المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

"السني والشيعي": أزمة جيل مضلل لا يفهم قواعد الحرب

خالد رزق

مسلم مصري.. وهذا يعني الكثير فأولاً مسلم المتلازمة مكانياً ومصر تعني أنك في قرارة وجدانك وسطي سَمح، وأنك إذا كنت ممن تجاوزت أعمارهم الخمس وثلاثين عاماً وحتى أطول أعمار المعمرين بيننا، فانت بين أكثر من 99 % من المصريين لا تعرف التشدد ولا الخروج عن فطرة الدين الصحيحة، ولا تتعصب لحساب فئة من المسلمين فبالأساس أنت تعرف أنك مسلم من دون تصنيف، ولو سألوك عن تصنيفك في الإسلام لرددت وبقليل من الثقة مالكي أو حنفي أو حنبلي، وعادة ما تستتبع الأمر بشرح ضروري بأنك وجدت أباك على واحد من هذه المذاهب...

ببساطة حتى لفظ سني لم يكن جارياً على ألسنة المصريين، فكيف بلفظ شيعي وهو ناء عن أرضهم ولهذا فإن هذه الفئة من المصريين يصعب جداً أن تجد فيها نسبة ذات اعتبار لمن يفرقون فعلاً بين مسلم ومسلم على أساس طائفة من الطوائف، وليس أدل على الأمر من أنني وحتى صدر شبابي منذ ما قبل 3 عقود لم أكن أسمع بتوصيف سني إلا على البقال عم محمد السني وتوصيف السني هنا شكلي لأنه كان ملتحي في زمن لم يكن يلتحي فيه عادة سوى رجال الدين وكان يقال عنهم في مصر الشيوخ، أما أنا نفسي فلم أكن اعرف بأني سني ولا غير ذلك فقط كنت أعرف بأني مسلم كما كل المسلمين في أي بقعة من أرض الله.

كل هذا ولا مشكلة ربما سمعنا من أهالينا قصص عن مقابر البهائيين باعتبارها تقع بمناطق نائية بعيدة عن مقابر المسلمين ومقابر المسيحيين المتلاحمة المتداخلة في حالات، وكل ما كان يقال في الأمر وبحياتي وعمري الذي تجاوز الخمسين لم التق بهائياً في مصر أذ ليس لنا الزواج منهم.. لم يلقن المصريين أبداً أن عليهم قتل بشر غير الصهاينة ولأسباب أوضح وأعظم وأهم من أي سطور وكلمات ممكن لكاتب أن يشرحها أو يدلل بها على قطعية رأيه بصواب الأمر.

الذي أقصده بالتحديد أن القسم السائد الأوسع من المصريين فيمن تجاوزوا عتبات الشباب الأولى منهم ليسوا في الغالب ميالين لتعصب ليس فيهم من بذوره شيء لينموا، ليس لطائفة ابداً وأولى بمن كانوا مثلهم ألا يتعصبوا ضد طائفتهم التي فجأة وقبل أكثر من 3 عقود ظهر في الإعلام وعلى ألسنة شيوخهم وحكامهم انتسابها لهم، وسرعان ما بني على أساسات واهية عدائيات لهم موجهة للمسلم المنتمي بالتحديد للطوائف الشيعية.. مع أن هناك غير السنة والشيعة عشرات الفرق وبعضها هم على قدر كفر وإجرام "داعش" وجماعات الوهابية وأكثر...!!

عموماً العداوة التي روج لها منذ قيام الثورة الإيرانية.. شاركت في تعزيزها أخطاء كبرى لبعض جماعات الشيعة على مدى عقود ابتداء من حرب الخليج الأولى مروراً بوقائع انفلاتة ما بعد سقوط بغداد ومشاهد الشماتة في إعدام الرئيس صدام صبيحة عيد الأضحى بما في الأمر من دلالة وأعطت بذلك الزخم لحملات الدعاية السلبية التي استهدفت القطاع الأكبر من المصريين المراهقين والشباب وهؤلاء ولدوا في زمن ما بعد ظهور السني في مقابل الشيعي في مصر ويمثلون نسبة أكبر من 65% من المجتمع المصري و الأسوأ أنهم ولدوا وعاشوا أعمارهم كلها زمن الباس الخنوع ثوب الحكمة ودعايات السلام الاستراتيجي واتهامات كل الحكومات بلا استثناء للمقاومة بالتبعية لإيران على أساس طائفي، وهي الاتهامات التي في حقيقة الأمر لم تكن لتوجه لولا أنهم يتخذونها حجة للتورية على حقيقة تخليهم عن واجباتهم الوطنية والقومية والأممية، والتي لا تصور لتمسكك بها إن كنت تدين وتحارب المقاومة وهي على خط النار خط التصدي الأول والأمل الوحيد في تأثير عسكري داخل الأراضي المحتلة لا على أراضي العرب الحرة بدلاً من أن تدعمها.

استخدم في كتابتي هنا لقراء "العهد" مصر كوني مصري أكثر دراية بحال وطني، ولكن ذلك لا يمنع أن بوسعي وقد قادتني طبيعة عملي على مدى السنوات  للارتحال بين كثير من بلاد الدنيا أزعم أن حال التسامح الأول للمسلمين السنة هو عام في كثير من بلداننا.. والاختلاف نفسه في وجدان الأجيال بكل واحد من هذه البلدان قائم، وعليه لم استنكف وانا أكتب أن انهج الصراحة المطلقة على طريق الوصول إلى ما أراه تصحيحاً ضرورياً واجباً يستهف الذهنية العامة لشباب العرب شيعتهم وسنتهم.. الكل وبلا استثناء.

وفي هذا يكون العمل على محورين أولهما إعادة تقديم تعريف قضيتنا الأممية إلى أجيال لم يصلها عن المقاومة في أكثر الحالات غير المشوه.. ولم يصلهم في أكثر الحالات غير أن لـ"إسرائيل" حق بالوجود وإلا فماذا يبرر السفارات والزيارات والعلاقات وكل صور التطبيع المعلن وغير المعلن، وفي المقابل لقنوا أن إيران هي العدو الفارسي الطامع في الوقت ذاته ورغم قوميته الفارسية إلى التوسع على حساب بلاد العرب السنة لأسباب طائفية شيعية.

الكلام قد يبدو شاذا غريباً ولكن الأكيد أن كل المتناقضات يمكن في دواليب السياسة والاعلام أن تجمعها في ملف اتهام واحد وتقدمها للعامة تدليلاً على زيف وإفك تريد تمريره و تسويقه، كأن ترفرف اعلام الكيان في عواصم الخليج وبحر العرب ويقدم لنا الغلمان مبررات الأمر وتقبلها شعوبهم من دون ملمح اعترض واحد .. الأكيد أن سنوات التجهيل وغرس الزيف أثمرت.

وعليه وما لم يكن متصوراً أننا حتى نقف لحظات لنبحثه ولنناقشه يستدعي منا اليوم وأقصد كل مسلم ومسيحي متسامح ويعرف قضية امته وبوجدانه أن "إسرائيل" إلى زوال وبأن له دور في المواجهة، عارف بأولويات ومقتضيات المواجهة وأن المقاومة واجب وحق عليه أن يعمل ليصحح الخائب وليعدل المائل إن أمكن.. فالثابت أن المقاومة عربية لبنانية وأن معسكر المقاومة لم يكن يستظل سوى ببلاد محور المقاومة سوريا وإيران، ولأسباب ورغم وضوحها ينبغي عرضها بكثافة وتكرار.

مهم أن نفهم هنا أن ساحات المواجهة الدعائية إن أدركت كمقاومة مدى تأثيرها في تصحيح الكثير عند من هم فعلاً أبناء لهذه الأمة وإن أدركت أن الأمة هي لا شك ستحتاجهم في حرب ربما تستمر بقادم من أيام لا يكون أحدنا فيها حياً وتكون أكثر اتساعاً وشمولاً من ساحات الشمال ولا استثني في ذلك بقعة من أرضينا من الخليج إلى المحيط.. فلا تحترم أمة وتبقى إذا ما تخلت عن الأطراف وانتقلت الصراعات إلى قلبها.

والمحور المهم الثاني هو تصحيح المفاهيم عن المواجهة بين المقاومة وبين جماعات التكفير كمواجهة وجودية مع الشر في منتهاه لا مواجهة سنية شيعية.

الأهم وربما يغضب الأمر كثير من رجال الدين من الفريقين أتمنى عليكم كف أذاكم عن المسلمين.. أتمنى عليكم كف أذاكم عن لبنان وعن سورية والعراق ومصر وعن أهل الحجاز وجزيرة العرب.. أتمنى عليكم سكوتاً وتوارياً ليس معقولاً أبداً أن نكون في حرب مع عدو أذلنا مرات ونعلم جميعاً أن نهاية الدنيا لن تكون إلا بعد أن نمحيه من الوجود وتحدثونا عن سني وشيعي فتحرموا الأمة تضافر مدخلات قوتها كلها في حرب المصير لكل من قال لا إله إلا الله ولكل من تبع المسيح في مهبطه.. اكفونا مددكم لبني صهيون.

أعرف أني أطلب من محور مقاومة وهو في كل اتجاه يحارب ويحارب تحمل أعباء أكثر ولكن بقاء القضية في الوجدان العربي وسياقات المواجهة الصحيحة انطلاقا من مقاومة تنغص على العدو مقامه بين ظهرانينا وتحرمه الاستقرار على أرضنا العربية المحتلة وصولاً إلى حرب شاملة تشارك فيها الأمة بجيوشها ومقاومتها يستدعي الإثقال.. وإن كنت شخصياً لا أرى في الأمر أكثر من ساحة من ساحات المواجهة أتصور ترحب المقاومة بها.. لا نريد أجيال لا تعرف ضرورات الحرب ومقتضياتها.

(*) نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار المصرية

01-كانون الأول-2018

تعليقات الزوار

استبيان