عبير بسام
"إيران لن تبدأ حرباً"، هذا ما أكده السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، خلال المقابلة التي أجراها على تلفزيون المنار في الثاني عشر من هذا الشهر. ويبدو أنه وبحسب السيد فإن الرئيس الأميركي والبنتاعون لا يريدونها أيضاً. والأسباب التي تمنع من قيام الحرب ليس كرم الأخلاق الأميركي ولكن قوة الردع التي تتمتع بها إيران اليوم. فقد أثبت إسقاط طائرة التجسس الأميركية القدرة الإيرانية على الردع، والتي جاء وقوعها صادماً للإدارة الأميركية ولصناع السلاح والتكنولوجيا على حد سواء.
قوة الردع الإيرانية ترتبط بعاملين أساسيين بحسب السيد نصرالله: الأول، البنية المجتمعية والقوة العسكرية في إيران؛ والثاني، يتعلق بموقف محور المقاومة مجتمعاً، والذي يمكنه أن يشعل المنطقة ويحرق وبشكل خاص الكيان الصهيوني، الذي لن يتسنى له البقاء على الحياد. أما بالنسبة للعامل الأول، فإن إيران دولة متماسكة من حيث البنية المجتمعية، وإن كان هناك من هو معارض للنظام الحالي في إيران، إلا أن الإيراني لديه إحساس عال بمواطنته وبدولته، ولن يرضى أن تكون عرضة للإحتلالات والضربات العسكرية، وحتى التفاوض تحت الحصار.
وإيران دولة صناعية كبيرة ومن أهم الصناعات التي طورتها الثورة الإيرانية خلال الثلاثين سنة الماضية، صناعة السلاح. ولا يتوقف الأمر عند القوة العسكرية الصاروخية التي تملكها ومنها الصواريخ ذات المدى الطويل والعابرة للقارات، ويصل فيها مدى الصاروخ "شهاب 6" إلى 10 آلاف كيلو متر، اذ يمكنه تهديد السواحل الأميركية. هذا ما خلا تقييم الجيش الإيراني على أنه أحد أقوى الجيوش على المستوى العالمي: اذ يحتل الجيش الإيراني المرتبة 13 عالمياً، فيما يحتل جيش الكيان الصهيوني المرتبة 16 عالمياً، وذلك بحسب التقرير الذي نشرته مؤسسة "غلوبال فاير باورز" المتخصصة في الشؤون العسكرية وصنفت من خلاله جيوش العالم في العام 2018. وبالتالي فإن ما منع أمريكا من الرّد على إسقاط طائرة التجسس، بحسب السيد نصرالله، هو التهديد الإيراني بضرب أهداف أميركية، في وقت جاءت فيه التقارير العسكرية تؤكد قدرة إيران على الرّد في داخل الحدود الأميركية وفي خارجها.
وأما العامل الثاني، الذي تحدث عنه السيد نصرالله، والذي يشكل قوة لا يستهان بها، هو محور المقاومة. حيث أثبت المحور فعاليته وبقوة في العام 2006 في حرب تموز الإسرائيلية على لبنان، وحديثاً من خلال الهجوم الفاشل الذي نفذه الإسرائيلي على غزة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2018. فإيران ليست وحدها، وهي جزء من منظومة أخذت على عاتقها الدفاع عن كيانها ووجودها واستقلالها وحريتها. وهذه الأهداف ليست حبراً على ورق بل أكدها ثبات المقاومة في فلسطين ولبنان، وصمود سوريا وانتصاراتها خلال السنوات الثمان الماضية. وأما تراجع كل من إيران أو المحور عن المبادرة بالحرب على إسرائيل فليس مرده إلى ضعف أو تقاعس، ولكن الأمر له بالتاكيد علاقة بترتيب الأولويات.
العامل العسكري لا يعد العامل الوحيد في قدرة إيران على ردع الأميركي، اذ أن القيادة السياسية في إيران تعد من القيادات القادرة على تقييم الأمور، والرد بشكل مدروس وفاعل وجريء. فإيران عمقت علاقاتها في الجوار، كما في قارة آسيا، وخاصة مع كل من الصين وروسيا والهند واليابان. كما أن سياسة النفس الطويل التي تتمتع بها القيادة الإيرانية جعلتها أقدر على إتخاذ المواقف وتقييم مواعيد التنفيذ ووضع الخطط اللازمة. وهذا ما جعل الإيراني يفرض على الأوروبيين التحرك من أجل مواجهة العقوبات الأميركية، وذلك من خلال تجزئة خطة مواجهة الإنسحاب الأميركي من الإتفاق ووضع برنامج زمني يبدأ بتحديد رفع الإنتاج من اليورانيوم المخضب وزيادة التخصيب، إلى إعادة تشغيل المفاعلات التي أوقفت بموجب الإتفاق النووي في مفاعلي فورنو وأراك، وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي. وعلى الرغم من إعلان الأوروبي أن إيران لن تكون قادرة على إنتاج القوة النووية قبل عام من إعادة تفعيل المفاعلين الأخيرين، إلا أن المبادرات وأولها الفرنسية، قد بدأت بالتدافع نحو إيران من أجل تدارك الموقف.
والأكثر من ذلك، فإن إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 12/7 عن استعداد إيران للقبول بالمحادثات، جاء ضمن الفضاء الزمني والسياسي التي إرتأته إيران مناسباً لها. ولكن عودتها لقبول الحوار جاء مشروطاً بعودة أمريكا إلى الإتفاق النووي الذي انسحبت منه في العام 2015 ورفعت العقوبات الإقتصادية عن إيران. كما جاء متلازماً مع إعلان كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا التزامهن بالإتفاق النووي، والتحذير من مخاطر انهياره. ولكنها رفضت المحادثات على أساس عدم وجود شروط مسبقة كما دعا إليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عام تقريباً.
لم تقبل الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها مايك بامبيو المحادثات على الأساس الذي طرحه الرئيس روحاني. ولكن في الوقت ذاته يعلن البيت الأبيض أنه لن يسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية، وأنها تجاوزت السقف مخزونها من اليورانيوم المخصب المنصوص عليه في اتفاق العام 2015. أي أن الأميركي لا يستطيع إعلان الحرب على إيران، بالطريقة التي أعلنها على العراق بحجة أسلحة الدمار الشامل، وقد خرج من الإتفاق النووي، ولكنه في الوقت ذاته يعود إلى نصوص الإتفاق من أجل تهديد إيران، واستتنفار الأوروبيين، وكأنه يدور في حلقة مفرغة لن يكون بإمكانه الخروج منها إلا بالجلوس مع الإيرانيين والتفاوض ضمن شروط إيران المسبقة.
في نهاية المطاف، لأميركا تجربة غير موفقة في منطقة الشرق الأوسط في العراق. ومنذ غزو العراق في العام 2003 وحتى خروج الأميركي في العام 2011 لم تكن التجربة على حجم التوقعات الأميركية. فالإحتلال الأميركي وبعد احتلال دام ثمان سنوات لم يستطع أن يحقق خلالها أي من أهدافه، ومنها إيجاد شرخ في محور المقاومة، وحصار إيران وسوريا، وأخطرها تقسيم العراق. يقع التقسيم في إطار مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي ما فتئ السيد نصرالله ينبه من مخاطره وأثره في إضعاف الشرق بشكل عام وعالمنا العربي بشكل خاص لصالح المشروع الأميركي الصهيوني والعقائدي في إقامة دولة يهودية آمنه. لكن المحور المقاوم متيقظ له دائماً.