المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


خاص مقاومة

"معراج" .. عن قصّة الصّمود في آمرلي

محمد علي - مدير دار "المودة" للترجمة والتحقيق والنشر

حين تقف في جغرافيا النّضال وتسمع مرويّات من عايشها، فأنت ستشهد بروحك وقلبك وعقلك وجوارحك لحظة العروج الذّاتية.

أن تستمع إلى قصص الأرض يعني أن تحفظَ ذاكرتها وتجعلَها خارج المكان لتُصبِحَ بحدّ ذاتها عنوانًا وفكرة تستمدّ منهما كلّ الأجيال ما عاشه الآباء، وتصبحَ مدرسة تروي لنا قصصهم وقيمهم وما ضحّوا لأجله .

"معراج" مغامرة واثقة من نفسها، اتّخذت من آمرلي(1) الصّمود في أرض العراق متحفًا حيًا تصحب روّاده في جولة على محاور الجبهات.

أثناء تجوالك في هذه الأرض الخشنة، ستستمع إلى مرويّات وأحاديث آباء الشّهداء، وسكّان المنطقة، وعجوز رفضت أن تغادر منزلها، وأب قَدّم أولاده كلّهم شهداء، وعقدة كل الحكايا ملحمة الحاجّين، الحاج أبو مهدي المهندس وحاج كرمان حين هبطا بالطّائرة المروحية في آمرلي، وكانت كلّها مُحاصَرة، ورفضا أن يغادراها إلى أنْ حُرِّرَت كلّها، وستخبرك الصّخرة(2)  التي اتّكآ عليها عن رجال التّحرير والصّمود والانتصارات.

هذا العمل نتاجٌ لقرار اتّخذه عدد من المناضلين بأن يمارسوًا نوعًا متقدّمًا في حفظ ذاكرة المكان عبر سرديّات شفهيّة لسكّان منطقة آمرلي التّركمان الّذين صدّوا هجوم التّكفيريّين عن منطقتهم، وحرّروها بعد أكثر من 80 يومًا من الحصار المُطبق في أواخر شهر آب/ أغسطس عام 2014.

يروي لنا أحد المشاركين الأساسيّين كيف تحدّوا كل الأخطار الأمنية والإدارية واللّوجستية، وكيف صنعوا هذه الرّحلة التي تستضيف كل من يرغب في المشاركة فيها ليوم كامل، مع المبيت، وكيف مهّدوا الأرض وزيّنوها بعبارات تُلَخّص كل حكايتهم، وكانت الانطلاقة بعبارة "سِرْ في الوادي لتعرجَ نحو السّماء". وعلى الدّرب، ستتعرّف إلى قصة الفداء في عبارة ثانية وهي: "كربلاء تَبْعُد وضوء عشقٍ وصلاة شهيد". وقبل النّهاية، ستعرف أين ينتهي بك المسير حين تقرأ عبارة: "من هنا بدأ تحرير آمرلي وسينطلق نحو القدس".

ويشرح لنا المشرف على الرّحلة أنّ "معراج" حياة طيّبة، بيئة متكاملة من وجهة نظر الشّهداء، تسعى فقط إلى لفت النظر نحو أماكن مقدسة تحمل قيمة أخلاقية وقيمية، وتحافظ على الإنسان والحياة بشكل عام. وستكون نشاطاتها المستقبلية عبر رحلات تُنَظَّم بشكل مركزي في فصلي الرّبيع والخريف من كل عام. ويمكن التّواصل معهم ومعرفة التّفاصيل عبر الهاتف، وكذلك عبر وسائل التّواصل الحديثة (أونلاين)، وحسابات ستُخَصّص في المستقبل على منصّات التّواصل الاجتماعي ليتمكّن الرّاغبون من المشاركة في الرّحلة عبرها إن شاء الله.

هذا العروج في آمرلي الصمود مشروع لحفظ ذاكرة المكان، ومشهد مُختَصَر لحقبة النّضال ضد الجماعات التّكفيريَة التي تمدّدت في المنطقة، وهو يُشَكَل عملًا ثقافيًا ذا دمغة نضاليّة لا بدّ أن تتّسع. وما دمنا نمتلك مثل هذه الأعمال، سنروي بها قصّتنا الحقيقية، ولن نتركها تُنسى أو تموت أو تُسرَق، بل سنحميها، وإن كان المستعمر والمحتل يحترفان سرقة نضالات آبائنا، فللأرض حكايتها الحقيقية، وستُصان بروحيّة وأعمال اولادها.
_________________
(1) آمرلي مدينة صغيرة في العراق، تتبع إداريًا لمحافظة تكريت ولا يتجاوز عدد سكّانها 15 ألف نسمة من التّركمان الشّيعة. بعد سقوط الموصل وسيطرة تنظيم داعش على جميع القرى المحيطة، حوصِرَت آمرلي من قبل آلاف المقاتلين في داعش وقُطِع عنها الماء والغذاء والكهرباء، لكن أهلها قرّروا النّضال وصمدوا في وجه محاولات الاقتحام، ونظّموا أنفسهم في خطوط دفاعية لم يستطع مسلّحو التنظيم اختراقها. تمكنّت قوات المقاومة من الدّخول إليها وتمّ تحريرها وفكّ حصارها في 31 آب 2014.

(2) دخل الشهيدان الحاج أبو مهدي المهندس والحاج قاسم سليماني المدينة بواسطة مروحية لإنقاذها من السّقوط، إذ كانت مُحاصَرة من جهاتها الأربعة (360 درجة)، ونظّما القوات المدافعة عن المدينة حتى تمكنت من كسر الحصار، وكانت غرفة العمليات التي أدارها الشّهيدان عبارة عن خيم أو "كونتينر" حديدي مع بساط على الأرض. تجدر الإشارة إلى أنّ تحرير آمرلي كان أحد الأسباب الأولى لسقوط داعش في العراق.

04-شباط-2022

تعليقات الزوار

استبيان