"الاسابيع الاولى من الحرب انتهت الى: فشل سلاح الجو في تدمير القوة الصاروخية للمقاومة، وإبعاد سلاح البحر عن الأراضي اللبنانية بعد ضرب البارجة، شل القوة البرية ومنعها من السيطرة على جنوبي الليطاني (الدبابات)".
خلاصة انتهت اليها المقاومة الاسلامية في الفترة الاولى من الحرب الاسرائيلية ضد لبنان في تموز من العام 2006، وأظهرت لها الضعف الاستراتيجي عند العدو، وبالتالي خسارته للحرب.
يدوّن القيادي البارز في المقاومة الاسلامية على ورقة أمامه هذه العبارات مؤكداً أن "مجرد التأثير في هذه الأذرع من قبل المقاومة في بداية الحرب بانت معالمها وصار العدو بلا أفق، وبات يفتش عن مخرج مناسب من هذه الأزمة".
القيادي في المقاومة الاسلامية الذي خاض المواجهات مع العدو في الميدان وأدارها من غرفة العمليات، يدرك أدق التفاصيل عن سيرها لحظة بلحظة، يذكر اسماء الشهداء ومواقع استشهادهم، يشير الى المنزل الذي حوصرت فيه القوة الصهيونية في أي بلدة يقع وفي أي حي منها، كيف سقط جنود العدو وكيف فرّ رفاقهم؟ وكيف قاتل المجاهدون ببسالة وسط 40 ألف جندي صهيوني وبتغطية من كل الاذرع العسكرية.
القيادي الذي يعرف كل هذه التفاصيل يقرأ الحرب من زاوية استراتيجية، يراها من منظار مفتوح على كل الجبهة (غير المنظار المشهور لوزير حرب العدو عمير بيرتس).
بين خط الجبهة وبين الأودية والهضاب.. بين 12 تموز و14 آب.. بين الوعد الصادق والنصر الالهي الاستراتيجي، أسرار كثيرة هي ما زالت حتى اللحظة في جعبة المقاومة سلاحاً لم تنفذ ذخيرته، شباباً كالسيوف في ميدان القتال، وأرضاً وناساً وعزة وكرامة.. وعدواً غارقاً في وحل هزيمته.
من عملية الوعد الصادق (الاسيرين) التي هزت فيها المقاومة مشهد الكيان الصهيوني، الى دبابة الراهب التي بشرت بالهزيمة الى المواجهات التي خاضتها المقاومة من البارجة التي احترقت قبالة بيروت، الى مارون الراس وعيتا الشعب وبنت جبيل ووادي الحجير ومرجعيون.. الى الشهداء والجرحى الى الناس الطيبين الذين احتضنوا المجاهدين.
من ذاكرة "العهد" يعيد موقع المقاومة نشر المقابلة مع القيادي البارز في المقاومة الاسلامية، وفي الحلقة الاولى يتحدث عن عملية الوعد الصادق ومواجهة المقاومة لقرار الحرب، الى تدمير البارجة..
أجرى الحوار: أمير قانصوه
* أين تقع عملية الوعد الصادق (الأسيرين) في استراتيجية المقاومة الإسلامية؟
نحن نواجه عدواً خطيراً يمتلك قدرات مادية مهمة جداً ومهارات عالية ووسائل متطورة ودعماً مادياً ومعنوياً كبيراً على المستوى الدولي، إضافة الى تراكم الخبرة لديه.. واستراتيجيتنا في مواجهته تستند الى مجموعة من الأعمال النوعية والمركزة والمشروعة في آن، الى جانب التنوع في الأسلوب والزمان والحجم بما يضمن استمرارية التأثير المادي والمعنوي في صراعنا معه.
وأحد هذه الأساليب الموجعة للعدو والضرورية من قبلنا في مسارنا العملياتي هو عمليات الأسر التي تشكل مقتلاً معنوياً لدى العدو وعملياتياً، وضرورة إنسانية على صعيد المقاومة لجهة تحرير أسرانا في سجونه.
* كما هو معلوم الإسرائيلي كان يتوقع عملية من هذا النوع.. إذاً كيف جرت المفاجأة؟
ـ صحيح، لكن يبقى: ما هي قدرة الإسرائيلي على ترجمة هذا الحذر أو هذه المعرفة إلى حذر ميداني؟ وكما ان الله أعلمنا أننا سنموت جميعا، لكن ما هي قدرة كل واحد منا على التعايش مع هذا العنوان، إن على المستوى النفسي أو الميداني أو المعنوي، لدرجة ان الواحد منا قد يتحسس متى ستوافيه المنية، لكن لا يستطيع أن يتجنبها.. وهذه قصة معقدة كثيرا وصعبة وليست بهذه البساطة. صحيح أن الإسرائيلي يعرف ان هناك عملية أسر، ولكن الخبرة الميدانية التي نمتلكها بشكل كبير جعلتنا نتصرف في هذه العملية بحرية تامة أمام عيون اليهود وأمام كل منظومة المراقبة المعقدة على الحدود التي هي عملياًً لها قدرة عالية جداً في التحكم بأي شاردة وواردة.. ولكن معنا فقدت قيمتها كلياً. وهنا لا بد من الإشارة إلى ان عملية الأسر تطلبت منا فترة زمنية طويلة من التحضير ونفَسا طويلا جداً ومملا، ومستوى عاليا جداً من الصبر. بتقديري من الصعب على أي قوة خاصة أن تصبر على ما صبرنا عليه، إن على مستوى الهدوء والسكينة والتحكم بأنفاسنا وتحركنا، إلى جانب التحضيرات اللوجستية المعقدة التي كنا نمارسها لخدمة هذا المطلب، بمعنى اننا بقينا فترات طويلة جالسين تحت أنف العدو برغم كل وسائل المراقبة والحذر وتوجيهات العدو لجنوده وإرشاداته المختلفة.. برغم كل ذلك لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً معنا، فبقينا فترة طويلة ننتظرهم إلى أن تمكنا منهم في اللحظة المناسبة.
*هل شعرتم لحظة بأن عملية الأسر قد تبوء بالفشل، أم كان لديكم الثقة الكاملة بنجاحها؟
ـ سماحة السيد عندما ينطلق من موضوع الربح في مسيرتنا ينطلق من أمرين: توقّع الرضا الإلهي من جانب، وطريقتنا في دراسة الأمور، حيث إننا عندما نخطو الى أي عملية نفترض كل الفرضيات، باعتبار أننا نضع أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تعترضنا، وكل سيناريو مفترض نضع له علاجات معينة، لدرجة نصل الى مرحلة لا يعود الفشل وارداً على الإطلاق.. هذه طبيعة عملنا، نضع كل السيناريوهات وكل الفرضيات لكي لا نتفاجأ، وأهم شيء بالنسبة الينا عندما نذهب لتنفيذ اي عملية، أن نضع أمام أعيننا أمراً أساسياً، يجب أن لا نتفاجأ بشيء. أما اذا طرأت متغيرات في الميدان أثناء التنفيذ فيكون هذا الأمر مفترضا وله خطط بديلة من جانبنا، وبالتالي لا يصبح مفاجئاً، وعليه أجزم بأننا لم نذهب مرة واحدة الى تنفيذ عملية إلا وكنا متوقعين الربح.
*هل يمكن القول ان ما خُطط له في عملية الوعد الصادق نُفذ؟
ـ بالضبط.
الرد الإسرائيلي
* لو عدنا الى وقائع عملية الأسر، كيف تقوِّم مسار الأحداث التي تلت العملية مباشرة، أي قبل إعلان العدو الحرب.. هل كان الرد تقليديا كما كنتم تتوقعون؟
ـ نحن في خبرتنا العسكرية بتنا نعرف ما معنى كلمة مفاجأة وآثارها وتداعياتها، وأي قوة عسكرية بدءاً من القيادة إلى الفرد عندما تتعرض للمفاجأة تكون بمثابة صدمة على كل المستويات، وبالتالي عندما نقول صدمة لا يعود هناك مبادرة ولا حركة أو دينامية معينة من جانب العدو. ففي ما يتعلق بعملية الأسر نفسها وتداعياتها نحن كنا توقعنا المفاجأة بالنسبة الى العدو، برغم أنه كان يفترضها مسبقاً، وعزمنا على القيام بعملية أسر، وسماحة الأمين العام لحزب الله أشار الى ذلك أكثر من مرة. وضعنا أمامنا المشهد الإسرائيلي برمته، وكل تحرك في هذا المشهد له تدبير خاص من قبلنا، فالشلل الإسرائيلي كان حتمياً على المستوى الميداني، وبالتالي الصدمة حاصلة، وأي مبادرة من طرفهم باتجاهنا واضحة المعالم، وبأي قدر.. وكل الموضوع قد يتجلى بأمرين: الأمر الأول قيام سلاح الجو بعدد معين من الغارات بعمق معين، لكونهم لا يستطيعون تحمل مشهد الأسر، وخصوصاً ان منطقة "زرعيت" التي حصلت فيها عملية الأسر تعني كثيراً للإسرائيلي، بخلاف مناطق أخرى مثل مزارع شبعا، فهذه فيها جرأة عالية عند أخذ القرار السياسي بتنفيذ هذه العملية، فمسألة موقع العملية تمس أصل هذا الكيان، خاصة ما يعني الدفاع عن المستوطنات.. وبالتالي ما كنت أقوله عن التداعيات كنا نتوقعها. أما الأمر الثاني: فتوقعنا تعقبا محدودا جدا من جانب العدو، وكنا قد وضعنا خططاً لمواجهة هذا التعقب، وهذا ما حصل بالفعل، فما ان خرجت دبابة "الراهب" من موقعها حتى عالجها المقاومون فدمروها بالكامل، وقتلوا طاقمها المؤلف من أربعة جنود وتناثرت أشلاؤهم. هذا ما كان متوقعا من قبلنا، أما في ما بعد حيث أخذ العدو قراراً بالحرب، فهذا أمر آخر..
* ذكرت أن المقاومة لم تتفاجأ بالرد، وكانت تتوقع ردا قاسيا.. ولكن سماحة السيد في مؤتمره الصحافي عقب أسر الجنديين (مقاطعاً).
ـ انتبه.. كنا متوقعين أن يرد الإسرائيلي على مراكزنا ووجودنا بعمق معين في منطقة جنوب نهر الليطاني، وكنا بصورة هذا المستوى من الرد على قاعدة ان الموضوع لا يتحمل أكثر من ذلك، لأنه ماضياً كان يُرد على الحافة الأمامية (خط الجبهة) حصراً، وربما قد يغير الإسرائيلي على موقع معين كرسالة، أما في هذه العملية فكنا قد توقعنا غارات أكثر كثافة في دائرة جنوب النهر.
* تحدثت عن عملية تدمير دبابة "الراهب"، هل تضعنا في روايتها؟
ـ هذه العملية هي استكمال لعملية الأسر، فالصدمة التي تعرضت لها البنية الدفاعية الإسرائيلية بدءا من لحظة الأسر وصولاً إلى اشتباك "الراهب" مسألة غير عادية، فالعدو في اللحظة الأولى، أي في نصف الساعة الأولى من عملية الأسر بدا كأنه في عالم آخر، فاقدا للسيطرة على قواته، لا يدري ما يحصل على الأرض.. أما في نصف الساعة الثانية فقد كان في حالة ارتباك.. وفي الثالثة كان الوضع أسوأ بكثير، فحاول الوصول إلى منطقة عملية الأسر.. طبعاً الوصول إلى هذه المنطقة لم يكن ليحصل دونما تأمينات معينة، فكلما كانوا يتحركون باتجاهها كانوا يتعرضون لنيران من جانب المقاومة، على اعتبار ان موقع "زرعيت" وموقع الراهب مشرفان على منطقة التنفيذ (الدائرة الصغيرة)، وبالتالي صار عندهم شلل غير عادي، إلا أنه في النهاية تجرأوا جرأة غير عادية نسميها جرأة الضرورة، وظهرت هذه الدبابة فقط لتعويض مشهد الخسارة التي وقعوا فيها ولرفع المعنويات في صفوف جنودهم، غير ان الدبابة ما ان تحركت حتى انفجرت فيها عبوة ناسفة زرعها المقاومون فدُمرت تدميرا غير عادي وتمزقت وتناثر فيها القتلى، وحصلت حينها مواجهات. هنا ماذا حصل؟ كما تعلمون الإسرائيلي همه الأساس أن لا تقع أشلاء قتلى الدبابة في أيدي المقاومين، ولهذه الغاية استقدم قوات جديدة عبارة عن آليات ودبابات وناقلات جند، غير أنها تلقت بدورها نيرانا إضافية من جانب المقاومين فانكفأت. ثم استقدم قوات مشاة، وهذه القوة أخذت دور الحراسة في محيط الدبابة حتى لا يقترب أحد منها ويأخذ منها الأشلاء، فبقي الإخوان عدة أيام يواجهون العدو في محيط الدبابة. وللأمانة أقول، لكوني كنت مسؤولاً عن الموضوع، لو اتخذت قراراً حينها بجلب أشلاء الجنود لكنا قادرين على فعل ذلك، لكن لم نعطِ الأوامر للإخوة لاعتبارات خاصة بنا.
* هل تمكن الإسرائيليون من سحب الدبابة فيما بعد؟
ـ لا.. في البداية عملوا على سحب الأشلاء لا الدبابة التي أصبحت قطعاً متناثرة.. مرت عدة أيام حتى تمكنوا من سحب الجنود.
قرار الحرب
* في أي لحظة أدركت المقاومة ان العدو يتجه إلى حرب كبيرة، وسيتخطى رد الفعل على العملية؟
ـ برزت الإشارة الأولى في لحظة اتخاذ قرار المجلس الوزاري المصغر.. ثم الإشارة الثانية كانت عبر استهداف بنية المقاومة عامة في جنوبي النهر. والمحطة الأبرز أننا أدركنا ان العدو سيتجه نحو الحرب بعدما أدرك فشله في تدمير القدرة الصاروخية، ما استفزه وفرض عليه ضرورة الإمعان أكثر في المغامرة. واستمرت الإخفاقات عبر ضرب البارجة والمواجهات تباعاً.
جاهزية المقاومة
* في اللحظة التي أدركتم أن العدو ذاهب باتجاه حرب واسعة، هل كانت المقاومة على جاهزية كاملة؟
ـ منذ العام 2000 ونحن نعمل على جاهزية كاملة عدة وعديداً على قاعدة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".. فمثلا في عملية أسر الجنديين الإسرائيليين عملنا في دائرة معينة، وكنا نتوقع كما ذكرت ردا إسرائيليا محدودا، إلا انه عندما استشعرنا بأن المسألة راحت باتجاه الحرب، استنفرنا كل قوانا المحلية والاحتياط لمواجهة هذه المعركة. في حقيقة الأمر ما شهدته أثناء الحرب فاجأني بالحجم الإيجابي الذي حققناه من ربح على الإسرائيلي، نظرا لكونه عدوا مقتدرا على المستوى المادي وعلى مستوى القدرة العسكرية التي يمتلكها مقابل القدرة التي نمتلكها نحن كمقاومين.. وبسير العمليات العسكرية التي خضناها وما آلت إليه على مستوى سقوط العدد القليل من الشهداء والجرحى، وعلى مستوى صمود الإخوة في القرى والخطوط الأمامية. أستطيع أن أدعي أن حزب الله منذ الأيام الأولى للحرب حتى اللحظة الأخيرة كان موجوداً بشكل فعال، كطاقة بشرية وكقوة صاروخية، حتى انه في الأيام الأخيرة من العدوان كنا نرمي صليات الصواريخ من قرى الشريط وبأداء مهم جداً ومنسق، هذا فضلاً عن الروح القتالية العالية لدى الأفراد.
* هل يمكن القول إنكم تفاجأتم بقدراتكم كمقاومة؟
ـ بصراحة نعم، فحينما ترى أننا في الجغرافيا صامدون، والسلاح متوافر في أيدينا بمختلف أنواعه، والمبادرة ما زالت بأيدينا، فهذا الأمر غير طبيعي. يدخل الإسرائيلي إلى القرية فأطلق النار عليه، أتخذ قرارا برمي المستعمرة فأرمي، على الأطراف أرمي، أينما أرد أرمِ بحرية كبيرة.. هذا المستوى من الحرية في التحرك فاجأنا. بصراحة هذا كان يجري في وقت كان هناك ما يزيد على أربعين ألف جندي إسرائيلي بيننا! لذا علينا ان نأخذ الأمور بهذا المستوى، لا تنظر إلى الإسرائيلي أين وطئت قدماه، أنظر إلى ما فعلته المقاومة التي خاضت أهم حرب عصابات في العالم، وأهم تجليات هذه المعركة أن ما فعلته المقاومة غير موجود في أي مدرسة عسكرية على وجه البسيطة.
خليط من حرب العصابات والحرب الكلاسيكية
* هل ما كانت تخوضه المقاومة هو خليط من حرب عصابات وحرب كلاسيكية؟
ـ معروف تاريخيا أن الجيش النظامي يثبت وجوده في وجه جيش مماثل، وأن القوي هو من يدافع وليس العكس، لأن الضعيف يبادر إلى الهجوم ليعوض النقص لديه، وأحيانا المدافع القوي يبادر إلى الهجوم.. إذاً معيار القوة هو الدفاع وليس الهجوم.. تاريخياً كيف تشتغل العصابات؟ أذكر أنه لم يسبق أن سُئلت العصابات عن الأرض، أو عن دفاع في وجه جيش نظامي، فالعصابات تترك العدو يدخل ليحتل وتبدأ تمارس ضده حرب استنزاف لفترة معينة حتى يضطر في النهاية الى أن يخرج مطروداً، لأن لا طاقة له على تحمل حرب استنزاف. أما نحن فماذا فعلنا في المقاومة؟ مارسنا حرب عصابات ودفاعا ثابتا، والدفاع الثابت هو من أقوى أنواع الدفاعات، وذلك بهدف منع الإسرائيلي من اختراق أرضنا. بتقديري ما فعلناه غير موجود في كل الموسوعات العسكرية التي قرأتها، ولا في أي مدرسة عسكرية، خاصة لجهة النتائج التي حققناها على العدو الإسرائيلي.
* يفهم من كلامكم ان المقاومة كان بيدها زمام المبادرة من البداية حتى النهاية؟
ـ طبعاً.. فعلى المستوى العسكري كما ذكرت لك لم نكن نتوقع ان الإسرائيلي سيخوض غمار هذه الحرب، غير أننا في الوقت ذاته كنا جاهزين، بدليل ما حصل من نتائج.. وإذا كان هدف الإسرائيلي هو القضاء على حزب الله فبقراءة بسيطة نستخلص نتيجة مفادها هي انه عندما دخل قرى: رب ثلاثين، مركبا، حولا، ميس الجبل، محيبيب، عيترون، وبنت جبيل، كان المقاومون ما زالوا يواجهونه بضراوة. أما بالنسبة الى بلدة مارون الرأس فتركناها عن قصد بعدما نفدت الذخائر لدى المقاومين، وبإمكانك أن تأتي بأي عسكري على وجه الكرة الأرضية وتسأله إذا كان بإمكانه أن يصمد في مارون الرأس وبالإمكانية التي في حوزة المقاومين، فقد صمدنا هناك في وجه كتيبتين إسرائيليتين أياما عدة. ثم لا تنسَ ان هذه البلدة جرداء ومكشوفة من كل الجهات، وبرغم ذلك حققت فيها المقاومة إنجازات مهمة وكبيرة. ما أقصده من كلامي هذا أننا بالفعل مارسنا عملية منع على الإسرائيلي بكل معنى الكلمة، فالعدو لم يستطع أن يدخل القرى إلا بمسافات معينة، إذ عملنا على إفشال تكتيكه العسكري، وفككنا تركيبته البنيوية العسكرية من خلال إبعاد المروحية عن الدبابة، عن المشاة، عن المدفع، فبات العدو في حال ضياع حقيقية.
* كيف ذلك؟
ـ بكل بساطة، في علم الهندسة العسكرية هناك مسألتان اشتغل عليهما رجال المقاومة: في الأولى حاول العدو ان يسلك خيار الطرق الواضحة والمكشوفة، فكانت العبوات تنفجر في دباباته في موقع الراهب وريشا ومارون الراس والعويضة، بحيث تنفجر دباباته الـ(ميركافا) كلما توغل في الطرق الرئيسية، فاضطر عندها العدو لأن يسلك الطرق الوعرة.. وعملياً الأمر مكلف عليه بشرياً وزمنياً، وهذا ظهر جليا في أرض المعركة، لأنه في الطرق الوعرة كان ينتظره سلاح آخر هو صواريخ الـ"م.د" (صواريخ مضادة للدروع)، فهذا السلاح شل حركة دبابته وحولها إلى ناقلة لقتلاه وجرحاه. هذه الـ"ميركافا" التي أعدت لكي تكون الذراع الأساسية لعملية الهجوم البري والاختراق في مناطق العدو حوّلها رجال المقاومة إلى مجرد سيارة إسعاف ونقل تموين. إذاً الإسرائيلي كان همه الأساس على المستوى السياسي والعسكري أن يُحدث اختراقاً ما للوصول إلى منطقة جغرافية محددة ليقول للملأ انه وصل إلى المكان الفلاني، بغية توظيف اختراقه في الإطار السياسي والتفاوضي فيما بعد، غير أنه كان "يشحذ" هذه الاعتبارات المهمة، بحيث كان الجندي الإسرائيلي يتسلل إلى مكان ما فقط ليقول انه وصل إلى هناك، في حين ان هذا الأمر على المستوى العسكري لا يعتبر بلوغ الهدف، بدليل ان هذا الجندي الذي تجده يصرخ في أرض المعركة هو نفسه يحتاج إلى طعام، الى تبديل وإلى إخلاء، وبالتالي الإسرائيلي عجز عن الوصول إليه، فلا الدبابة استطاعت أن تصله، ولا المروحية استطاعت أن تخليه أو تؤمن له المؤونة، وقد فقد بذلك كل أنواع المناورة العسكرية والاستمرارية في أرض المعركة.
* هذا برغم أن قيادة المقاومة لم تطلب منكم ذلك؟
ـ صحيح، فسماحة السيد كان متساهلا معنا في البداية، لأنه منطلق من مفهوم حرب العصابات. قال لنا أنتم غير مسؤولين عن الأرض، الأصل هو أن تعملوا بما يخدم الدفاع، وبما يتناسب مع استمراريتكم وضمان وجودكم وتأثيركم في الخصم.
تدمير البارجة
* ما هو موقع ضرب البارجة الإسرائيلية في تقويمكم لنتائج الحرب واستمرارها، وخصوصا انها كانت المفاجأة الأولى؟
ـ تستند الاستراتيجية الإسرائيلية الى مجموعة قوى متنوعة يكمل بعضها بعضاً، والبحرية إحدى هذه القوى، وعندما يستطيع حزب الله أن يوجه ضربة مؤثرة في كل قوة على حدة يفقدها عامل التأثير والاستمرارية. على سبيل المثال:
ـ فشل سلاح الجو في تدمير القوة الصاروخية للمقاومة.
ـ إبعاد سلاح البحر عن الأراضي اللبنانية بعد ضرب البارجة.
ـ شل القوة البرية ومنعها من السيطرة على جنوبي الليطاني (الدبابات).. هذه أجوبة واضحة وكافية لإظهار الضعف الاستراتيجي وبالتالي خسارة الحرب.
ولمجرد التأثير في هذه الأذرع من قبل المقاومة في بداية الحرب بانت معالمها وصار العدو بلا أفق، وبات يفتش عن مخرج مناسب من هذه الأزمة.
* كيف جرى التنسيق بين إعلان الأمين العام لحزب الله مباشرة على شاشة تلفزيون المنار وضرب البارجة في اللحظة نفسها؟
ـ في عالم التقنيات هذا الأمر متوافر وممكن، ويعتبر من المسائل التقنية السهلة، غير ان عظمة الأمر تكمن في انه بات في يد المقاومة الإسلامية. فحزب الله بات يمتلك كل هذه التقنيات وكل هذه الدقة وهذا التنسيق العالي، لدرجة ان سماحة السيد يعلن مباشرة على الهواء ضرب البارجة وإصابتها وتدميرها، منطلقاً من ثابتة هي أن لديه كامل الثقة بالقيادة العسكرية التي يعمل معها، وبالسلاح الذي يمتلكه. هذا فضلاً عن الأثر المعنوي والنفسي الذي سيتركه هذا الاعلان في العدو بكل كيانه، وفي الناس الذين كانوا ينتظرون إنجازاً نوعياً للمقاومة، وقد تحقق لهم الأمر ورأينا كيف خرجوا في تلك اللحظة في لبنان وفي الخارج ليعبروا عن فخرهم بهذا الإنجاز حتى قبل أن يعترف العدو بتدمير البارجة، وهذا لثقتهم الكبيرة أيضاً بسماحة السيد وبمقاومتهم.
* ماذا في نتائج تدمير البارجة؟
ـ حاول الإسرائيلي أن يقلل من أهمية الخسارة التي لحقت بالبارجة وبعدد القتلى والجرحى.. لماذا؟ لأن الإسرائيلي عادة ما يتسلح بالآلة العسكرية التي يمتلكها، فحين لا تعود هذه الآلة تحميه فإن ثقته بالمنظومة العسكرية المعقدة تتبدد، وبالتالي تهتز ثقتة أمام جمهوره الذي سيسارع إلى تبديد رأيه بقيام "الدولة الإسرائيلية" وبأصل تركيبة الكيان الإسرائيلي.. فالمسألة ليست مجرد عملية عسكرية فحسب، إنما تتعلق بالتركيبة الداخلية في "إسرائيل"، فلم يعودوا مقتنعين بأن هذه "الدولة" سيُكتب لها العمر.
لو شئنا أن نرمي ألف صاروخ في اليوم الواحد لفعلنا
الإسرائيلي كان يُدرك أننا نمتلك خطوطاً دفاعية قادرة أن تحاكي مختلف اختصاصاته العسكرية
حرب العصابات والحرب الكلاسيكية
* هل ما كانت تخوضه المقاومة هو خليط من حرب عصابات وحرب كلاسيكية؟
ـ معروف تاريخيا أن الجيش النظامي يثبت وجوده في وجه جيش مماثل، وأن القوي هو من يدافع وليس العكس، لأن الضعيف يبادر إلى الهجوم ليعوض النقص لديه، وأحيانا المدافع القوي يبادر إلى الهجوم.. إذاً معيار القوة هو الدفاع وليس الهجوم.. تاريخياً كيف تشتغل العصابات؟ أذكر أنه لم يسبق أن سُئلت العصابات عن الأرض، أو عن دفاع في وجه جيش نظامي، فالعصابات تترك العدو يدخل ليحتل وتبدأ تمارس ضده حرب استنزاف لفترة معينة حتى يضطر في النهاية الى أن يخرج مطروداً، لأن لا طاقة له على تحمل حرب استنزاف. أما نحن فماذا فعلنا في المقاومة؟ مارسنا حرب عصابات ودفاعا ثابتا، والدفاع الثابت هو من أقوى أنواع الدفاعات، وذلك بهدف منع الإسرائيلي من اختراق أرضنا. بتقديري ما فعلناه غير موجود في كل الموسوعات العسكرية التي قرأتها، ولا في أي مدرسة عسكرية، خاصة لجهة النتائج التي حققناها على العدو الإسرائيلي.
* يفهم من كلامكم ان المقاومة كان بيدها زمام المبادرة من البداية حتى النهاية؟
ـ طبعاً.. فعلى المستوى العسكري كما ذكرت لك لم نكن نتوقع ان الإسرائيلي سيخوض غمار هذه الحرب، غير أننا في الوقت ذاته كنا جاهزين، بدليل ما حصل من نتائج.. وإذا كان هدف الإسرائيلي هو القضاء على حزب الله فبقراءة بسيطة نستخلص نتيجة مفادها هي انه عندما دخل قرى: رب ثلاثين، مركبا، حولا، ميس الجبل، محيبيب، عيترون، وبنت جبيل، كان المقاومون ما زالوا يواجهونه بضراوة. أما بالنسبة الى بلدة مارون الرأس فتركناها عن قصد بعدما نفدت الذخائر لدى المقاومين، وبإمكانك أن تأتي بأي عسكري على وجه الكرة الأرضية وتسأله إذا كان بإمكانه ان يصمد في مارون الرأس وبالإمكانية التي في حوزة المقاومين، فقد صمدنا هناك في وجه كتيبتين إسرائيليتين أياما عدة. ثم لا تنسَ ان هذه البلدة جرداء ومكشوفة من كل الجهات، وبرغم ذلك حققت فيها المقاومة إنجازات مهمة وكبيرة. ما أقصده من كلامي هذا أننا بالفعل مارسنا عملية منع على الإسرائيلي بكل معنى الكلمة، فالعدو لم يستطع أن يدخل القرى إلا بمسافات معينة، إذ عملنا على إفشال تكتيكه العسكري، وفككنا تركيبته البنيوية العسكرية من خلال إبعاد المروحية عن الدبابة، عن المشاة، عن المدفع، فبات العدو في حال ضياع حقيقية.
* كيف ذلك؟
ـ بكل بساطة، في علم الهندسة العسكرية هناك مسألتان اشتغل عليهما رجال المقاومة: في الأولى حاول العدو ان يسلك خيار الطرق الواضحة والمكشوفة، فكانت العبوات تنفجر في دباباته في موقع الراهب وريشا ومارون الراس والعويضة، بحيث تنفجر دباباته الـ(ميركافا) كلما توغل في الطرق الرئيسية، فاضطر عندها العدو لأن يسلك الطرق الوعرة.. وعملياً الأمر مكلف عليه بشرياً وزمنياً، وهذا ظهر جليا في أرض المعركة، لأنه في الطرق الوعرة كان ينتظره سلاح آخر هو صواريخ الـ"م.د" (صواريخ مضادة للدروع)، فهذا السلاح شل حركة دبابته وحولها إلى ناقلة لقتلاه وجرحاه. هذه الـ"ميركافا" التي أعدت لكي تكون الذراع الأساسية لعملية الهجوم البري والاختراق في مناطق العدو حوّلها رجال المقاومة إلى مجرد سيارة إسعاف ونقل تموين. إذاً الإسرائيلي كان همه الأساس على المستوى السياسي والعسكري أن يُحدث اختراقاً ما للوصول إلى منطقة جغرافية محددة ليقول للملأ انه وصل إلى المكان الفلاني، بغية توظيف اختراقه في الإطار السياسي والتفاوضي فيما بعد، غير أنه كان "يشحذ" هذه الاعتبارات المهمة، بحيث كان الجندي الإسرائيلي يتسلل إلى مكان ما فقط ليقول انه وصل إلى هناك، في حين ان هذا الأمر على المستوى العسكري لا يعتبر بلوغ الهدف، بدليل ان هذا الجندي الذي تجده يصرخ في أرض المعركة هو نفسه يحتاج إلى طعام، الى تبديل وإلى إخلاء، وبالتالي الإسرائيلي عجز عن الوصول إليه، فلا الدبابة استطاعت أن تصله، ولا المروحية استطاعت أن تخليه أو تؤمن له المؤونة، وقد فقد بذلك كل أنواع المناورة العسكرية والاستمرارية في أرض المعركة.
* هذا برغم أن قيادة المقاومة لم تطلب منكم ذلك؟
ـ صحيح، فسماحة السيد كان متساهلا معنا في البداية، لأنه منطلق من مفهوم حرب العصابات. قال لنا أنتم غير مسؤولين عن الأرض، الأصل هو أن تعملوا بما يخدم الدفاع، وبما يتناسب مع استمراريتكم وضمان وجودكم وتأثيركم في الخصم.
المواجهات البرية
* لو جئنا إلى تسلسل المواجهات، لماذا دخل العدو برياً مع أنه مدرك بحسب التجربة أنها ستكون مكلفة؟
ـ .. لم يكن أمامه خيار آخر، سوى أن يقول لك إنني هزمت وانتهى الأمر، لا سيما أنك استطعت أن تستفزه على كل المستويات، أولاً على المستوى السياسي عندما قمت بعملية أسر الجنديين الإسرائيليين حيث استطعت أن تمس ببنيته السياسية، فضلاً عن استخفاف سماحة السيد بقاداتهم إلى أبعد الحدود، بقوله إن أي من قادة العدو لا يملك الخبرة العسكرية المطلوبة، ونصحهم بعدم الدخول في المعركة لأنهم سيفشلون، فما كان منهم ـ وأمام هذا الاستفزاز ـ إلا أن يقوموا بحملات جوية اعتقاداً منهم بأن المعطيات العسكرية التي بين أيديهم (بنك الأهداف) ستمنحهم القضاء على المقاومة، غير أن هذا السلاح (مئة طائرة حربية في الجو دفعة واحدة) لم يفعل شيئاً، هذا عدا عن أن هيبة الإسرائيلي وقوة ردعه العسكرية لم تمنعنا في الأصل من تنفيذ عملية الأسر، وبالتالي جرى استفزازهم بطريقة استطعنا كشف عيوب جيشهم وعوراته. وأمام هذا المأزق الكبير لم يعد لديه من خيارات إلا أن يجازف في البر حتى لو كانت معركته خاسرة، أو أن يعترف ويقول حزب الله هزمنا، وبتقديري لو فعلها الإسرائيلي لتفكك كيانه وحزم جمهوره حقائبه وغادر ارض فلسطين، لكن لا أحداً جرؤ في "إسرائيل" على فعل ذلك، جرؤ مرة واحدة رابين في العام 93ـ94 بهدف إقناع القادة عنده بالتوجه إلى تسوية معينة، عندما لفت انتباههم الى قدرات حزب الله ووضعه العسكري! وقال علينا أن نذهب إلى تسوية.
* لماذا تعامل العدو مع الحرب البرية بشكل متدرج حتى انه كان قادرا على الدخول بشكل أوسع؟
ـ الإسرائيلي كان يُدرك تماماً أننا في الخطوط الأمامية، نمتلك خطوطاً دفاعية مهمة قادرة أن تحاكي مختلف اختصاصاته العسكرية، وبالتالي فهو غير قادر بعد أن يتحمّل فشلا آخر بعد الفشل السياسي، والاستخباراتي، والجوي، فكان المطلوب منه أن يخطو خطوة رابحة، الأمر الذي دفعه أن ينحو منحى الخطوات الأكثر حذراً على قاعدة أن لديه هامشا زمنيا يستطيع أن يتحرك به، فضلاً عن ضرورة تجاوز قطوع "الحفة الأمامية" بأقل الخسائر الممكنة اعتقادا منه أن بإمكانه في الخطوط الخلفية للمقاومة أن يجد نقاط ضعف تخوله السيطرة، وهذا ما كنا ننتظره بفارغ الصبر..
* كيف تعاملتم مع هذه الخطوة؟
ـ تعاملنا معها خطوة.. خطوة، وبالقدر الذي يمكن أن نستوعبها ونعالجها بالطرق المناسبة.
* ما هي أبرز الخلاصات التي يمكن التوقف عندها؟
ـ الخلاصات التي توصلنا إليها هي أننا كرسنا فكرة "المنع" لدى شعبنا وأمتنا في وجه العدو، وبالإمكان أن نثبتها كنظرية قابلة للتطبيق عند أي شعب تحتل أرضه، ويمتلك المواصفات التي نمتلكها.. ونقول بسلاح تقليدي جدا نستطيع أن نقهر أي قوة في العالم بدليل ما حصل من مواجهات في مارون الراس، ورب ثلاثين، وعديسة، حيث أن ثلة من رجال المقاومة في مارون الراس اشتبكت مع كتيبتين إسرائيليتين لأيام وصمدت بشجاعة وصبر كبيرين، من هنا نرى أن النظرية التي عملنا عليها كمقاومين قابلة للتطبيق ونستطيع أن نثبتها في المدارس العسكرية.
* هل استدرجتم العدو للدخول إلى البعض الأماكن (بنت جبيل وادي الحجير, و...)؟
ـ(مقاطعاً) طبيعي.. فنحن في الفراغات المسطحة والمكشوفة حرمنا الإسرائيلي من الحركة، وذلك من خلال استهداف دباباته بالصواريخ المضادة للدروع، الأمر الذي فرض عليه السير في الأودية الضيقة، وهو ما كنا نرغب به حيث يصبح الاشتباك معه مناسبا جدا، لأنه بالقدر الذي نفكك فيه تركيبة العدو العسكرية من خلال استفراد أفراده في الدوائر الضيقة، ننأى عن الطائرة والدبابة والمدفع.
* هل خضتم حرب شوارع؟
ـ في بعض الأحيان، لا سيما في عيتا الشعب وبنت جبيل (تلة التحرير) والطيبة، مارون الراس، وقليلاً في ميس الجبل، فقد خضنا المعارك في هذه البلدات من بيت لبيت ومن شارع لشارع.
* .. أعطنا نماذج عنها.. البعض تحدث عن أشباح؟
ـ (يبتسم) ليست القصة قصة أشباح .. تصوّر يحصل انفجار في غرفة ما فيخرج المقاوم من تحت الركام حياً.. فالإسرائيلي يعلم بالضبط حجم قدراته النارية التي رماها علينا من البر والبحر والجو، فهو يعتقد أن مثل هذه الكثافة النارية كافية للقضاء على المقاومين، لكنه يتفاجأ بأن المقاومين ما زالوا أحياء ويواجهون بثبات قلّ نظيره، وهذه مفاجأة بحد ذاتها، لم يألفها منذ ستين سنة.. تصوّر العدو أيضاً أن المقاوم يسمع ما يحصل من دمار في الضاحية والبقاع والجنوب فَيفترض أن معنوياته تنهار، وهكذا يتقدم الإسرائيلي في البر فيتفاجأ بأن هناك مقاومين خلفه ما زالوا يقاتلون بضراوة .. هذه أمور لم يألفها من قبل.
* في أي لحظة أدركتم أن الجيش الإسرائيلي خسر الحرب؟
ـ لا أخفي عليك، لقد امتلكني يقين في الأسبوعين الأخيرين من العدوان الإسرائيلي أن الأيام المتبقية تمر بلا جدوى بالنسبة للإسرائيلي، كنت أعرف أن الإسرائيلي يعمل على تقطيع الوقت، أي الوقت الضروري للعمل السياسي من اجل الخروج من المأزق الذي وقع فيه، فهو عندما لم يستطع أن يسيطر في البحر والبر والجو، بالمقابل أنت من تدير المعركة، وتعرف ماذا يحصل، أصبحت الأمور منتهية؟ فمثلا الإسرائيلي عندما تحرك من ثكنة هونين مرغوليت باتجاه رب ثلاثين وصعد باتجاه العقبة، ونزولا باتجاه المحيسبات ثم باتجاه الحجير تفاجأ بالمقاومين في رب ثلاثين يقاومون بمعنويات عالية، كذلك الحال في العديسة، ومركبا، وحولا، وعيترون، حيث سقط للعدو أعداد كبيرة من القتلى والجرحى. فالإسرائيلي ما إن يتوغل في القرى كان يعرف تماماً أن هناك مقاومين موجدون وما زالوا يواجهون، عندها أدركنا أن هذه المعركة عند الإسرائيلي بلا أفق.
* هل مشهد الدبابات (الميركافا وغيرها) هو إحدى المفاجآت التي وعدتم بها؟
ـ صحيح، لكن هناك مفاجآت أخرى وعدنا بها وتحققت: أولاً: استمرارية رمي الصواريخ باتجاه المستعمرات والمستوطنات الإسرائيلية طيلة ثلاثة وثلاثين يوماً، وبإيقاع منضبط ومنسق، فلو شئنا أن نرمي ألف صاروخ في اليوم الواحد لفعلنا، ولكن ضبطنا الإيقاع لكوننا نعمل وفق رؤية بأن الحرب قد تستمر لنحو ثلاثة أشهر، ثانياً: فشل الإسرائيلي في التحكم بكامل قواته، ثالثاً: فشل السلاح الإسرائيلي البري والبحري والجوي، فضلاً عن كل استخباراته وعملائه في التأثير على تحركات المقاومة، وفي النهاية نقول إن حرب العصابات فعلت فعلها بجيش نظامي سبق أن روّج له منذ مئة عام.. الآن ماذا يحضرون في المستقبل؟ دعاهم جورج بوش علناً للاستعداد كما يجب، وطمأنهم بأن السلاح على عاتقه، لكن إذا ما فشلوا في الحرب القادمة بماذا سيخاطبون جمهورهم؟!
* هل كان الإسرائيلي إلى هذا الحد يجهل كل هذه المنظومة العسكرية لدى المقاومة برغم كل أجهزته الاسخباراتيه وأجهزة المراقبة المتطورة؟
ـ حاول الإسرائيلي بمختلف الوسائل الإطلاع على منظومتنا العسكرية لكي يجابهها ولم يستطع.
* هل عملت المقاومة على تطوير صواريخها؟
ـ.. الكاتيوشا التي رمتها المقاومة غير تلك التي يعرفها الإسرائيلي، كعدد وانتشار وتكتيك.
* تحدثت عن مستوى عال جداً من السرية..
ـ ( مقاطعاً) هل تعرف ماهية قيمة حزب الله؟ حزب الله منظومة من البشر تتحرك حركة الشخص الواحد، غير أن السؤال الأهم يبقى أين تكمن خطورته على العدو في بلد مثل لبنان؟ فلبنان كما هو معروف بلد سياحي ومفتوح على الجميع، ويستطيع أي كان أن يسرح ويمرح فيه في ظل هشاشة أمنه مكشوفة، وبالرغم من كل ذلك يأتي تنظيم مثل حزب الله ويعمل منظومة معقدة من الصواريخ، وبمستوى عال من السرية، ويفعل ما يفعله بالإسرائيلي. هنا تكمن قوة المقاومة وعظمتها، وهذه مسألة غير عادية بالنسبة للعدو. والأمر المؤكد أن الإسرائيلي مع كل منظومته الاستخباراتية وعملائه وأجرائه المحليين وغير المحليين يجهل كيف تعمل المقاومة، وهذا ليس بالأمر السهل، بل له علاقة بالبعد الديني والإيماني.. والخبرة العالية، وهي مسألة لا يفهمها الإسرائيلي بالتأكيد.
ثكنة مرجعيون
* حكي أن المقاومة كانت تحاصر قوة صهيونية في مرجعيون عندما فرت إلى الثكنة، هل يمكن أن نستعيد هذه الرواية؟
ـ العدو عندما تسلل إلى منطقة مرجعيون لم يكن يتوقع وجود المقاومين هناك، فقام على أثرها المقاومون بتسديد ضربة مباشرة له مع الفجر حيث تم تدمير دبابتين، ففي اللحظة التي كشف فيها لجأت هذه القوة إلى ثكنة مرجعيون، وكان بإمكان المقاومين أن يقضوا عليها بالكامل، غير أن وجود ما يناهز ثلاثمئة عسكري لبناني داخل الثكنة حال دون التصادم مع القوة الإسرائيلية تجنباً لأي إراقة دماء يسبّبها الإسرائيلي، وخصوصاً أن هؤلاء الجنود توسلوا لرجال المقاومة بعدم القيام بأي خطوة عسكرية لأن حياتهم في خطر.
* برأيك هل كان العدو فعلاً ينوي تنفيذ هجوم بري واسع عندما أعلن عن 30 ألف جندي ينفذون اكبر عملية إنزال في لبنان، أو أنها في إطار الحرب النفسية (الأيام الأخيرة في الحرب)؟
ـ هذه الخطوة أشبه بخطوة الشخص العاجز عن فعل أي شيء، ويريد في الوقت ذاته أن يلعب ورقته الأخيرة! لكي يحافظ على ماء وجهه، بمعنى أن العدو كما ذكرت لك سابقا عاجز أن يفعل أي شيء بوجه المقاومة، إن على صعيد الجو أو البر، أو البحر، وبالتالي أراد أن يمارس عمليات تحت جنح الظلام لكي يوحي للرأي العام العالمي بأنه يستطيع أن يوجد في أي نقطة جغرافية في لبنان، لكن العبرة تكمن في إثبات حضوره على الأرض، وهذا لم يحصل على الاطلاق، بدليل انه لم يستطع أن يشل حركة المقاومين إن على صعيد استمرارهم في رمي الصواريخ، أو أن يحد من تأثير المقاومين على قواته.
*.. لذلك كانت إنزالاته في بعلبك وبوداي؟
ـ صحيح.. إنزالات بعلبك كانت بغرض الدعاية؟! والتعويض عما لحق به من خسائر على الجبهة الجنوبية، وهي كانت بغرض التأثير على الرأي العام اللبناني، وزعزعة الجبهة الجنوبية والتأثير في صفوف المقاومين على قاعدة أنه من السهل عليه أن يقوم بإنزال خلف خطوط "العدو"، والحمد الله أنه فشل في تحقيق أهدافه من الإنزالات، أما إنزال بوداي فتكبد العدو خسائر مؤلمة من خلال قتل قائد المهمة.
* إذا ما أردنا أن نركز على طبيعة رصد إنزالات العدو، أين تكمن أهميتها من الناحية العسكرية؟
ـ أي إنزال عسكري تقاس أهميته بلحاظ الهدف الذي تحقق، وإلا يكون الجهد في غير محله، فالإنزال الذي جرى في بوداي تم كشفه من قبل رجال المقاومة بفعل نقاط القوة التي نمتلكها، في حين أن العدو كشف عن نقاط ضعفه، أولا: من حيث لم يحقق غرضه، وثانيا تم كشفه من قبل المقاومين الذين سارعوا إلى التعامل معه وفق المقتضى المطلوب، فتم على الفور قتل قائد المجموعة.. بكلام آخر أثبتت المقاومة مرة أخرى مدى حضورها وفعاليتها، بدءاً من الرصد، مروراً بالبنية العملاتية، وصولاً الى إمكانية المقاومة في التصدي للإنزال.
المقاومة بعد حرب تموز أصبحت أكثر كفاءة وخبرة
المقاوم خلال عدوان تموز صقلت خبرته وشخصيته القتالية، وبالتالي أصبح أكثر كفاءة وقدرة على المواجهة
* .. ما معنى أن يقوم الإسرائيلي بإنزالات (انزال بوداي) بعد صدور قرار وقف الاعمال الحربية (1701)؟
ـ صواريخ المقاومة تحاكي الأهداف الإسرائيلية على مستوى كيانه ككل بحيث لا يبقى أحد في منأى عنهاـ للمسألة بعدان: الأول سياسي، والثاني عسكري، فالإسرائيلي حاول في 14 آب أن يُفهمنا أن وقف إطلاق النار إنما جاء كنتيجة حتمية للضغط الدولي ليس إلا، وبالتالي فالحرب بالنسبة إليه ما زالت قائمة لكونه هو الخاسر، وإن مصلحته تقضي أن لا يوقف العدوان، وإلا يعتبر الأمر بمثابة الاعتراف بالهزيمة.. أمر آخر يجب أن نسلط الضوء عليه، وهو أن حجم الانزالات الإسرائيلية على الجبهة الجنوبية كان كبيراً جداً، وتم كشفها من قبل المقاومين، وهي امور شكلت صدمة حقيقية للإسرائيلي، خصوصاً أنها بينت له حجم انتشارنا وبراعتنا في أعمال الرصد، وأُورد مثالا على ذلك، ذات ليلة تسللت قوة إسرائيلية تحت جنح الظلام إلى بيت مهجور، فتم كشفها على الفور دون الاستعانة بأي وسائل مراقبة ليلية (في بعض الأحيان) وتم التعامل معها بما هو مناسب.. ثم إن هناك أمرا آخر أفقد العدو صوابه، وهو مقدرتنا على إشغاله في كل أنحاء الأرض بحيث لا يمر إسرائيلي في أي مكان إلا ويتعرض لنيران المقاومين.
* المقاومة حققت إنجازات عديدة من خلال إصابة وإسقاط عدد من الطائرات المروحية كان آخرها "اليسعور" في وادي مريمين، هل كانت بداية تحول في مسار المواجهة وتدخل الطائرات المروحية؟
ـ للدقة.. السلاح المروحي الذي هو أساسي في الحرب البرية عند العدو الإسرائيلي لم يستفد منه في وضح النهار، جل حركته كانت في الليل، علماً أن لدينا قدرة في مواجهة المروحي، لكن لم نعمل عليها لكوننا لم نكن مضطرين، لماذا؟ لان هذه المروحيات تأثيرها غير مجد في تحركاتنا الليلية، ومع كل هذا اتخذنا قرارا بإسقاطها من باب سير العمليات الذي كنا نتحكم به. ففي كل مرحلة نحاول أن نقدم شيئاً جديداً، فتم إسقاط هذه المروحية من وحي المرحلة التي كانت فيها الحرب.
.. ماذا في نتائجها الاستراتيجية؟
ـ بالتأكيد هناك أثر كبير في استراتيجية العدو عندما تحد من حركة ذراع أساسي من أذرعه العملياتية، ما يفقده القدرة على الهجوم.
* إلى أي مستوى كانت قيادة المقاومة بالتدرج تتحكم بمسار المواجهة؟
ـ الإسرائيلي لم يستطع أن يخرجنا عن طورنا برغم كل الدمار الذي أحدثهـ في الواقع عندما تُسقط هكذا نوع من المروحيات (اليسعور) المتخصصة في عمليات الإنزال، فمن الناحية العسكرية الإنزال يكون قد فشل، لأنه في الحروب عادة العمل الخاص يكون بمثابة ذخيرة احتياط تستخدم في اللحظات الحرجة من اجل زعزعة الوضع النفسي عند الخصم أو من اجل تحصيل مكاسب معينة، معلوماتية، وخلافه.. فما أن تخرج هذا النوع من المروحيات من الخدمة العسكرية، يبقى السؤال من سيقوم بعمليات الإنزال بعد؟
الصواريخ
* تحدثت كثيراً عن الصواريخ .. المقاومة أعلنت عن استخدام مجموعة من الصواريخ للمرة الأولى، رعد، خيبر.. إلى أي عائلة تنتمي هذه الصواريخ؟
ـ صواريخ عادية تقليدية .. ليس هناك من صواريخ فوق العادة.
* هل جرى تطويرها من حيث الانفجار والمدى؟
ـ هي صواريخ متنوعة من حيث المدى والفعالية، وتحاكي الأهداف الإسرائيلية على مستوى كيانه ككل بحيث لا يبقى احداً في منأى عنها.
* ما هو تقويمكم لمستوى الأهداف التي تحققت؟
ـ .. لناحية العمق تم تحقيق الأهداف، وكان بالامكان أن نطال أبعد من ذلك، لكن لم نكن مضطرين للأمر.. ثم إن قيمة قوتك هي أن تستعمل القدر الضروري واللازم في معركتك مع العدو.
*.. تقصد أن المقاومة ما زالت تحتفظ بأسرارها العسكرية؟
ـ أمر طبيعي.. أي مقاومة تحتفظ بأسرارها وقدراتها العسكرية بما ينسجم مع المستقبل.
* ما هو الهدف الذي يقع خلف تكتيك القصف المتدرج لمستوطنات على مستوى الجغرافيا، ونوعية الصواريخ؟
ـ هذا الخطاب كان بمثابة خطاب محاججة بيننا وبين العدو.. وتتذكرون معي خطاب سماحة السيد في الأيام الأولى من الحرب، كان يريد أن يُفهم العدو بأن أسر جنوده هو فقط من اجل استرجاع أسرانا، ولكن حذّرهم بقوله إذا أردتم دخول الحرب فنحن جاهزون...
* بالرغم من كل هذا الحجم الهائل من الطلعات الجوية والكثافة النارية من جانب العدو هل كنتم تتحكمون بكل هذا المسار العسكري؟
ـ كان العدو يعلم أننا سنرمي الصواريخ في هذه الساعة ولم يستطع أن يفعل شيئاً ـ بالتأكيد .. وهذا ظهر بوضوح من خلال التحكم بتوقيت رمي الصواريخ ونوعها على المستعمرات. فالإسرائيلي لم يستطع أن يخرجنا عن طورنا برغم كل الدمار الذي أحدثه، فبقيت الأمور تسير على ما يرام حتى اللحظة الأخيرة.
* ..كلنا يتذكر اليوم الذي رمت فيه المقاومة أكثر من ثلاثمئة صاروخ دفعة واحدة، هل هذه الصلية الضخمة من الصواريخ تقع في إطار هذه الاستراتيجية المعتمدة من قبلكم؟
ـ العدو حاول أن يستخدم سياسة التيئيس معنا من خلال تدمير ما أمكن من القرى والبلدات، غير أننا أثبتنا له عكس ذلك من خلال رمي كمّ هائل من الصواريخ باتجاه مستوطناته، فأوقعناه في حالة اليأس الشديدة، وظهر ذلك جلياً عندما ألهب الجنوب ـ على ما أذكر ـ بغاراته الجوية ومدفعيته البرية والبحرية.. وبرغم ذلك كان يُطلب من الأخوان في الساعة الفلانية أرموا صليات من الصواريخ، وكان العدو يعلم أننا سنضرب في هذا التوقيت، وبرغم كل الجهوزية البرية والبحرية والجوية التي يتمتع بها لم يستطع فعل شيء، فكنا نرمي هذه الصليات في الوقت المحدد فيصاب الإسرائيلي باليأس، هذا عدا عن أنه يشكل اختبارا حقيقيا للإخوان في اللحظات الأكثر حراجة.
* هل استخدمت المقاومة سلاح المدفعية في قصف المستوطنات؟
ـ بالقدر القليل ولأهداف عسكرية.
* أعلن العدو عن تحقيق إنجازات في تدمير عدد من قواعد الصواريخ، هل هذا صحيح؟
ـ مثلما تفاجأنا بقدراتنا ومعنوياتنا، وعلى مستوى ناسنا وأهلنا كيف صمدوا، تفاجأنا بحجم الأضرار في صفوفنا وعتادنا، فقد كانت الاضرار متدنية جداً بالرغم من كل هذه الآلة التدميرية التي استخدمها العدو الإسرائيلي.. نحن بقينا نتحكم برميات صواريخنا حتى الساعة الثامنة صباحاً موعد وقف إطلاق النار، وبمستوى عال من التنسيق. فنحن على مدى 33 يوما كنا نرمي على خط المستوطنات والتجمعات العسكرية البعيدة والمتوسطة، فيما المستوطنات القريبة من الحدود غدا استهدافها سهلا جداً بالنسبة لنا، كل هذا يحصل في الوقت الذي كان هناك إنزالات وتدخل بري من جانب العدو.
*.. وميض الصواريخ في الليل واضح، كيف لم يتم كشفها واستهدافها؟
ـ لدى المقاومين خبرة عالية في التخفي والاحتماء والرمي بالسرعة المطلوبة ـ صحيح، لان لدى المقاومة تكتيك معقد وغير سهل، وحتى لو دللتك على مكان رمي الصواريخ فأنت لن تعرف أين وكيف يتم إطلاقها، لان لدى المقاومين خبرة عالية في التخفي والاحتماء والرمي بالسرعة المطلوبة من دون أن يصار إلى كشفهم من جانب العدو.
* .. تقصد أن المقاومين يتخفون مع "قطعهم" أم لوحدهم؟
ـ بحسب المقتضى المطلوب.
* كيف شعرتم أن الله إلى جانبكم في هذه الحرب؟
ـ (يبتسم) متى غاب الله عنا حتى نشعر انه الى جانبنا.. هذا الشعور لمسناه لمس اليد من خلال فشل الإسرائيلي في استهداف منصات صواريخنا، ومن خلال تحرك شبابنا تحت أعين طائرات الاستطلاع (أم. كا) لتقديم الدعم اللوجستي إلى المقاومين في مناطق وقرى مثل رب ثلاثين، الطيبة، حولا، مركبا، وميس الجبل، وبنت جبيل، وغيرها من القرى الأمامية والخلفية، إضافة إلى بقاء الأخوان طيلة 33 يوماً من دون ان يغمض لهم جفن، وأيضا لمسنا العناية الإلهية من خلال البسالة التي خاضها شبابنا في وجه العدو حيث كانت المواجهة تتم بين مجموعة صغيرة مؤلفة من خمسة مقاومين بالحد الأقصى ومجموعة إسرائيلية تتراوح بين الـ15 جنديا و500 جندي (كتيبتين).
* كيف تنظرون الى مشهد الناس الذين اضطروا إلى النزوح ولم يهتموا لمشهد منازلهم، والذين كانوا الأسرع في العودة إلى قراهم على الرغم من كل المعوّقات التي اعترضتهم؟
ـ كما تعلم الإنسان بلا معنويات لا يمكن أن يستمر.. والناس الذين صمدوا طوال هذه الحرب وقبلها على مر السنوات الطويلة قبلوا هذا التحدي (تحدي العدوان)، وبالتالي لم يسألوا عن أي شيء سوى كرامتهم وعزتهم وعنفوانهم، وهذا ما جرى ملاحظته من خلال العودة المظفرة لناسنا إلى قراهم وبلداتهم غير آبهين بما حل بمنازلهم وبممتلكاتهم.
* كيف قرأت مشهد المقاومة وهي تحقق الانتصار مجدداً؟
ـ بقي المجاهدون 33 يوماً يواجهون العدو من دون ان يغمض لهم جفنـ الكرامة هي بمثابة الأوكسجين للإنسان، وكما أن الأخير لا يمكن أن يستمر من دونه على قيد الحياة، أيضاً المقاومة هي بالمستوى عينه بالنسبة لشعبنا.
* برأيك المقاومة في الـ2006 قاتلت بروح جديدة؟
ـ ليس بالدقة التي يفترضها السؤال.. الأمر اليوم مختلف تماماً، وأصبحت مقاتلة العدو مجدية أكثر وغير متوقعة، وهذا أعطى دفعا قوياً وثقة كبيرة للمقاوم في المستقبل، وخصوصاً أنه في المعركة التي خضناها مع العدو الإسرائيلي كان المقاومون هم من يبادرون إلى مباغتة الخصم وليس العكس، وربما هذا ما دفع رئيس الأركان "دان حالوتس" إلى القول: حزب الله يقاتلنا برجال انتحاريين!.
* كيف تنظر إلى مشهد الجندي الصهيوني الذي يخرج مرة جديدة مهزوماً؟
ـ مشهد مأساوي .. على اعتبار إن الجندي الإسرائيلي مجرد موظف يؤدي دوره فحسب، ونحن في المقاومة من خلال الحرب التي خضناها معه كرسنا في عقله الباطني "نقزة" سترافقه أينما حل لدرجة انه سيغدو خائفا من أي شيء يصادفه في حياته اليومية.
*.. وكيف بدا في ميدان المواجهة؟
ـ قبل حرب تموز كان يُنظر للإسرائيلي على انه جندي مميز، فجرى تدريبه وتسليحه على أعلى المستويات ما جعله يقاتل ويناور .. لكن ما حصل اليوم جعل كل هذه الأمور مفقودة ومندثرة، وبتعبير آخر الآلة تغطي عيوب الجندي الاسرائيلي، فبمجرد أن تدفعها جانباً تنكشف عيوبه.
* .. ولكن لا تستطيع أن تنكر عليه أداءه؟
ـ كرّسنا في العقل الباطني للجندي الصهيوني "نقزة" سترافقه أينما حلّـ بصراحة، كفرد لا يساوي شيئاً. الجندي الإسرائيلي عند أول حالة تصادم يبدأ بالصراخ، ويتأزم وضعه أكثر عند أول نقطة دم تسقط منه، فلا يعود يمتلك المبادرة، ويصبح مشلولاً في أرض المعركة، ويغدو جل غايته انتظار قوة تنتشله من مأزقه. فبتقديري الجيش الإسرائيلي وتحديداً القوة التي دخلت لبنان وضعنا لها في "المخيخ" كما قلت سلفاً "نقزة" يصعب التخلص منها على الأقل في المدى القريب.
*.. ماذا عن مشهد المقاوم، مجاهداً وشهيداً؟
ـ ماضياً كنا نراهن على المبادرة الفردية، وفي المرحلة المتقدمة صرنا نعالج موضوع المنظومة العسكرية.. أما اليوم أقول إنه ما بعد الـ2006 أصبح المقاوم يقاتل بكل ثقة وجرأة بخلاف الماضي حيث كانت المعنويات تتفاوت بين مقاوم وآخر، أما اليوم إذا ما جلست مع أي مقاوم فتجده يتشوق لمقاتلة العدو وجهاً لوجه، وهذا سببه يعود إلى أن المقاوم خلال عدوان تموز صُقلت خبرته وشخصيته القتالية، وبالتالي أصبح أكثر كفاءة وقدرة على المواجهة.
* هل من علامات مضيئة في هذا المجاهد لا تغادرك؟
ـ نعم وهي كثيرة، أولها الصبر، وثانيها الشجاعة، ففي مارون الرأس مثلاً اشتبك الأخوة مع عدد من جنود العدو كانوا لجأوا إلى منزل، فهؤلاء كانوا يهاجمون القوة والبسمة تعلو وجوههم، غير آبهين بالجنود الذين اتخذوا من المنزل درعاً لهم! وفي مقدمهم الشهيد (جواد) والشهيد موسى فارس وغيرهما. أما في الصبر فكأن تجد احد المقاومين يضمد جروحه بنفسه إثر انفجار قنبلة عنقودية في رجله دون أن ينبس ببنت شفة، فتحاول نقله خارج منطقة الاشتباك لمعالجته فيرفض خوفاً على زملائه من أن يصيبهم مكروه فيفضل أن يداوي نفسه في إحدى المغارات.