المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

عن "سماحة العشق".. والذين لم يروا من الشهادة "إلا جميلاً"

أم البنين مصطفى

ظلّلت بالأمس غمامة حفل تأبين الشهيد القائد الحاج علي هادي العاشق والشهيد المجاهد محمد حسن ناصر الدين، الذي أقامه حزب الله في بلدة العين في البقاع الشمالي لمرور أسبوع على استشهادهما. وزّعت الغمامة ظلالها على الحفل تماماً كما يتفيأ المجاهدون وعوائل الشهداء وشعب المقاومة ظلال سماحة السيد حسن نصر الله الوارف.
على امتداد المسيرة المنطلقة منذ العام 1982 ارتبط شعب المقاومة بالقائد ارتباطاً وثيقاً، ويتجلى هذا الارتباط اليوم بأبهى حلله، في هذا الظل المديد لسيد المقاومة وكما يحلو للمحبين أن ينادوه "سماحة العشق".

لعل بعض الشهداء الأجلاء الذين قضوا في أول هذه المسيرة، تسللوا إلى الجبهات دون علم آبائهم حين كانت فكرة الجهاد لا تزال برعمة. يبدو اليوم أن فكرة الجهاد قد أزهرت وأدركت نضجها وأكثر، حتى بات الأهل يطلبون لولدهم الوحيد "إلى حد التمني والترجي والتوسل" (كما عبر السيد نصر الله في كلمته أمس) ليُسمح له بالذهاب إلى جبهات الحرب مع العدو التكفيري تحت لواء رفعه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ـ دامت بركاته.
حفل العين البقاعية الذي غص بعوائل الشهداء، كان حفلاً روحانياً بامتياز.. من أول همسة فيه إلى آخر همسة.

من القبضات والحناجر التي هتفت "ما تركتك يا حسين" إلى العهد الولائي الذي قطعه حسن، نجل الشهيد القائد الحاج عباس العاشق، بأن يكون "عاشقاً" على خطى والده الذي عرفته كل الروابي والجبهات.. وهو الذي لم يمضِ سوى أسبوع على ارتحال والده عنه "لم ير بشهادته إلا جميلاً".

إلى كلمات من القلب من لم يكن لهذا الموقف خير منها، وجهها والد الشهيد محمد حسن ناصر الدين إلى السيد نصر الله: "عذراً سيدي أبا هادي إن كان ما أقوله يدمع عينيك. سيدي لو طلبت منا أغلى ما نملك ما بخلنا بشيء طالما أنت بخير على رأس هذه المسيرة".

وفعلاً دمعت عينا السيد.. هو غير مرة لم يقوَ على الكلام في محضر مثل هؤلاء المضحين، المقدمين فلذات أكبادهم قرابين في سبيل الله. فكانت الغصة تلو الدمعة، ثم يستدرك القائد صلابة موقفه ويتابع الحديث عن شهيد قضى في زهرة شبابه وآخر أمضى زهرة شبابه في الجبهات والمعسكرات وختم عمراً من الجهاد بالشهادة.

السيد وعوائل الشهداء: هو أكثر من قائد

تستطلع في وجوه عوائل الشهداء ملامح نورانية يصعب وصفها أو العثور عليها في وجوه أخرى. يتقد ذلك النور أكثر مع إطلالة الأمين على الأرواح والدماء، كما وصفه بالأمس نجل الشهيد العاشق ووالد الشهيد ناصر الدين وكما يصفه عوائل الشهداء دائماً. كأنما البشرى تهل من وجوههم مع كل كلمة ينطق بها ذلك الرجل الذي ملك القلوب والأرواح والأنفاس.

تلك العلاقة بين السيد والمضحين لا تنفك تشتد أواصرها مع ازدياد التضحيات. "السيد يبكي وتدمع عيناه عندما يعرف باستشهاد أحد الإخوة لا سيما أن أكثر الأخوة هو عاش معهم وخبِرهم وتابعوا سوياً أدق التفاصيل، وهو أب لشهيد وهو يعيش حالة عوائل الشهداء، وهو إنسان في تعامله ليس فقط مع عوائل الشهداء بل مع كل محبيه"، هكذا وبكلام قل ودل تحدث النائب علي المقداد عن كثير من المشاعر التي تفيض في قلب مبارك كقلب سماحته، الذي يخرج من إطار تعاطيه مع جمهوره ومحبيه ولا سيما عوائل الشهداء من إطار القائد إلى أطر أخرى أكثر تفاعلاً وإنسانيةً وحباً وقُرباً. ويضيف المقداد أنه سمع شخصياً وغير مرة من عوائل الشهداء عندما يتصل بهم السيد حسن للتبريك والتعزية وهم يقولون "لقد أنسانا سماحة السيد أننا فقدنا عزيزاً، أنسانا الحزن" وبرأي المقداد "إن هذا ما لا يمكن أن نسمعه من أي شخص في العالم".

هذه العلاقة المفعمة بالحب والولاء والوفاء رأى الحاج طاهر دبوس، صهر الشهيد القائد الحاج علي العاشق، أنها ارتباط ذو شُعب، فهو "ارتباط إنساني بالدرجة الأولى وارتباط عاطفي وارتباط روحي ثم إنه ارتباط فكري عقائدي، إذ إن كل كلمة ينطقها السيد تعبر عن الإسلام الحقيقي ولا أبالغ إذا قلت الآن أنه في عصرنا هو القرآن الناطق". إلى ذلك قال دبوس " كلام السيد يعطينا القوة والدفع ويزيد من حماسنا ويزيدنا عزماً وإصراراً ". وكان للحاج طاهر كلمة بلهجة أشد فصاحة من الفصحى، من القلب إلى القلب الرؤوف: "يا سيد أنفاسك بركة، كلماتك بركة، نظرتك إلنا ولو من خلف الشاشة بركة، يا سيد أنت حسين هذا العصر".

بركة السيد تتظمهر في الكلمات التي تصب في الأفئدة فتخفف عنها شعور الفقد وتساهم مع عوائل الشهداء في تحمل مسؤولية من خلفهم الشهيد لأهله من بعده.

"كبر قلبنا بحكي السيد حسن، هيدا السيد أبو الشهدا، هو مش بس قائد حزب الله هو قائد الولاية، حكي السيد كتير بواسينا وبيخفف عنا، الله يطول بعمره" هكذا عبرت الأخت الكبرى للشهيد القائد العاشق وتذهب والدة الشهيد القائد إلى أكثر من ذلك لتقول "انبسطت كتير بحكي السيد ، رفعلي راسي".

وفيما كانت كل العيون تدمع وهي تسمع كلام القائد، كفكف الكلام نفسه مدمع والدة الشهيد المجاهد محمد حسن ناصر الدين "ما قدرت إبكي لما سمعت السيد لأنو حسيت بعزة كبيرة. الحمد لله إنو الله خصني إنو السيد يحكي بأسبوع إبني، وأنا كنت قوية بس صرت قوية أكتر، وبقلو للسيد كل العيون تدمع وعينك ما تنزل منها دمعة".

فداءً للنهج وفداءً لِعيني السيد

هذا العهد وهذه العبارات لا تفارق ألسنة عوائل الشهداء بأجمعهم. والد الشهيد محمد ناصر الدين كان يتمنى أن يستشهد وولده سوياً في جبهات الحق ويعاتبه قائلاً: "لكنك  تركت والدك وغافلته لتتشرف بلقاء أبي عبد الله الحسين دون والدك وتركتني وحيداً أصارع الدنيا. أما أنت فقد استرحت من غم هذه الدنيا وهمها".
 
ويؤكد الحاج طاهر "أننا سنبقى نقاوم ونجاهد لو فُنينا عن بكرة أبينا وسنبقى على هذا النهج حتى آخر قطرة من دمائنا. كان حريّ على الله أن لا يختم للحاج عباس إلا بالشهادة، فلو أنه توفي على فراش المرض أو في حادث سير لبكيناه دماً. إلا أننا مسرورون للحاج عباس بهذه الخاتمة السعيدة".

النَّفَس عينُه تجده عند كل عوائل الشهداء من إخوانهم وأخواتهم إلى أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم. والد الشهيد عباس قاسم (من شهداء الدفاع المقدس عام 2013) الذي كان حاضراً في أسبوع الشهيدين وبعيون تفيض دمعاً وصدقاً ومشاعر لا حدود لها كاد يجزم أن السيد "جاء من عند الله ليعز هذه الأمة ويرفع قدرها ويخلصنا من كيد كل جبار متغطرس" ويردف قائلاً "أطال الله في عمره فلا يطيب العيش بعده لا والله. ونحن فدا عيونه للسيد".

أما شقيق الشهيد عباس شمص (من الشهداء الأوائل في هذا النهج المقاوم) فلا يزال يتحدث بالعزم والإصرار ذاته إلى يومنا هذا، معتبراً أن "التضحيات مهما كبرت في هذا الطريق تظل قليلة خصوصاً أمام ما يقدمه سماحة السيد للمقاومة".

إنها علاقة أكبر من أن يحدها إطار أو تحوطها دراسات وتحليلات. فاقت علاقةُ سيد المقاومة السيد حسن نصرالله بعوائل الشهداء علاقة القائد بأنصاره والأب بأبنائه والمحب بأحبائه، وصار دون منازع المؤتمن على الأرواح والدماء والأعمار وفلذات الأكباد حتى هانت أمام عينيه التضحيات، كل التضحيات. ولأن طريقه هو الطريق إلى الله لهجت جميع الألسن "اللهم خذ حتى ترضى".

10-تشرين الأول-2017

تعليقات الزوار

استبيان