يوسف الشيخ
نعرض في الحلقة الثانية عن ملحمة ميدون لشهادات جنرالات العدو الذين شاركوا في الهجوم على ميدون، وما هي الاثار التي علقت في أذهانهم عن آداء المجاهدين، وما هو تأثير تلك العملية على الوعي العسكري لديهم:
شهد الجنرال أهارون هاليفا، الذي عمل كنقيب وقائد فصيلة في الكتيبة 202، حول إجراءات المعركة أن الغارة على ميدون كانت فصلاً هامًا في حياته العسكرية..وكتب:
في 4 أيار/ مايو 1988 انطلقت عملية "سيدر" التي كان هدفها مهاجمة "الإرهابيين" وتفجير المنشآت وتدمير البنية التحتية في كفر ميدون. كانت العملية هي الجهد الرئيسي في العمل، في شكل معركة مداهمة. لواء المظليين، الذي كان يتدرب في ذلك الوقت في مرتفعات الجولان ، تم اختباره في عملية قتالية سريعة ولكن شاملة. خلال هذا الوقت، كان لدى القوات الوقت للاستعداد في كل من إعداد الأسلحة وتعلم خطة المعركة والتمارين والنماذج: "في هذا السياق لفهم أهمية الممارسة، والتدريب، وإعادة التهيئة، والخطاب. هذا الشيء الذي يسمى القيادة أو الأمر، والذي يبدو واضحًا للبعض منا ،عليك أن تستثمر فيه وتفعله.
في النهاية، كل ما تدرسه في دورة الضباط يحدث لك فجأة".
قال رئيس أركان جيش العدو المقدم مظلي دان شومرون في ملخص عملية "القانون والنظام": "أرى هذه القضية برمتها من الحرب على الإرهاب، من العمليات الصغيرة إلى العمليات الكبيرة من هذا النوع ، أداة لإعداد الجيش للحرب".
العميد مظلي شاؤول موفاز قائد اللواء 35 مظلي والقائد الميداني لعملية ميدون
بين الصفحتين (107 و115) من مذكراته "رحلتي الإسرائيلية" يروي وزير الحرب ورئيس الاركان السابق وقائد عملية اجتياح ميدون عام 1988 العميد مظلي شاؤول موفاز قائد لواء النخبة المظليين 35 تفاصيل ما شهده في ذلك اليوم الربيعي من عام 1988 فيقول: "يوم الأربعاء، الرابع من أيار، الساعة الرابعة والنصف فجراً. انتشر المظليون على مرمى حجر من قرية ميدون. وعلى رأس القوة: سرية من الكتيبة ،202 بقيادة تسيون مزراحي. وعلى مسافة أربعين متراً بعد ذلك استلقيت على الأرض الوعرة ، وضابط العمليات مئير كليفي، وقائد الكتيبة 402 مدفعية تسبيكا فوكس. وكان الجميع بانتظار أنوار الصبح الأولى.ولكن قبل أن تنبلج الشمس بدأت الأمور في التشوش. إذ لاحظ موقع مراقبة لحزب الله المظليين وفتح عليهم النار. وأصيب تسيون مزراحي بجروح. وبعد ذلك مات متأثراً بجراحه. كما أن جندي الاتصال المرافق لي شخصياً، ماركو برنشتاين، أصيب بطلقة قناص أصابت ماركو تحت الخوذة، ولقي مصرعه وهو على مسافة أمتار قليلة مني. بل أن دوي الطلقة أسقط جهاز الاتصال من يدي ورغم ضربة النار القاتلة هذه، استمرت العملية. وأمرت قائد عمليات اللواء بالتراجع بضع عشرات من الأمتار. وأطلقت عبر جهاز الاتصال كلمة السر لبدء العملية. فأعطى قائد سرية المدفعية الأمر بإطلاق النار الذي "هز ميدون"، حسب تعبيره. وقال موفاز: "لقد أطلقنا ما لا يقل عن ثلاثة آلاف قذيفة. وكان الهدف من ضربة النار الأولى تحييد أي مقاومة متوقعة من جانب رجال حزب الله ممن كانوا في القرية عند دخول المظليين إليها. وبموازاة ذلك بدأ حزب الله والسوريون المنتشرون في البقاع اللبناني بقصفنا بقذائف هاون ثقيلة".
يتابع موفاز: "قامت المروحيات الحربية الإسرائيلية بقصف وتدمير المدافع السورية من الجو. وكان متوقعاً بعد دقائق طويلة من القصف الجوي الإسرائيلي المكثف أن يكون الدخول إلى ميدون هيناً وأن يحاول رجال حزب الله ممن بقوا على قيد الحياة ونجوا من القذائف الهرب. ولكن هذا لم يحدث, لقد حاربوا فعلاً حتى قطرة الدم الأخيرة وبشجاعة. فالقتال بين المظليين وبين رجال حزب الله دار داخل خنادق القتال وفي الأزقة الضيقة وداخل البيوت، وعلى مسافات قصيرة جداً. حدثني أحد المقاتلين من الكتيبة 202 إنهم أطلقوا النار علينا من كل اتجاه من الرشاشات الثقيلة وبصواريخ آر بي جي. وقد أخطأ أحد هذه الصواريخ بسنتمترات قليلة قائد كتيبتنا، غرشون".
وقد روى اسحق غرشون ذلك قائلاً: "تقريباً لم أنتبه للصاروخ الذي طار فوق رأسي. وخلال التحرك على رأس قوة من سرية ماي في الكتيبة، خرج أمامي مقاتل فعلا من داخل خندق رأيت أنه يحمل قاذف أر بي جي بيده، فأطلقت نحوه بشكل غريزي طلقتين وارتميت على الأرض. في وقت لاحق روى لي الجنود الذين كانوا معي أن الصاروخ الذي أطلقه طار فوق رأسي. وبعد ثوان من الصدام هاجمنا موقعاً لرجال حزب الله وألقينا بداخله قنبلة. وانتقلنا إثر ذلك إلى موقع آخر وألقينا فيه قنبلة، غير أن مقاتلاً آخر كان في الموقع أمسك القنبلة وأعاد إلقاءها نحونا. لم يصب أي من رجالنا نتيجة انفجار هذه القنبلة بجوارنا، فألقينا قنبلة أخرى في الحفرة، ولكن هذه القنبلة أيضا أعيدت إلينا مرة أخرى".
بدراسة أعدها معهد دراسات الأمن القومي (INSS) مستقاة من مؤتمر الاستراتيجية والامن الذي عقده المعهد عام 2013 عرض العميد احتياط غال هيرش قائد الفرقة 91 في حرب تموز/ يوليو 2006 والذي كان نقيباً عام 1988 ملاحظاته حول عملية "سيدر 1988" في محاضرة ألقاها في المؤتمر تحت عنوان القتال في المناطق الحضرية وأعاد فيها بسطور بعض ذكرياته الأليمة حول معركة ميدون فقال: "في معركة ميدون في وادي لبنان، في أيار/ مايو 1988 كان هناك شك حول ما إذا كان المدنيون موجودون بالفعل في البلدة. بدأت العملية بأسلحة شخصية وقناصة ورشاشات، بنيران محسوبة وتسليح دقيق، بينما خلفها مدفعية ودبابات ــ قوة نيران جيش الدفاع الإسرائيلي. خلال جميع الساعات الأولى من المعركة ــ وكان لدينا العديد من الضحايا هناك ــ قاتلنا في الخنادق والمخابئ في معارك وجها لوجه، ومن نقطة معينة كان هناك تفاهم على أن المكان كان مجمعا محصنًا ولم يكن هناك مدنيون أو لم تكن معالمه الرئيسية مدنية. لقد كان في السابق مدنياً، والان أصيحت قلعة، إنها قلعة. أكملنا المهمة وانسحبنا بعدما فقدنا ثلاثة مقاتلين هناك وأصيب 25من كتيبة المظليين. في أيار/ مايو 1988 قاتلنا في قرية ميدون عشرات من مقاتلي حزب الله مات الرائد صهيون مزراحي الذي كان النائب المساعد للكتيبة 202، قاد القوات وسقط أولاً ولحقه الرائد بوعاز رافيد والرقيب ماركو برنشتاين في المعركة.
عارض الجنرال إيرز غيرشتاين قائد وحدة الارتباط وأعلى ضابط صهيوني تقتص من المقاومة في لبنان عمليات برية استباقية واسعة النطاق تتجاوز الخط الأحمر. وبحسب رأيه فإن: "غارات ميدون (1988) أو ياطر (1992) ليست فعالة، وذلك أساسا لأنها تعرض القوات الكبيرة للنيران من مسافة بعيدة (صواريخ، مدفعية)، لذلك لا يوجد سبب للاستمرار بهذا النمط من الغارات، حيث أنه كجزء من دروسه التي اكتسبها في الميدان، تجنب تنظيم حزب الله إقامة بؤر عمليات أمامية مرئية، والتي ستكون هدفًا لهجوم جيش الدفاع الإسرائيلي".
الجزء الأول