المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

معادلة ذهبية رُصِّعت بالأحمر

هدى رحمة

يوم استشهد ابنه حسين في حزيران/يونيو من العام 2014، وقف الأب أمام وفد حزب الله وقال: "أنا عندي 5 شباب، قدمت أول شهيد وبعد عندي 4، وأنا وولادي كلهن فدا هالخط وفدا هالنهج وفدا أهل البيت."
بعد أربعة أشهر، في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، يوم استشهد ابنه إيهاب، وقف الأب أمام وفد قيادة الجيش وكرر وأكد: "أنا طبقت المعادلة الذهبية اللي بتقول جيش وشعب ومقاومه، قدمت إبني شهيد بالمقاومه، وقدمت إبني شهيد بالجيش، بعد أنا من الشعب إذا بتسمحولي وأنا بتمنى منكن وبطلب منكن يكون إلي دور دافع متل ما ولادي دافعوا وإستشهد."
هو حسين، الشمعة الأولى في العائلة، الأخ الأكبر، الحضن والسند والملجأ. تقول الأم: "الفرحة كانت كبيرة بالأمومة للمرة الأولى، تعلقنا به كثيراً، وكنا دائماً نعتمد عليه، حين كنت أغيب عن المنزل كنت أطمئن أن حسين سيهتم بإخوته." يقول رامي: "حسين كان الأخ الأكبر والصديق المقرب، كان يتعاطى مع كل منا بناءً لطبعه، إيهاب كان يملك فائضاً في الطيبة والحنان، وكان حسين يتعامل معه على هذا الأساس." كان إيهاب يقصد أخاه الاكبر حسين بأي مسألة عالقة، يشكي له همومه، وحسين يتصدى لها.
يقول مختار بلدة الحلانية الحاج علي الحلاني نقلاً عن الأب أنه حين تلقى حسين اتصال الإلتحاق بالجبهة وكان مخيراً حينها في الذهاب أو عدمه، أجاب فوراً بالموافقة وبسعادة عارمة وكأنه ذاهبٌ إلى الجنة، وبدأ بتحضير حقيبته. أحس الأب يوم ودع كبيره حسين أنه أودع قلبه معه.
استشهد حسين عند صلاة المغرب ليلة الجمعة وليلة الخامس عشر من شعبان، ليكون التشييع في اليوم التالي، في ذكرى ولادة المنتظر المهدي (عج) الذي نصره شهيداً وهو "ثار الله"، وهو، فاتح باب الشهادة في قريته الحلانية، فهو الشهيد الأول فيها.
أوصل الحاج علي/ أبو حسين خبر شهادة حسين لإخوته بعبارة "استشهد خيكن، استشهد بيكن." وذلك لما كان حسين يمثله بالنسبة لإخوته.
الأم التي طالما كانت تؤرقها فكرة أن يستشهد حسين أو يصيبه مكروه، استقبلت الخبر بفرحٍ وفخر، وركعتي شكر.
في التشييع المهيب لحسين، ظل إيهاب بين معانقاً السيارة التي تحمل جثمان أخاه وملجأه، ودموعه تحكي رهبة فراقٍ وشوق، وبين حاملاً نعشه الاصفر وقبضته تعاهده على التمسك بما نهله منه، بالدفاع عن الأرض والعرض.
كان لاستشهاد حسين وقعاً كبيراً في نفوس أبناء بلدة الحلانية. يقول المختار الحاج علي الحلاني: "استشهاد حسين صنع نهضةً في القرية كونه الشهيد الأول، ولحسين آثار بين ابناء القرية وشبابها منذ ما قبل استشهاده، والأثر والإندفاع تضاعف بعد استشهاده، لم يكد يخلو بيت في الحلانية من صورة الشهيد حسين، فهذه القرية كانت وتبقى وفيةً لدماء الشهداء وخط المقاومة."
يقول رامي أن أخاه إيهاب شعر بخسارة الأخ والصديق والملجأ بعد استشهاد أخاهما حسين، وكان دائماً يردد له "مش قادر كفي إذا ما كنت أنا وحسين." زاد اندفاع إيهاب، ودعاءه، وقربه من الله، كأن روحه تحدثه أنه لن يمكث كثيراً بعد شهادة حسين.
بعد أربعة أشهر، وعلى ذات اليد التكفيرية، وذات الإرهاب، دارت معركة بين جنود للجيش اللبناني وبينهم الجندي إيهاب، وبين التكفيريين، في منطقة بحنين شمال طرابلس. واستشهد إيهاب جندياً في الجيش اللبناني، مدافعاً عن أرض وطنه وأمانه.
كان ذلك في اليوم الأول من شهر محرم، أيام انتصار الدم على السيف، والحق على الباطل، وكان الأهل في حسينية البلدة يستمعون للمجلس الحسيني، ليصلهم خبر استشهاد ابنهم الثاني، مناصراً الحق، ويكون أيضاً الشهيد الثاني في القرية. ويُشيع في البلدة مكللاً بالعلم اللبناني، شهيداً ملء عين الوطن.
في قريةٍ وادعةٍ واحدة، وفي منزلٍ واحد، زُفَّ شهيدين، الأول بالراية الصفراء، والثاني بالعلم اللبناني، التربية ذاتها، فالقضية نفسها، والعدو نفسه، هي معادلة ناصعة ذهبية، تضيء قلوب الأوفياء لها، وتعمي قلوب المتربصين بها.
تقول الأم: "بأول محرم عم بسمع مجلس، بيقولو عيطو لإم الشهيد، وبيجيني خبر إبني التاني الشهيد إيهاب، الله بيصبر، وطلبي الوحيد من الله يجمعني فيهن بالآخره، بالنهاية هيدا الطريق الصح، نحنا منركض بالدنيا مين بدو يتوظف ومنركض ع المراتب، بس الحقيقه هيدا الطريق الصح يللي اختاروه، هيدي الدنيا فانيه، الله يرضى عليهن، عز وفخر."
يقول المختار الحاج علي الحلاني: "استشهاد الشهيد إيهاب عاد وأعطى إندفاع وعزم أكبر في النفوس، والحاج أبو حسين كان من المشجعين لأبناءه، لم يمانع أبداً أن يذهبوا في أي اتجاه في خط الدفاع، وكان مفتخراً بولديه الشهيدين، كان فعلاً مصدر قوةٍ لنا."
بعد ثلاث سنوات شوق، جاور الحاج أبو حسين ضريحي ولديه، حسين وإيهاب، وعلى رخامة ضريحه لقب العز والفخر المضاعفين "والد الشهيدين"، فأبو حسين عانق فلذتيه.
يقول رامي أخ الشهيدين: "بدي قول لسماحة السيد حسن نصرالله، إنت ذكرت المعادلة الدهبية جيش وشعب ومقاومه، نحنا إلنا الشرف بهالبيت قدمنا شهيد بالمقاومه، وشهيد بالجيش، ونحنا كلنا الشعب، نحنا كلنا معك يا سيد وعند نداءك رح نلبيك، ومتل ما قال المرحوم بيي بعد في 3 شباب وفي البيئه الحاضنه وكلنا ع النداء يا سيد."

11-آذار-2019

تعليقات الزوار

استبيان