المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

الثَالثُ من آل "الدحنون"

محمد حسين خازم

"فعهدًا لشُهدائنا الأبرَار لشيخ الشُهدَاء راغِب حَرب وللسيّد عبداللَطيف الأمين أننَا سنُتَابع السّير على هذا الدّرب، درب المُقاومة الإسلاميّة.."
هذهِ الكلمات ليسَت من وصيّة أحد الشُهدَاء، بل لرضا حجازي أخُ الشهيدين محمد وأحمد حجازي "الدحنونين" في شباط/ فبراير ١٩٨٦. رضَا الشَاب الذي تظهرُ عليه علامات التديُّن والرُوح الخُمينيّة تنبعثُ من بين كلمَاته.

تبدأ الحكايَة من بداية الطَريق، شقَّت "إسرائيل" طريقُها إلى بيروت بأشلاء المظلومين. كانَ ذلك في حزيران/ يونيو ١٩٨٢. ثُلَّة آمنت بربها وبسلاحِ إيمانها إستقبلت الغُزاة في خلدة، محمَّد حجازي واحدٌ من هؤلاء. ينتقلُ بينَ المحاور مُدافعًا عن الضَّاحية الجنوبية ومُشاركةً بإنتفاضة ٦ شباط مع إخوانه المؤمنين. نادى يومها "الدحنون الكَبير" بجموع الفئويين: "واللهِ إننا لا نُقاتلكم بسلاحنا بل بقوّة إيماننا، ما السّلاحُ بين أيدينا إلَّا وسيلة". كانَ لمُحمّد الحضور الفعّال في الساحة الإسلامية، فلازم آية الله السيّد محمد حسين فضل الله (رض).
وبعدَ أن أدّى قسطهُ لمسيرة حزب الله ترجَّل عن صهوةَ جواده، ليُصبحَ الشّهيد الأول في منزل الحاج "عبد حجازي". كانَ ذلك في تمّوز/ يوليو من عام ١٩٨٤.

وفي الفَصل الثاني من الحكاية، لم يكُن "أحمَد" الفتى المُتأثر بشخصية أخيه بعيدًا عن المشهَد، حيثُ كان أحمد يشارك أخاه جلسة السّاتر وهو لم يبلُغ الرابعة عشر من عمره! ومع الشهيدين محمّد ويوسف حدرج كانت الأرض تتهيأ لبداية العمل الجِهَادي. وبعدَ أن نالَ مُحمّدٌ أخاه المُنى، قررَ أحمد التفرُّغ للعمل الجهادي في الجنوب. ظلَ أحمد سنةً وأشهرًا خمس يتنقلُ بينَ الثغور يعدُّ الكمائن للعَدو وُعملاءه حتّى التحقَ بأخيه الأكبر في عمليةٍ ببلدة كفرا استشهد فيها مع الشَهيد محمّد يوسف "المفتي"، والمفتي حكايةٌ أُخرى من حكايات المقاومة.

تزيّنت الدَارُ بشهيدين من خيرة الشّباب. ثمَ كرّت سُبحةُ الإنتصارات فكانَ التحرير وكان النصرُ المُخضّب في آب/ أغسطس ٢٠٠٦. ظنَ الجميعُ أن باب حديقة الشهادة قد أُغلِق لهذه العائلة فهي قدمَت شهيدين، ولكن...

شكلَت الحرب على سورية بيئةً مُعادية للمُقاومة وأهلها الآمنين، فبدأت عصاباتُ الباطِل بإرسال هدايا الموت إلى أهلنا في الضّاحية الجنوبية. إحداها في شارع الإستشهادي أحمد قصير أو ما يُعرَف بالشّارع "العريض". بالعودة إلى بداية الحكاية، صُدف وجود "الحاج رضا" في المكَان. نفسُ الشّاب ذو الملامح الثائرة والرُوح الإسلاميّة. أدى الانفجار إلى دخوله في مرحلة الموت السريري. خمسُ سنوات عاشهَا الحاج رضا بينَ عالمنا وعالم إخوتهِ الشهداء. يمسحُ محمّد على رأسه تارةً. وتارةً أخرى يطالبهُ أحمد بالإستعجال فالكلُ بالإنتظار هناك. حتّى أتمَّ الحاج رضا جهادَ صبره ففتحَ ذراعيه للشّهادة وأغمضَ عينه عن فناء الدُنيا. ليُرزَق هذا البيتُ شهيدًا ثالثًا بعد ٣٤ عامًا!

قدَمَ منزلُ الحاج "عبد حجازي" الصّغير للمُقاومة كلّ ما يملك، وفي كلّ المعارك التي خاضتها كانَ لهُ حصّة، ضد الفئويين والصهاينة والتكفيريين. لم يبخل هذَا البيتُ عن تقديم ضريبة الدّم التي لا تعلوها ضريبة في لحظةٍ يتجلّى فيها إخلاصُ أهل المقاومة، لعلّهُ اللقاء الأجمل بعد ٣٤ عام، ولعلَّ الأعراس لا تزالُ قائمةً في جنان الله حتّى كتابة هذه الكلمات، لقد إلتم شملُ الأحبَّة.

21-كانون الأول-2019

تعليقات الزوار

استبيان