المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

يوم الشهيد.. معادلة الرمز ومحور التاريخ

محمد الحسيني(*)

يتحدّث علماء النفس الإجتماعي عن الرمز والترميز، ويعتبرون أن الرمزية هي فن التعبير عن الأفكار والعواطف، ليس بوصفها مباشرة ولا بشرحها من خلال مقارنات صريحة وبصورة ملموسة، ولكن بالتلميح إلى ما يمكن أن تكون عليه صورة الواقع المناسب لهذه الأفكار والعواطف، وذلك بإعادة خلقها في الذهن من خلال استخدام رموز غير مشروحة. وغالباً ما يذهب الناس إلى ربط الرمز بالرسوم أو الإشارات أو الألوان، ولكن إذا انطلق الرمز من حيثية زمنية فإنه يصبح مرتبطاً بتأريخ زمني له علاقة بتوقيت حدث ما، فيغدو هذا التاريخ عنواناً لبداية حقبة أو نهاية حقبة، ويتحوّل الرمز التاريخي إلى قالب مصبوب، وهنا تمتزج دلالية هذا الرمز بالشخص كحقيقة تأريخية مكتسبة من تفاصيل ومعاني الواقعة التاريخية، وبذلك يصبح التاريخ رمزاً يختزن الكثير من الأفكار والعواطف ما إن يستذكرها المرء حتى يعيش واقعها وحقيقتها، ويستعيد من خلالها استحضار تفاصيلها، فإما يتنكّر لها أو يؤكد انحيازه لها ويوثّق انتماءه وهويته بها.

اندماج التأريخ بالشخص

وبعيداً عن الاستغراق في العرض النفسي – السوسيولوجي والبحث في مجالات الرمزية والترميز، نقف عند تاريخ حفر واقعاً استراتيجياً في حقبة محوريّة من عمر لبنان، لا تنحصر تأثيراته في الأبعاد المتعلّقة بالأفكار والعواطف أو النوستالجيا التاريخية، بل ارتبط في توقيته وشخصه بمرحلة انعطاف كلّية على مستوى تحديد الوجهة وكينونة الهوية، ورسم طريقاً جديداً تضادّ مع مسارات قهرية كادت أن تتحوّل في ذلك الزمن إلى خيارات قدرية مع تهالك القوى وانسداد الأفق وسقوط العناوين الكبرى، وكادت أن تفرض حقيقة جديدة لزمن جديد عنوانه الاستسلام والهزيمة والتسليم بالأمر الواقع، جاء تاريخ 11/11/1982 ليكسر أطواق الأساطير ويخالف تفاسير المنجّمين في كشف أسرار ازدواجية الرقم الأول، وجاء العنصر الآخر في اندماج التأريخ بالشخص، ليرسم صورة شاب لم يبلغ عشرين سنيّه الربيعية، ويحفر حروف اسمه: أحمد قصير.

هوية المسيرة

اجتمع التاريخ بالشخص، أما الحدث فعملية استشهادية استهدفت مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي الواقع في "بناية عزمي" بمدينة صور.. تلك المدينة الحزينة التي صمتت فيها أصوات المآذن وهدأت أجراس الكنائس، وتعطّلت فيها كل صنوف الحياة، إلى أن أعاد الشاب أحمد الدفء إلى شرايينها في صبيحة ذلك اليوم حين اقتحم بسيارته المفخّخة المقرّ القيادي ـ المعتقل وأحاله ركاماً، وهنا ينضم عنصر جديد إلى رمزية الحدث، من خلال رصد نتيجة الفعل واستكمال أرقام المعادلة التي لمّا تصل إلى تمامها، فالناس التي هلّلت آنذاك للإنجاز الشجاع لم تعرف كيف ومن نفّذ العملية إلى أن جاء تاريخ آخر هو 19/5/1985 ليتم إعلان اسم صانع الحدث وهو أحمد جعفر قصير، أما توقيت الإعلان فجاء بعد أن أثمرت شهادة أحمد ثورة شعبية متنامية وزخماً عسكرياً مقاوماً أنتج انسحاباً إسرائيلياً ليتمترس خلف أسوار شريط شائك، ومتزامناً مع إعلان هوية المسيرة الجهادية: حزب الله.

يوم الشهيد

مئة وواحد وأربعون قتيلاً للإحتلال بين ضابط وجندي، وعشرات آخرون في عداد المفقودين عدا عن الجرحى، هي حصيلة عروج أحمد.. وداخل الكيان الصهيوني حزن ونكبة وتحقيقات ميدانية وارتباك عارم في صفوف المؤسستين العسكرية والأمنية في جيش الاحتلال، وفي المقابل زخم نفسي ودفع معنوي يؤذن بإمكانية القيام وتحقيق الانتصار، فتحرّك الدم الراكد لدى جهات الخوف والتردّد، وأثمرت العزيمة اندفاعاً ملأ جبهات المواجهة، واكتملت عناصر المعادلة بتكريس تاريخ 11/11 يوماً لشهيد حزب الله، وأصبح هذا اليوم مناسبة سنوية ليس فقط لإحياء ذكرى أحمد قصير الذي استحق بجدارة لقب "فاتح عهد الاستشهاديين"، بل لاستعادة كل محطات الانتصار في مسيرة حزب الله والمقاومة الإسلامية التي لم تعرف الهزيمة في تاريخها المجيد، ولاستحضار كل تفاصيل الحقبة التي ارتبطت، ولا تزال، بأزمنة الإقتدار منذ العام 1982 إلى ما شاء الله من التواريخ التي سبقت، والتواريخ التي ستلي.

محور التاريخ

ليس 11/11 مجرد تاريخ وعنوان ليوم الشهيد، ولا مجرد رمز مقترن بشخص وحدث ونتيجة وعنوان، فهو مرتبط أيضاً بذاكرة احتضنت كل حكايا الجهاد التي شارك في صوغها مجاهدون قادة كبار، من رضا حريري إلى غالب عوالي إلى عماد مغنية إلى مصطفى بدر الدين وغيرهم من الذين كان لهم شغف العروج إلى سمو عالم الشهادة، وهم الذين كانوا يغبطون أحمد قصير بسبقه لهم إلى هذا المنتهى الأسمى، وكل واحد منهم أودع لدى أحمد قطعة منه، واستودعه ابتسامة وقبلة وداع وعهد للقاء، ولئن كان أحمد أول الاستشهاديين فإن سمير نور الدين هو أول الشهداء الذين قضوا في مواجهة العدو في خلدة، فهي مسيرة أولياء بعضهم من بعض، وبهم أصبح يوم الشهيد رمزاً لخط جهادي مقدّس ومحوراً لتاريخ يستمد مداده من دماء شهداء وتضحيات جرحى، على امتداد الجبهات من الحدود مع فلسطين المحتلّة إلى مواقع المواجهة في كل محاور الحق.
(*) موقع العهد الإخباري

10-تشرين الثاني-2018

تعليقات الزوار

استبيان