالنسبة لحياة الامام ، لأننا لم نكن نعرف هذا الشاب . دخل على الإمام وقال له: قل لي من أنا ؟.. ومن أين اتيت؟ .. والى أين أذهب ؟ لقد كان موضوعا صعبا ومتقدما ، ومع ذلك فقد تصرف الإمام تصرفا ملؤه الاحترام .
يتوقع الناس أن يلتقوا الإمام متى ما شاءوا وفي أي وقت ، ولذا فإنه تقع أصعب المسؤوليات على عاتق الحرس واعضاء مكتب الامام ، حيث ان عليهم ان يعاملوا الناس بالحسنى بكل ما في وسعهم وحتى إذا ما تعرضوا للضرب في هذا الطريق فعليهم ان يصبروا ولا يرادوا بشيء ، وذلك لشدة حب الامام وعلاقته بالناس .
كانت المسألة الأمنية صعبة جدا خاصة في الأيام الأولى عندما كنا في قم، هذا بالاضافة الى ان الامام قد منع الحرس من مرافقته وكان يقول دائما : لا أريد حارسا مسلحا، على الرغم من جود الأخطار المحتملة بسبب زيارته لبيوت الفضلاء وعوائل الشهداء وخاصة في الليالي.
محبوبية الإمام " جماهير الإمام "
لمجرد ان يسمع أهالي قم بمرور الإمام من شارع معين أو أحد الأزقة ، يخرجون من بيوتهم ويتجمهرون حول سيارة الأمام، وحتى انهم يصعدون على سقف السيارة ، حينها لا يعلم سائق السيارة الى أين يتجه ولا حتى الامام، وفي الوقت نفسه يقول الامام "إن الناس سيحافظون علي: فلا ترافقوني" ولكننا، وبالطبع كنا نرسل سيارة فيها عدد من الحراس وبشكل غير ظاهر، للاطمئنان – الى حد ما – على سلامة الإمام . عندما يستقل الامام السيارة فعلى السائق أن يسير ببطء ليتمكن الامام من الرد على عواطف الجماهير بشكل تام، قمت ولعدة أيام بقيادة السيارة ، فكان كثيرا ما يأمرني الامام: "انتبه لا تسير بسرعة"، أو يقول: "لماذا تسير بسرعة ؟".
حينما استشهد آية الله مفتح، حضر الامام بالسيارة وسط الآف من الجماهير من أجل تشييع ذلك الجثمان الدامي، ولشدة حب الناس للامام التفوا حوله ، وحتى أنه كان من الممكن ان يخر سقف السيارة ، وانتشر الدخان ورائحة احتراق (البخور) وحتى اننا قد ضيعنا انفسنا في هذا الوسط ، الهي ماذا يمكن ان نفعل إذا ما تعطلت السيارة او احترقت لشدة الضغط الذي واجهته من قبل الحشود، وانه اذا ما خرج الامام خارج السيارة فستفيض أحاسيس الجماهير ويفقدون مشاعرهم فدست على البنزين وأسرعت بالسيارة ، فصاح الامام: "ما الخبر هل تريد أن تدوس الناس بسيارتك"، فقلت: "سيدي أن السيارة ستحترق"، اجاب: "صبرا، اريد ان أنزل، وأسير بين الناس كما يفعلون". وكنا نعلم أنه إذا ما نزل الامام فسيلتف حوله حتى أولئك الحراس من أجل تقبيل يده وإظهار عمق ارتباطهم به، وقد يلتف حوله ما يزيد على 100.000 شخص .
ومما يتعلق بلقاء الامام مع عامة الناس ايضا ، فقد جاء الامام يوما الى المدرسة الفيضية (في قم ) فتجمع الناس وأخذوا يركضون خلف السيارة وبقي أحد الجنود متشبثا بالسيارة حتى نزل الامام منها ، ثم اقبل عليه بسرعة واخذ بوجه الامام واداره ثم قبله وقبل يديه ، غضبنا كثيرا لهذا الامر ، ولكننا لم نظهر أي رد فعل أمام الإمام ، ولكنه وفي الوقت نفسه قال الامام بهدوء والابتسامة تعلو شفتيه : لا تعاملوا الناس بأسلوب خشن .
في بعض الأحيان يكون الطريق مفتوحا أمام السيارة ، ولكن الامام يأمر ويقول : أوقفوا السيارة لأرى الناس ، وأحيانا كان الفتيان يركضون خلف السيارة حتى تقف الى جنب بيت الامام ، ليتمكنوا من الدخول معه الى البيت يقدم لهم كتابا او هدية .
بأي مقياس يمكن أن نقيس هذه النفس مع القادة الأخرين في العالم ؟ هذا الرجل الثوري الذي لا يستسلم أمام العالم كله ، أنظر كيف تتجلى فيه روح الرحمة بالناس والعطف الانساني عليهم !
ومن الطريف أن نذكر هنا ، وبعد ان لمسنا معاملة الامام للناس، أن السيد بني صدر لم يكن يرد تحية رئيس وزرائه (رجائي )، وكان يقول: "إن هذه مسألة سياسية!".
قدم بني صدر في أحد الأيام الى مكتب الإمام ، وكنت حاضرا هناك أيضا وكذلك المرحوم الشهيد رجائي كان جالسا هناك، وعندما دخل بني صدر الى الغرفة ، قام رجائي من مكانه إحتراما وسلم على بني صدر ، غير ان بني صدر لم يوجه عنايته للسلام ، بل ذهب وجلس على الكرسي وظهره الى رجائي ، وأشغل نفسه بأستعمال الهاتف ، ثم قام من مكانه وذهب ، وكان تحليله دائما لمثل هذه التصرفات قوله : ليس جاريا في الأعراف الدولية أو السياسية ان يقف رئيس الجمهورية بين يدي رئيس وزرائه، وإذا فعل رئيس جمهورية ذلك فسيحط من مكانته أو مقامه، ولكن لننظر الان الى هذا الشعب الذي قام بهذه الثورة من اجل القضاء على هذه الخرافات والتقاليد الغربية ويستبدلها بالاخلاق الاسلامية، التي لا تفرق افراد الأمة وقائدها ، ولكن السيد بني صدر يعتبر رد السلام مخالفة للاعراف الدولية ويقول ان ما أريد أن أؤكد عليه هو أنكم تفتقرون الى النظرة السياسية.
ولكن عندما يأتي الامام الى الغرفة ويجلس على السجاد (والموكيت ) المفروش فيها، الى جانب الشخصيات العالمية والعادية، ويعقد الحلقات ليتحدث معهم، يصاب الانسان بالذهول حقا إزاء الروح التي يحملها الامام، ولولا الشعور السامي المتبادل بين الإمام وأمته، ما استطاع أحد من جيران بيت الإمام (في قم أو جمران ) ان يتحملوا المشاكل الكبيرة الناجمة عن كثرة الزيارات واللقاءات، حتى أنه وصل الأمر في بعض الأحيان وخاصة في الأيام الأولى، إلى أن لم يستطع أصحاب البيوت المجاورة لبيت الامام من الوصول الى بيوتهم لكثرة الجماهير المحتشدة على بيت الامام ولشدة الزحام، وفي بعض الأحيان يضطر الاشخاص الى استعمال الازقة الخلفية حال الذهاب والأياب.
احيانا يأتي أبناء العشائر لزيارة الامام، وهم من ذوي الأجسام الضخمة القوية حتى يبدو ان بمقدور أحدهم أن يضع عشرة منا في جيبه وعندما كنا نمنعهم من الدخول الى بيت الامام ، فإنهم كانوا وبحركة واحدة، يطرحوننا جانبا ويقتحمون الباب ليذهبوا للقاء الامام وفي بعض الأحيان يكونون مسلحين إن جسمي يرتجف عندما أتذكر مثل هذه الأحداث ، وأقول لولا رعاية الله، لكان لا بد لنا ان نقدم الضحايا يوميا من اجل  انجاز العمل على أحسنه. ثم لكي نحافظ على راحة الجيران ، جعلنا للإمام لقاء عاما في المدرسة الفيضية ، وحسبنا ان عدد الزائرين سيتضاءل بمرور الزمن ، ولكننا فوجئنا بزيارة العدد نسبة كبيرة على ما كان عليه في السابق وأصبح بشكل لا يمكن السيطرة عليه ، وفي أحد الأيام ولشدة الزحام جرح أحد الافراد تحت أقدام الزائرين واستشهد آخر ، حينما سمع الامام بهذا تألم لذلك كثيرا وقال : لن أذهب الى المدرسة الفيضية . وتكررت مثل هذه الأحداث وبأبعاد أكبر في حسينية جماران ، حيث استشهد ثلاثة وجرح العديد ، بينما كان الحرس يذودون حتى عن أنفسهم لشدة الزحام ، كل ذلك لما يحس به الامام من حب وعشق لأمته ، وما تحمله من أذى وما تعرض له من أخطار في سبيل هدايته وهنا يقول الامام أقسم بأني لم أخط خطوة واحدة من أجل ان اكون مرجعا أو قائدا ولكن إذا حصلت على المرجعية فلا أردها وهي مسؤوليتي .
هناك أحداث رائعة تتجلى ، من خلال الروح الانسانية التي يحملها الامام ، منها ... عندما توفي آية الله طالقاني ، ذهب الامام الى مجلس الفاتحة المقام على روحه في المسجد الاعظم (بقم ) ، وكانت الجماهير مكتظة فيه . وما ان انتهى المجلس ، حتى التفت الجموع حول الامام ، واكتظ المقام بشكل هائل ، وبصعوبة كبيرة استطعنا ان نخرج الامام من وسط هذه الحشود ، بعد ان سقطت عمامته عن رأسه وحتى أنه ضاع حذاؤه ، في صباح اليوم الثاني قرر الامام ان يذهب الى المجلس ثانية ، ارسلنا قبله عدد من الحرس لترتيب الأمور ، وأغلقت إحدى أبواب المسجد وجاء الامام وجلس بجوار مقبرة آية الله برجردي ، لم يتقدم أحد من الامام حتى بعد انتهاء آخر كلمة في المجلس بعد انتهاء مراسيم التعزية بكاملها ، تقدم الامام نحو الجماهير بدلا من ان يذهب الى السيارة مباشرة ، فاحاطوا به من كل جانب مرة آخرى ، وبشكل لم يكن افضل مما كان عليه في اليوم السابق . ثم تقدم حتى استقل السيارة وفي طريقه الى السيارة ، قال للمرحوم آية الله اشراقي ولحجة الاسلام صانعي : من قال لكم أن تعترضوا الناس وتتركوهم خلف الباب ...
لا تتكرر مثل هذه التصرفات مرة ثانية ، وحدث الشيء نفسه في اليوم الثالث ، ولم يظهر الامام أي استياء لذلك .
كثيرا ما يزور الامام بيوت فضلاء الحوزة وعوائل الشهداء في أحد الليالي كان من المقرر ان يقوم الامام بزيارة أحد علماء الدين حيث يقع بيته في أحد الازقة وعلى طريق فرعي ضيق بحيث لا يمكن مرور سيارة فيه . ذهبنا في البداية لنتحرى وضع الطريق، فوصلنا الى هذه النتيجة وهي انه لا يمكن لأية سيارة ان تمر في هذا الطريق غير سيارة من نوع زيان ( وهي سيارة صغيرة ) فأعددنا هذه السيارة وسررنا بالامام وما ان علم الناس بوجود الامام في هذا الطريق حتى التفوا حول السيارة من أجل التشرف بالنظر الى الامام بحيث لم نكن نرى شيئا ، وفي هذا الجو الحار ، حيث كان  الامام يتصبب عرقا ، تعطلت السيارة ، أصابنا الدوار وما ندري ما يمكن ان نفعله ، وأخيرا راح الناس يدفعون السيارة بأيديهم حتى أوصلوها الى بيت هذا العالم ، وعند العودة ركبنا السيارة نفسها وسرنا خلال تلك الازقة الضيقة حتى وصلنا الشارع الرئيسي ، حيث كان أحد الاخوة قد أعد سيارة آخرى ( من نوع بيكان) وطلبنا من الامام ان يستقلها لان سيارتنا الصغيرة قد تتعطل وان الجو حار جدا ، فرفض الامام وقال : هذه السيارة تسير سيرا حسنا ولا عيب فيها ، وبهذه السيارة سنذهب فتحركنا نحو بيت عائلة الشهيد الواسطي وتكرر الحادث نفسه حتى وصلنا الى البيت وهناك الكثير من قبيل هذه الحوادث .

09-حزيران-2017
استبيان