على غير العادة المعمول بها في المواليد، يأخذ الوليد الجديد بين يديه الحانية، ثم ينزل على نحره فيقبله، فيبكي!
ما الخبر يا رسول الله..
ارى هذا النحر الشريف وقد سفكته سيوف الأعداء من الوريد الى الوريد ..
أو يحدث ذلك بابننا الحسين يا أب يا رسول الله..
نعم..
ولم؟..
يقتلوه لأنه يطلب الحق لهذا الدين الحنيف.. يريد ان يحرس الاسلام من ايادي التضليل والتحريف.. يريد ان يحرس الأمة الاسلامية من اشرارها وفجارها.
وهكذا ولد النور في بيت النور في الثالث من شعبان لسنة 4 للهجرة من المدينة المنورة، ومنذ ولادته شهد الرسول الأعظم محمد (ص) ان الحسين بن علي (ع) سيكون الشاهد والشهيد على هذه الأمة، وسيكون الحارس الذي يحمي قيمها الأصيلة من مخالف المفاهيم والقيم الجاهلية.. وسيقدم نحره قرباناً على مذبح الحق والدفاع عن المقدسات.
ولأن الامام الحسين (ع) كان حارس الرسالة الاسلامية وحافظ مناهجها من الاندثار تحت ركام المسلكيات الجاهلية التي سار في سبلها يزيد بن معاوية، فانه لا غرو ولا استغراب ان تجيء الجمهورية الاسلامية في ايران وترصع هذا اليوم العظيم وتمثله كيوم لحرس الثورة الاسلامية.
حراس الثورة الاسلامية كانوا في المقدمة عند اندلاع شرارة الرفض ضد الشاه المقبور واستقاموا وظلوا في مقدمة ابناء الاسلام الذين يحافظون على اركان الجمهورية الاسلامية المقامة على دماء عشرات الالاف منهم، وكانوا كما قال في حقهم الامام الخميني :" اذا لم يكن حرس الثورة لزالت الجمهورية الاسلامية".
هذا الامتياز الذي خصهم به الامام الخميني لا مبالغة فيه أبداً، انما هم كما وصفوا فقد قامت الثورة الاسلامية على اكتافهم، وتستمر بسعيهم وجهدهم وهذه الخاصية التي يتحلون بها كانت هي الوشيحة المتينة التي تسبر غور الزمان والمكان وتعقد مع الامام الحسين (ع) حيث كربلاء المقدسة الولاء والاقتداء، فكان الثالث من شعبان ميلاد حرس الثورة الاسلامية وكانت ايران كربلاء وكل يوم عاشوراء.
من اين نبدأ، اي طريق نسلك، فكل مواقف حرس الثورة الاسلامية تبدأ من كربلاء وتنتهي في كربلاء وتسير في ارض كربلاء.
تجتمع القيادة العسكرية المشتركة للجيش الاسلامي وحرس الثورة الاسلامية ويجري النقاش ويدور عن كيفية انقاذ وحدة عسكرية كاملة من الحصار التي تفرضه القوات البعثية عليها بعد نفاذ عتادهم.. ثم ينتهي النقاش الى طريق مسدود، فخطوط الإمداد قد قطع والجهات الاخرى مزروعة بالألغام وتقع تحت المدى المدفعي للقوات البعثية، ما العمل كل منهم يختم حديثه بهذا التساؤل؟
وفي زحمة النقاش يتهادى هذا التساؤل الى اسماع احد حراس الثورة الاسلامية الذي كان قد امر بالانتقال الى مستشفيات طهران لإخراج ثلاث رصاصات من بطنه في احدى عمليات نصب الكمائن.
لم يمهل نفسه وجسمه فرصة الاستراحة، انسل من المستشفى الذي يقيم فيه متوجهاً نحو غرفة القيادة العسكرية.. يطرق الباب.. ماذا تريد؟ الحل عندي.. وأي حل؟ حل انقاذ اخوتي من الحصار.. وأي حصار ومن الذي انبأك بذلك؟ لا يهم من اين استلقيت الخبر.. ما أرجوه منكم ان أشير عليكم بحل.
استمعت القيادة اليه الا انها استبعدت هذا الحل لصعوبته.. أصرّ عليهم بأنه سيكون رائد خطته.. وضعوا له العراقيل.. قالوا لا نسمح بذلك فجرحك بعد لم يندمل.. والرصاصات لما تخرج.. الحّ عليهم.. واجهوه بالممانعة فما ينويه اقل من ان يصدق، عليه من النجاح وكيف يقدر على ذلك؟
اذعنوا له.. ليس لمتانة خطته وانما لاستحالة الحلول الأخرى، سار بالشاحنة والعيون تتلهف لرؤية شهامته واصراره.. لا يمكن ان ينجح انه ذاهب الى الموت.. ويسير وسط الألغام وقد حمل روحه فوق كفه لا
يلوي على شيء سوى ان يوصل الامدادات الى الوحدة المحاصرة.. ويستشهد زميله الأول ثم الثاني.. ويظل هو ماض في الحركة وسط كثبان الألغام.. تستمر القذائف المجرمة تلاحقه لكنه يستمر.
ومن بعيد يرى الضابط الوحدة المحاصرة شاحنة تتجه نحوهم.. ظنوها عراقية. ولكن اين للعراق أن يأتي في غابة من حقول الألغام؟ هل هي ايرانية؟ لا سيدي لا يمكن.. الطريق اصعب من ان تمر بها شاحنة؟
ووسط القصف البعثي المكثف عليهم يصبح الضابط وهو ينظر من خلال المنظار انها ايرانية.. تلك هي رموزنا تزين مقدمة الشاحنة.
وقريب من الموقع المحاصر تقف الشاحنة ويهرول اليها الضابط مع نفر من الرتب العسكرية.. يفتح باب الشاحنة ليصافح ويعانق هذا البطل الذي أنقذهم من المحنة، توقف الضابط فجأة.. انه ميت.. مات البطل حارس الثورة الاسلامية لم يمت برصاص قصف جيش صدام مات متأثراً بجراحه السابقة.
هذه واحدة من الصور الرائعة لحراس الثورة الاسلامية وقد وقعت فعلاً الصورة التي نجد مثلها في كربلاء عند اصحاب الحسين (ع) اولئك الذين قال عنهم سيد الشهداء لم ار اصحاباً خيراً من اصحابي.
يقف احدهم وهو عباس بن شبيب الشاكري فيدعو القوم الى اتخاذ سبيل الارشاد فيجيبوه بلحن النبال والرماح، فيشد على المئة والمئتين منهم فيقتل أعظم مقتلة منهم ويفر الآخرون.. وتتكرر الحالة مرة وثانية واخرى.. فيخلع عن جسمه اللباس العسكري متجرداً بسيفه وصدره فيلتفت اليه احدهم ما تفعل يا عابس هل جننت؟! نعم يا اخي (ان حب الحسين اجنني).
ويصدق الشاعر فيهم حين يقول:
قوم اذا نودوا لدفع ملمة
والخيل بين مدعس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا
يتهافتون على ذهاب الأنفس
ماذا يكتب حارس الثورة الاسلامية في وصيته حينما يتوجه الى جبهات القتال؟ اترى يوصي بما له؟ اذا فعل ذلك فانه يطلب اهداءه الى الثورة الاسلامية..
أيوصي بأهله خيراً فانه يوصيهم باتباع خطه.
اذن .. ماذا يوصي المقاتل اخاه المقاتل.. انه يقول له "اوصيك ان تسير على نهج الامام الخميني وتنصره".
ان الامام الذي اعطوه مقدماً ولاءهم وطاعتهم ونصرتهم له، لا ينفكون ابداً من الاشارة عند الاستشهاد بنصرته.
يسقط احد حراس الثورة الاسلامية في عمليات تحرير خرمشهر (خونين) وقد انغرست في جسده شظايا احدى المدافع يقترب احدهم منه وطلب منه ان يوصيه بما يرغب فتخرج الكلمات من فمه ثقيلة متقطعة، يا أخي اوصيك بالإمام الخميني لا تتركوه وحيداً.
هذه الحادثة رأتها الملايين من على شاشات التلفزيون وكأننا ننظر من خلال خرمشهر الى كربلاء ومن أيامنا تلك الى العام 61 هـ.
هناك في تلك الصحراء وبعد معركة طاحنة غير متكافئة يهوي مسلم بن عوسجة الى الأرض صريعاً وبه رمق من الحياة فمشى اليه الامام الحسين ومعه حبيب بن مظاهر الأسدي فقال له الحسين (ع) رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ودنا منه حبيب وقال عز عليّ مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنة.. فقال له مسلم قولاً ضعيفاً بشرك الله بخير..
ثم قال له حبيب لولا اني اعلم اني في الأثر لأحببت ان توصيني بكل ما أهمك فقال له مسلم: فإني اوصيك بهذا وأشار الى الحسين (ع) فقاتل دونه حتى تموت.. فقال له حبيب لأنعمنك عيناً ثم مات رضوان الله عليه.
نصروك احياء وعند مماتهم
يوصي بنصرتك الشفيق شفيقا
اوصي ابن عوسجة حبياً قال قاتل
دونه حتى الحمام تذوقا
هذه صورة اخرى للروحية التي يمتلكها حراس الثورة الاسلامية في ايران، الذين يحتفلون في الثالث من شعبان بيوم تشكيل وحدتهم.. وهي ذات الروحية التي ظللت أصحاب الحسين (ع).
وكما نناجي الحسين (ع) وأصحابه في زيارة عاشوراء حين نقول (يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) هذه الأمنية هي عينها التي يرجوها كل فرد في الجمهورية الاسملاية ليصبح احد افراد حرس الثورة الاسلامية.
ولأن حارس الثورة الاسلامية كان بحق ذا مكانة عظيمة فان الامام الخميني يبرز مكانة حارس الاسلام ويقول (يا ليتني كنت واحداً من حراس الثورة).
وعندما باتوا طالبين الدعاء منه ليستجيب لهم الله بالفوز بالشهادة والجنة.. يطرق قائد الثورة الاسلامية برأسه الى الأرض وتعلوه الحمرة ثم يقول (أنا أخجل من نفسي حينما اتصفح هذه الوجوه النيرة) ثم لا يجد هؤلاء الجالسون امامه الا البكاء والنحيب.
امثال هؤلاء سوف لا يبكيهم الله يوم الفزع الأكبر ايماناً بقول الرسول الأكرم (ص) كل عين باكية يوم القيامة الا ثلاث اعين؟ عين بكت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله وعين باتت ساهرة في سبيل الله.
انهم العيون الساهرة للأمة الاسلامية وللإسلام العزيز.. وانهم امتداد لأولئك البررة الذين اجابوا استغاثة الحسين.. (نفوسنا لنفسك الفداء.. دماؤنا لدمك الوقاء.. فو الله لن يصل اليك والى حرمك سوء وفينا عرق ينبض) وهم حضور في الملمات شاخصة ابدانهم وارواحهم الى نصرة الاسلام.